الشارقة: عثمان حسن كغيره من الشعراء الصوفيين الذين ارتبطت قصائدهم بمناجاة الله، والتي تلخص لحظات مكثفة من الوجد، أو درجة من درجات الخشوع والابتهال، ما بين العبد وربه، يمكن اعتبار السيد أحمد بن علي بن يحيى «أحمد البدوي» الذي ولد بمدينة فاس المغربية سنة 596ه/ 1199م، واحداً من الأسماء اللافتة في هذا الإطار، بما تميزت به قصيدته «إلهي يا سميع» من امتنان للخالق واعتراف بفضله وقوته، وتمتعه بصفات الجمال المطلق.تتوجه قصيدة أحمد البدوي إلى الله جل جلاله، كما هو شأن معظم الشعراء المتصوفة، وهذا التوجه كناية عن الحب، حب العبد لخالقه، و تعبر عن شكر الخالق والاعتراف بفضله، وهو حب يرتفع من أسفل إلى أعلى، حيث تسمو ذات الإله وترتفع، من هنا أهمية هذه العلاقة التي تتجاوز كل ما هو بشري ودنيوي وزائل.في «إلهي يا سميع» التي تمتلىء بالدفء والخشوع، تتكشف لدى أحمد البدوي حالة من حالات التقرب الشديد من العبد إلى خالقه. هذا التقرب يلخص في نهاية المطاف علاقة المحتاج، إلى من تعددت صفاته وتجلت في ثوب من الجمال والكمال الخالص والمطلق. يبدأ البدوي القصيدة بقوله: إلهي أنت للإحسان أهلٌ ومنك الجود والفضل الجزيلُإلهي بات قلبي في همومٍ وحالي لا يُسرُّ به خليإلهي تُب وجُ د وارحم عُبيداًمن الأوزار مدمعهُ يسيلُ. واللافت في هذه القصيدة هو ورود كلمة «إلهي» بشكل متكرر في مطالع الأبيات، وهو تكرار المحتاج إلى تلك الذات القديرة، تكرار الذليل إلى العزيز، الذي يفرج الهموم ويمحو الكرب، ويشفي الأمراض ويسير الأمر.مثل هذه العلاقة، إنما تصور التزام الإنسان بالأوامر الإلهية، وهو التزام يفترض من حيث المبدأ عمل الخير والمبادرة إلى الإحسان، وهو الذي يعني تنفيذ أوامر الله والابتعاد عن نواهيه، مثل هذا الالتزام، كناية عن حب كبير يسعى أن يكون كاملاً من ذات تعشق الفناء في الذات الإلهية (عبادة والتزاماً وزهداً) لمن يستحق، ويكون بمقدوره أن يلبي حاجة العبد ويرضى عنه ويسعده.بقراءة أبيات أخرى من القصيدة تطالعنا الكثير من صفات الخالق، الجزيل العطاء، الغفار، والعفو صاحب المقدرة، الشافي، والجليل وهكذا، وهذا المستوى من الصفات، يقابله ما هو أدنى من صفات الكائن البشري حيث الضعف والانكسار والخوف والمرض، يقول: إلهي ثوب جسمي دنستْهُ ذنوب حملها أبدَاً ثقيلُإلهي جُد بعفوك لي فإني على الأبواب منكسرُ ذليلُإلهي حُفني باللطف يامن لك الغفران والفيض الجزيلُإلهي خانني جَلدي وصبري وجاء الشيب واقترب الرحيلُإلهي داوني بدواء عفوٍ به يشفى فؤادي والغليإلهي ذاب قلبي من ذنوبي ومن فعل القبح أنا القتيإلهي رَدِّني برداء أُنسي وألبسني المُهابة يا جليلُ في هذه القصيدة ثمة مستوى واحد من مستويات العشق الصوفي، وهو مستوى يبتعد ما أمكن عن ما هو فلسفي، نحو روحانية، تستشعر حاجتها إلى الخالق، فتعمل ما بوسعها لتصبح قريبة منه، لكي تستحق ثناءه وعفوه ونعمه.قصيدة «إلهي يا سميع» تتميز بالبساطة اللغوية كما هو حال بساطة معانيها، فلا إغراق في المجاز أو الاستعارة أو التشبيهات، هي قصيدة تتميز بأسلوبها المباشر، الذي يبتعد ما أمكن عن الحشو.. كما في قوله: إلهي سيدي وسندي وجاهي فمالي غير عفوك لي مُقيلإلهي شتتت جيش اصطباري هموم شرحها أبداً يطولُ.إلهي صرتُ من وجدي أنادي أنا العاصي المسيء أنا الذليلُإلهي ضاع عمري في غرور وفي لهو وفي لعب يطولُإلهي طالما أنعمت منَّا بجودٍ منك فضلا يستطيلُإلهي ظاهرا أدعوك ربي كذلك باطنا أنت الجلي تتوالى مناجاة الشاعر أحمد البدوي في قصيدته على ذات الوتيرة، كما تتقدمها في كل بيت كلمة المنادى «إلهي» لترسم علاقة واضحة المعالم ما بين الإنسان والله جل وعلا من خلال فضيلة قوامها «الحب» وهو في نهاية المطاف إنما يرسم حالة من الاشتياق والرجاء والوجد والرغبة في نيل الرأفة والمغفرة ومن ثم الثواب بالآخرة. إلهي قلت ادعوني أجبكم فهاك العبد يدعو يا وكيلإلهي كيف حالي يوم حشر إذا ما ضاق بالعاصي مقيلإلهي لا إله سواك ربي تعالى لا تمثله العقولإلهي مسني ضر فأضحى به جسمي يبلبله النحولإلهي نجني من كل كرب ويسر لي أموري يا كفيل.
مشاركة :