حياتنا المثالية بقلم: نهى الصراف

  • 6/3/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

الحياة المثالية تعني البحث المستمر عما يكمل النقص ويداوي الجرح ويحول الفشل إلى نجاح، وهو خيار صعب وطويل الأمد يحتاج إلى حكمة وصبر.العرب نهى الصراف [نُشر في 2017/06/03، العدد: 10652، ص(21)] ينتابنا الكثير من الحزن والإحباط وربما الغضب عندما نمرّ بحادث سيء أو عندما لا تحدث الأشياء كما كنا نتوقعها أو بالطريقة التي ترضينا. هذه المشاعر وغيرها، تنبع في الغالب من طريقتنا في التعاطي مع القواعد التي تحكم حياتنا وتوقعاتنا التي نرسمها ضمن إطار محكم يتخذ قالبا مثاليا تدور في محوره هذه التوقعات. ولهذا فإن أي خلل أو شرخ بسيط يطرأ على حالة الثبات هذه يعد اختراقا لحدود القالب، وهو اختراق قد نقف أمامه مكتوفي الأيدي مسلوبي الإرادة مشدودين بقيود الحيرة والتساؤلات واللوم؛ نلوم أنفسنا والآخرين، فإذا أعيتنا الحيلة نلوم الأقدار. يحدث هذا، ليجنّبنا عبء مواجهة الحقيقة الصعبة؛ بأن الأمور لا يمكن أن تستمر بهذه الصورة المثالية على الدوام، وإن مفهوم من مثل الحياة الكاملة، المثالية والسعيدة، مجرد صور وكلمات لا علاقة لها بالواقع الذي يؤكد مع كل أحداثه ومفاجآته أن دوام الحال من المحال وإن ما يحزننا ويصيبنا بالإحباط ما هو إلا غاية وأمنية لغيرنا من الناس الذين تدير لهم الحياة ظهرها على الدوام. على المستوى الشخصي، نحن نشعر بأمان وثقة كبيرين عندما ننجح في الحصول على علاقات ناجحة ومتينة مع الآخرين خاصة الأشخاص ضمن محيطنا الاجتماعي الضيق، ونشعر بالرضا عندما نحصل على كفايتنا من الأمان المادي كما نشعر بالاستقرار النفسي لتمتعنا بالصحة النفسية والجسدية. هذه هي الحالة الإنسانية المتكاملة من وجهة نظر المنطق أو القالب المثالي الذي تسير عليه حياتنا وحياة الآخرين، فيصبح كل ما يصب في اتجاهات بعيدة عن هذه الأساسات المتينة جزءا ثانويا مكمّلا لها، ولعل شعورنا بالأمان لتوفر العناصر الرئيسية في حياتنا كضمان دائم، كما قد نعتقد، هو الذي يجعلنا نتأثر بشدّة وحساسية إزاء أي طارئ ثانوي أو تغيير بسيط في ترتيب وحدات هذه المنظومة المثالية. نتأمل قليلا، لنجد أن أحداث الحياة نفسها هي مجرد سلسلة من المفارقات وهي أبعد من أن تكون بالسلاسة التي نراها أو ننشدها فيها؛ هذه المفارقات هي المحكّات التي تجبرنا على تغيير طريقتنا في النظر إلى الأمور، وما كان أساسيا ومهمّا في مرحلة ما سيبدو هشا وباهتا في مرحلة أخرى، تبعا لتبدّل نظرتنا وعمق تجاربنا. فضلا عن ذلك، فإن الشعور بالخذلان والانكسار بسبب فشل تجربة أو ضياع غاية أو أمل هو نهاية لمرحلة وبداية لمرحلة أخرى في سلسلة المفارقات هذه، ومهما كانت طبيعة المشاعر المرافقة لها؛ حزن، إحباط، غضب، انكسار، فهذا في حد ذاته يعني أننا مازلنا على قيد الحياة، على متن رحلة قُدر لها أن تستمر بأي شكل من الأشكال، فالمهمّ أنها تستمر وهذه غاية أخرى لا تقل أهمية عن غيرها. الحياة المثالية تعني البحث المستمر عما يكمل النقص ويداوي الجرح ويحول الفشل إلى نجاح، وهو خيار صعب وطويل الأمد يحتاج إلى حكمة وصبر وإيمان وثقة في النفس، وقد يكون الحلم في نهاية هذا الطريق وقد لا يكون. كاتبة عراقية مقيمة في لندننهى الصراف

مشاركة :