انتهى العام الدراسي وظهرت نتائج امتحانات الثانوية العامة، وازدانت صحفنا بصور الأوائل وعائلاتهم.. ولهم ولكل ناجح نقول ألف مبروك وبالتوفيق.. وفي المقابل انشغلت غرف العمليات في بعض المستشفيات باستخراج ونزع سماعات الغش الإلكترونية من آذان بعض الطلبة الذين لا يفلحون عادة إلا بالغش الذي انتشر واتسعت رقعته مع تقدم التكنولوجيا.. ولعله من المفارقات العجيبة والمؤلمة بأن يبدع طلبة العالم المتقدم في النجاح والتفوق والإبداع في تطوير الوسائل التكنولوجية الحديثة وتطوير الاختراعات التي تخدم البشرية.. ويبدع أبناؤنا في استخدام هذه الاختراعات للغش والبلادة في تطوير أخطر منظومة للفساد وهو الفساد العلمي والتربوي، والحصول بالغش على ما ليس لهم حق فيه.. ساعدهم على ذلك مع الأسف انتشار الثقافة المجتمعية التي تغاضت أو ربما ساعدت على الفساد المالي والإداري الذي تعج به مؤسساتنا، كما شجعهم على ذلك التسيّب من قبل بعض الأسر وغض الطرف أحياناً عن أبنائهم للحصول على النتيجة بأي وسيلة.. على الجانب الآخر من العالم – الذي لم نعد ننتمي إليه مع الأسف – ينشط الجميع بظهور نتائج آخر العام الدراسي بالدراسات والتحليل ويرتفع الحوار بين المعنيين عن الظواهر والنتائج وهدف الجميع هو كيف يُعَظَّم الناتج البشري من التعليم، وعلى سبيل المثال انشغل المعنيون بالحوار في فنلندا التي تصدرت المراكز الأولى في العالم في نظام تعليمها وفي هذا الوقت بالذات… حول الأسلوب الحديث أو المستجد في نظامها التعليمي ومدى فعاليته – وهو نظام التعلم بدراسة الظواهر – Phenomenon based learning والذي عمم في جميع المراحل الدراسية، حيث يدرس الطلبة في فصولهم المريحة، وهم على مقاعد صحية أو على كرات التمرين الكبيرة وأمام أجهزتهم الحاسوبية الظواهر طبيعية أو جغرافية أو علمية أو اجتماعية والتي تتجسد أمامهم بالصور الثلاثية الأبعاد يصاحبها ما يتصل بها من معلومات من مصادرها العالمية، وتثور الأسئلة وينساب المنهج بين مناقشة وتحليل ونقد في فصول لا تتعدى العشرين طالباً.. يعتني بهم مدرس أقسم على احترام مهنته وتقديسها، لا تنهكه الدروس الخصوصية والدوران على منازل الطلبة أو المقاهي طوال الليل ليصل الفصل متعباً.. ولا تشغله أو تشغلها البحث عن الإجازات (مرضية / وعرضية وأمومة وأعياد وطنية …الخ) حتى لا يبقى من السنة الدراسية إلا النذر القليل ولا يكاد أو تكاد المعلمة التعرف حتى على الأسماء ناهيك عن المتابعة الحقيقية لأداء طلبتها.. وعلى ذلك الجانب الآخر من العالم – والذي لا ننتمي إليه – تقيس الأمانة الوطنية للثقافة البريطانية معدلات القراءة بين طلبة المدارس وتدق ناقوس الخطر بأن معدلات الاستمتاع بالقراءة بين فئات الشباب من الأعمار 8 إلى 11 سنة قد انخفضت وأصبحت %73 من هذه الفئة (الله يخلف على شبابنا)، وأن نسبة %36 فقط من الشباب من الفئة العمرية 14 – 16 سنة من الذكور من الجنس الأبيض يستمتعون بالقراءة.. وتزيد النسبة عن ذلك بين الإناث أو البريطانيين من أصول آسيوية أو ملونة.. وتستفيض الأمانة في شرح الآليات والحلول الواجب اتباعها لإنقاذ الموقف وتشجيع القراءة مع بداية العام الدراسي المقبل.. أملنا أن ينشغل من بيده الأمر لدراسة النتائج بتمعن وما صاحبها من ظواهر سلبية، كما هو الحال في تلك الدول لعلنا ننقذ على الأقل آذان البعض من العمليات إن لم نستطع أن ننقذ عقولهم وهذا أضعف الإيمان، ولعلنا إن تفاءلنا ننجح إن شاء الله في تقويم المسيرة التعليمية لمصلحة مستقبل أجيالنا.. والله الموفق.د. موضي عبد العزيز الحمود
مشاركة :