تلاشي المكان يعيد صياغة الإنسان

  • 6/4/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

كَثُرَ الكَلَامُ حَولَ الإنسَانِ، وعَلَاقته بالأَرضِ، وانطَلَقَت طَائفَةٌ مِن عُلمَاءِ الاجتمَاعِ فِي الكَلَامِ عَن فَوضَى الجُغرَافيا، وأَسَاسيَّاتِ الحَيِّزِ، وتَأثيرَاتِ المَكَانِ، ولقَد أَحصَيتُ أَكثَرَ مِن (20) بَحثًا، يَتنَاول قِيمةَ المَكانِ، فِي الرِّوَايَاتِ الفُلَانيَّةِ، أَو فِي السَّرديَّاتِ العِلَّانيَّةِ..!ولَو أَردنَا تَبسيطَ الأمُورِ، لذَهبنَا إلَى تَاريخِ الإنسَانِ الحَضَاريِّ، وعَلَاقته بالمَكانِ، وحِينهَا سنَجدُ أنَّ الإنسَانَ البَسيطَ -وأَعنِي بِه الفَلَّاحَ- ارتَبَطَ بأَرضهِ زَمَانًا ومَكَانًا، وأَصبَحتْ جُزءًا مِن هَويَّتهِ، وبَعضًا مِن تَاريخِهِ، ومُكوِّنًا أَسَاسيًّا مِن جُغرَافيِّتهِ، ومِثلُ هَذِه الحَالِ، يُمثِّلهَا الفَلَّاحُ المِصريُّ، الذي مِن المُمكنِ أَنْ يَبيعَ كُلَّ شَيءٍ، إلاَّ فَدَّانًا مِن أَرضِ الآبَاءِ والأَجدَادِ..!لقَد جَاءَ مَفهومُ الأَرضِ، وعَلاقتهَا بالعَمَلِ، فأَصبَحَ وَلَاءُ الإنسَانِ للجُغرافيَا ومَنطقةِ عَملِهِ، وهَذَا المَفهومُ يَختَصرُه المَثَلُ النَّجدِيُّ العَامِّيُّ القَائِلُ: «دِيرتُكَ التِي تُرزقُ فِيهَا، ولَيسَت التي تُولَدُ فِيهَا».. والآنَ نَحنُ نَعيشُ فِي عَصرِ الــ»لَا مَكَان»، مِن خِلَالِ الشَّركَاتِ العَابِرَةِ للقَارَاتِ، فمَثلاً قَد يَكونُ جهَازُكَ المَحمولُ هو مَكتبكَ وعَملكَ، وحَيِّزكَ وجُغرَافيِّتكَ، ومِثلُ هَذَا النَّموذجِ يُمثِّلُهُ الشَّبَابُ المِصريُّ «الكول»، ممَّن إذَا سَألتُه عَن مَكَانِهِ قَالَ لَكَ: «أَنَا Roaming»، وتَعنِي «أَنَا مُتجوِّلٌ».. وفِي نَجد يَقولُونَ فِي أَمثَالِهم، عَن شَخصٍ اسمُه سبيْت: «سبيْتٌ مَا له بيتٌ»..!إنَّ الإنسَانَ والجُغرَافيا فِي عَلَاقةِ شَدٍّ وجَذْبٍ، لأَنَّ البَشَرَ يُهَاجِرُونَ مِن ديَارِهم، بَحثًا عَن العَمَلِ والرِّزقِ، ومِن تِلكَ المَنَاطِقِ، يُرسِلُونَ قَصَائِدَ الحَنينِ والأَنينِ إلَى بلدَانِهم، والجُغرَافيَا التي عَاشُوا فِيهَا..!حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!بَقي أَنْ نَقولَ: نَحنُ نَعيشُ فِي زَمَنِ الحيَاةِ السَّائِلَةِ، كَمَا هُو تَعبير المُفكِّر البُولَنديِّ «زيجمونت باومان»، هَذه الحيَاة التي تلْغِي الزَّمَانَ، وتَتَجَاهَلُ المَكَانَ، والإنسَانُ هُو الذِي يُحدِّدُ زَمَانَهُ ومَكَانَهُ.هَذا رَصدٌ سَريعٌ لعَلَاقةِ الإنسَانِ بالمَكَانِ.. أَعلَمُ أَنَّ هُنَاكَ تَقسيمَاتٍ وتَفريعَاتٍ لهَذه النُّقطَةِ أَو تِلك، ولَم أَتجَاهلْهَا تَعاليًا عَليهَا، بَل لضِيق المسَاحَةِ، ومَن أَرَادَ الاستزَادَةَ، فعَليهِ العَودَةُ إلَى كُتبِ أَسَاتذِةِ عِلمِ الاجتمَاعِ، مِن أَمثَالِ «ابن خلدون، ومالك بن نبي، وجمال حمدان، وعلي الوردي»..!!

مشاركة :