الخلاف الذي شهدنا فصوله طيلة الأشهر الماضية بين تلك القوى لم يكن على كيفية الوصول إلى عدالة التمثيل النيابي، بل على النتائج المتوقعة لكل صيغة من الصيغ المطروحة لهذا القانون.العرب عديد نصار [نُشر في 2017/06/03، العدد: 10652، ص(9)] كل التحركات الاحتجاجية والاتصالات التي قام بها أهالي بلدة برالياس البقاعية اللبنانية، ولا الوعود التي تلقوها بعد الكشف عن أكثر من ستمئة حالة إصابة بمرض السرطان بين أهلها الذين يعدون حوالي ثلاثين ألفا نتيجة التلوث الحاد لمياه نهر الليطاني، لم تسفر عن أي نتائج عملية حتى الآن، ويستمر نهر الليطاني الذي يتلقى المياه المبتذلة ومياه الصرف العالية التركيز بالملوثات الجرثومية والكيميائية من عدد كبير من القرى والمدن ومن المصانع والمزارع والمستشفيات، ويستمر بنشر الأمراض في القرى المحاذية له من دون أن تقدم السلطات المعنية أي حلول عملية حتى الآن لوقف هذه الكارثة. فالقوى المسيطرة منشغلة اليوم في النقاشات اللازمة لإصدار قانون انتخابي جديد “يؤمن صحة التمثيل” ولا يستثني أحدا. فهل شارفت مسرحية إنتاج قانون انتخابي جديد على نهايتها؟ يبدو أن “الكباش” الذي نشب بين القوى المسيطرة على مؤسسات الدولة اللبنانية قد شارف على نهايته بعد أن استنزف أبطاله المهل القانونية والدستورية المفروض احترامها لإعادة تشكيل السلطة التشريعية عبر الانتخابات التي كان يفترض، حسب القانون النافذ، أن تجرى هذه الأيام، أي قبل انتهاء الولاية الممددة للمجلس النيابي الحالي في الحادي والعشرين من الشهر الجاري. وبغض النظر عن المماحكات الدستورية التي ظهرت مؤخرا بين رئيس البرلمان ورئيس الجمهورية حول صلاحيات كل منهما، كان متوقعا أن تصل الأمور في اللحظات الأخيرة إلى إصدار قانون انتخابي جديد يتفق عليه بين سائر الفرقاء يؤمن تمديدا سُمي تخففا بـ“التمديد التقني” يمتد لأكثر من ستة أشهر، بل ربما لسنة كاملة، كما يؤمن إعادة إنتاج نظام سيطرة القوى المافيوية المسيطرة نفسها، مع بعض التعديلات التي تعكس موازين القوى المحلية والإقليمية. تريد القوى المسيطرة إعادة إنتاج نظام سيطرتها سواء بالتمديد الفج لمجلس نوابها والذي طبقته مرتين خلال السنوات الأربع الماضية وهي مدة ولاية كاملة لمجلس النواب انتزعت اغتصابا، وإما عبر التجديد من خلال انتخابات تجرى على أساس قانون انتخابي يصدره هذا المجلس ويحدد نتائج الانتخابات التي ستجرى على أساسه مسبقا. الخلاف الذي شهدنا فصوله طيلة الأشهر الماضية بين تلك القوى لم يكن على كيفية الوصول إلى عدالة التمثيل النيابي، بل على النتائج المتوقعة لكل صيغة من الصيغ المطروحة لهذا القانون. ويبدو أن التوافق قد حصل على مشروع قانون يؤمن التمديد والتجديد في الآن نفسه. تنظر القوى المؤتلفة في السلطة والمتنازعة على الهيمنة إلى قانون الانتخابات العتيد كل من زاويته. فإذا كان حزب الله يريد ترجمة ما يعتبره انتصارا لمحوره الإقليمي وخصوصا في سوريا فيدفع باتجاه إقرار قانون انتخابي يجعله قادرا على السيطرة على المؤسسة التشريعية أو على تعطيلها في أسوأ الأحوال، ليتمكن من تجاوز أشكال الحصار التي تواجهه عبر العقوبات الغربية، فإن التيار الوطني الحر بزعامة جبران باسيل وزير الخارجية وصهر رئيس الجمهورية الذي فشل في الوصول إلى الندوة البرلمانية في الانتخابات الأخيرة عام 2009، يعمل على الاستفادة القصوى من تحالفه مع حزب الله باتجاه إصدار قانون انتخابي يضمن له أكثرية مريحة على الساحة المسيحية. في حين تقف القوى الأخرى وخصوصا تيار المستقبل بزعامة سعد الحريري رئيس الحكومة وكذلك الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط وقوى أخرى وشخصيات حليفة لهاتين الجهتين موقف الدفاع محاولة الحفاظ على ما لديها من مقاعد في البرلمان. وفي سياق استنزاف المهل القانونية والدستورية تكون القوى المسيطرة قد وضعت اللبنانيين أمام خيار انتخابي وحيد تحت عنوان “لم يكن بالإمكان أفضل مما كان”. خيار يفرض التمديد “التقني” ليس للبرلمان المدد لنفسه فحسب، بل للحكومة التي لم تنجز حتى اليوم سوى عدد من الصفقات التي تحوم حولها شبهات المحاصصة والفساد: من الهندسة المالية التي ينبغي اعتبارها أكبر عملية تحيل على المالية العامة وصلت حصيلتها إلى حوالي ستة مليارات دولار تقاسمتها المصارف المملوكة في غالبيتها من قادة تلك القوى السياسية المافيوية المسيطرة، إلى الكهرباء وفضيحة البواخر “محطات الإنتاج العائمة” المزمع استئجارها والتي لم تنته فصولها، إلى الاتصالات وفضيحة صفقة تلزيم شبكات الألياف الضوئية، إلى النفايات الصلبة إلى النفط إلى أزمة اللاجئين والآتي أعظم. خيار مطلوب منه إعادة إنتاج سلطة ائتلاف المافيات نفسها من خلال الانتخابات الموعودة التي سيتم إجراؤها بعد انقضاء مدة “التمديد التقني” الذي سوف ينص عليه قانون الانتخابات العتيد، تجديد يأخذ بالاعتبار تعديلات في مواقع السلطة تكرس تلك القوى ممثلة للطوائف والمذاهب وبتوقيع اللبنانيين وتفويضهم الانتخابي من جهة، وتزيد من إحكام قبضة حزب الله وحلفائه على مؤسسات الدولة اللبنانية من جهة أخرى، في مقابل غض النظر عن الصفقات المشبوهة التي سوف يتم تأمين غطاء قانوني لها خلال مرحلة “التمديد التقني” تلك سواء للمجلس النيابي أو للحكومة الحالية. في هذه الأثناء، تستمر سيطرة حزب الله على جميع المنافذ الحدودية البرية مع سوريا وكذلك على كل من المطار والمرفأ حيث “يقاوم” العقوبات المالية المفروضة عليه بعمليات التهريب وبسائر العمليات الاقتصادية والمالية غير المشروعة، بينما يستمر تفاقم الأزمات الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي بات اللبنانيون يُسحقون تحت وطأتها. كاتب لبنانيعديد نصار
مشاركة :