إسماعيل يبرير روائي جزائري نحت بصمته في الساحة الأدبية الجزائرية والعربية، صاحب «باردة كأنثى» و«وصية المعتوه» و«مولى الحيرة»، الحاصل على عدة جوائز أهمها جائزة الطيب صالح، معنا في حوار خاص لليمامة يتحدث عن أعماله ومشاريعه ورؤيته. r في آخر إصدار روائي لك «مولى الحيرة» تكتب عن الجزائري في ستة عقود متتالية من الزمن تخبو الأصوات وترتفع وبطل يأمل في كتابة قصيد، ألم تتعبك هذه الأصوات المتخمة بالذكريات؟ - الرّواية عمل يقترب من الإنسانيّ، أنا لم أصب بالإرهاق من فعل الكتابة أو التقاطع مع مصائر أبطالي، أكثر ما يرهق في العملية أن يقف الكاتب على قدم واحدة ثمّ يقفز على خيط السّرد، أن يتورّط في مراقبة حجّته وحيلته ومدى تقبّلها، أن يقرّر في كلّ مرّة أنّ الفراغ يسكن مفصلًا ما فيضطرّ لإعادة تأمّل جسد الرّواية، إنّها عمليّة جماليّة تجميليّة، بقدر ما هي تخييليّة، وهي بالقدر ذاته مسعى لإنتاج عوالم مبرّرة بما يكفي في نوعها. الرّهان لم يكن الزّمن، كان البعد الإنساني والمكاني، الحالة التي ترهن التاريخ والحاضر ليس الكتابة الرّسمية أو الموازية للتاريخ، وليس القراءة السوسيولوجية والسلوكية للجزائريّ أو العربيّ بشكل عام، بل قراءة الإنسان في مكانه، فهو ينمو ويتطوّر وينتهي في فضاء يتشكّل في كلّ مرّة، لهذا فقد كنت كاتباً مغموراً بالشخوص الذين يغمرون المكان بنفس المقدار الذي يغمرهم به، لا أعلم إلى أيّ مدى قد أوصلت فكرتي، لكنّني أردت أن أقول اكتمال الوجود الإنسان والمكان الجزائري عبر «بشير الدّيلي». r عمق اللغة ومتاهاتها تعلّق القارئ بأعماق نصوصك، وتميزك عما أسماه النّاقد المغربي سعيد يقطين بالروايات «البدينة»، وهو مصطلح أطلقه على الكم الهائل من النّصوص المسطحة الفارغة، ما الكتابة الروائية بالنسبة لإسماعيل يبرير؟ - هي ببساطة ممارسة معرفيّة، صحيح أنّها تتقاطع مع الكثير من المفاهيم والرّؤى والحالات، ولكنّ المعرفة هي ما يؤطّرها، إنّها أقرب إلى بحث علميّ منها إلى رقصة تمّ إتقانها بالتّمرين، ورغم أنّ الكتابة كالرّقص تأخذ مساراً تطوّريّاً عبر السّنوات، لكنّها كالمعرفة لا تتأكّد إلا لتشكّ. r العنوان هو العتبة الأولى التي يلج منها القارئ للنص وأنت بارع في تشويشها بامتياز (باردة كأنثى-وصية المعتوه- مولى الحيرة –ملائكة لأفران..) هل تشتغل على العنونة كبنية تؤسس للنص؟ - أفعل ذلك، قبل أن أرسو على العنوان هناك عناوين كثيرة مقترحة، أنا مستعدّ لتأخير نشر عمل بسبب عنوانه الباهت، العنوان عتبة، والعتبات تضع المتلقي على أهبة موقف مبكّر من النّص، فوصيّة المعتوه كانت ستكون «غربال الماء»، وهو عنوان ذهب إلى نصّ مسرحيّ لاحقاً، ومولى الحيرة كانت ستكون «موفد الرّغبة»، وفي العنونة أثق في رأي الأصدقاء وأذواقهم، فأطرح عليهم عناوين وأتأمّل تلقيها. r حزت على جائزة الطيب صالح للرواية عن عملك وصية المعتوه هل الجوائز الأدبية العربية تعطي شرعية للكاتب؟ - نعم الجوائز تعطي شرعيّة للأدب، وأنا ضدّ الحديث عن تفاهتها وتسطيحها للأدب وإفسادها للأذواق، فقبل الجوائز التي أطلقها الخليجيّون كانت الرّواية خصوصاً والأدب عموماً في وضع نخبويّ ومغلق، الآن تمّ إخراج الأدب للنّاس، والعالم العربيّ شهد حركة على إثر الجوائز ورتّب الأدب في مرتبة أفضل، أمّا الحصول على الجوائز فذلك شأن آخر، لا يمكن لكلّ النّصوص الجيّدة أن تكون محلّ احتفاء، كما أنّه لا يمكن لكلّ اللّجان أن تكون على ذوق واحد، ثمّ إنّ الحديث عن ميولات سياسية وخيارات موجّهة للجوائز حديث جهل وقفز على الحقائق، فلو نظّمت أيّة جهة ودعمت منح جائزة فإنّها ترفض أن تمنحها لنصّ ينال منها ومن جوهرها أو على الأقل يعارض مساعيها، الجوائز حلقة بسيطة في عالم تحكمه المصالح وآفاق التوسّع والسيطرة، إنّه عصر الصّناعات الثّقافية يكاد يؤسّس لما يليه بينما نتساءل نحن عن جدوى الجوائز! وأنا خسرت من الجوائز أكثر ممّا حصلت، ولست مستاءً أن رفضتني لجنة نصّا، وأحترم كلّ اللّجان التي رفضت نصّي. r شاركت مؤخراً في ملتقى الشارقة للمسرح العربي في دورته 14 وقلت إن الاقتباس من الرواية يعد عجزاً ما الحل في غياب الكتابة المسرحية الجادة؟ - قلت إنّه ربّما يعدّ عجزاً، لكنّ مقاربتي للكتابة المسرحيّة مختلفة عن الكتابة للرّواية، وكنت ناقشت الاقتباس على أساس أنّه غير مقنّن، وهو حرّ على المطلق، فمن النصّ الأولّ (المُقتبس عنه) إلى النصّ الجديد (المقتبس) يمكن أن نحصل على كتابة جديدة، لماذ إذاً لا ننطلق من الفعل الأهمّ ونكتب نصّاً مختلفاً؟ الذي يقتبس يمكنه الكتابة برأيي، لهذا فإنّ الاقتباس يجب أن يكون (مسرحة) النّص الأوّل، أمّا الحديث عن االاقتباس من مسرحية فهو محيّر فعلاً! فكيف نقتبس مسرحيّة، أليس هذا بتر؟ أرى الكثير من الاقتباسات ترجمة لا غير، تغيير أسماء وتدريج حوارات، في الأمر مساءلات يمكن لأهل المسرح والباحثين أن يقاربوها برؤاهم وأدواتهم. r بعد مولى الحيرة ماذا سيكتب إسماعيل يبرير؟ - أنا أشكو تشظّياً حقيقيّاً بين عدّة مشاريع، في الرّواية أمامي نصّ يغالبني وينازعني باقي اهتماماتي.
مشاركة :