رغم تحرير القوات العراقية لغالبية مناطق وأحياء مدينة الموصل، فإن المعركة التي بدأت قبل أكثر من سبعة أشهر تزداد ضراوة مع الاقتراب من حسمها في المدينة القديمة، آخر معاقل التنظيم وسط الموصل. ولم يبق لتنظيم داعش سوى الانتحاريين والسيارات المفخخة لعرقلة القوات الأمنية وتأخير عملية تحرير المدينة. وشهد حيا الزنجيلي والشفاء ومناطق المدينة القديمة أمس، معارك شرسة بين مسلحي «داعش»، الذين يشكل العرب غير العراقيين والأجانب غالبيتهم، والقوات الأمنية العراقية التي تندفع من ثلاثة محاور باتجاه المناطق، وتمكنت قطعات الشرطة الاتحادية من التوغل مسافة 800 متر في حي الزنجيلي. وقال قائد قوات الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت، لـ«الشرق الأوسط»: «قتلت قواتنا ثمانية من مسلحي التنظيم من بينهم القيادي عبد الكريم الحديدي، الملقب بـ(أبو مصعب)، وهو مسؤول التفخيخ في حي الزنجيلي، ودمرت ثلاث عجلات مفخخة وخمس دراجات نارية»، مبينا أن قواته تقترب من إحكام الطوق الشمالي على المدينة القديمة وتسيطر على مقر حسبة «داعش» في الزنجيلي. من جهته، قال مسؤول إعلام قوات الشرطة الاتحادية، العقيد عبد الرحمن الخزعلي، إنه لم «يبق أمام القوات الأمنية سوى حيي الشفاء وباب سنجار والمدينة القديمة وقسم من الزنجيلي. وتابع إرهابيو (داعش) يُبدون مقاومة لتقدم قطعاتنا، ويعتمدون على المفخخات وتلغيم الطرق والمباني وحجز العوائل، وهذه الأساليب تمثل عائقا أمام تقدم القطعات العسكرية. بدوره، بين آمر كتيبة معالجة المتفجرات في الشرطة الاتحادية، العقيد نزار الجبوري، أن مقاتلي كتيبته استولوا أمس على مستودع للمقذوفات الحربية والأحزمة والعبوات الناسفة والصواريخ الذكية والمتفجرات والأسلحة والأعتدة، تابع لتنظيم داعش في أحد الأزقة المحررة بحي الزنجيلي. وتابع: «قواتنا تواصل العمل ليل نهار لتطهير كافة مناطق وأحياء الموصل من العبوات الناسفة والمتفجرات». ومع استمرار المعارك البرية ضد التنظيم، تواصل طائرات التحالف الدولي والقوة الجوية العراقية تدمير أهداف التنظيم وتجمعاته وعجلاته المفخخة، ودمرت طائرات التحالف في غارة لها معملا لتفخيخ العجلات في حي الزنجيلي، بينما شنت الطائرات العراقية غارات مكثفة على ثلاثة مواقع أخرى للتنظيم. في غضون ذلك، ذكر مسؤول إعلام مركز تنظيمات الاتحاد الوطني الكردستاني في الموصل، غياث سورجي، لـ«الشرق الأوسط» أن القوات الأمنية العراقية شنت منذ ساعات الصباح الأولى أمس هجوما موسعا على حيي الزنجيلي وباب سنجار، واندلعت على إثر الهجوم معارك ضارية بين مسلحي التنظيم والقوات العراقية. وتابع: «بطء التقدم ناجم عن كثافة العجلات المفخخة التي يهاجم بها التنظيم القوات الأمنية»، مشيرا إلى أنه خلال الساعات الأولى من الهجوم دفع التنظيم بأكثر من 13 عجلة مفخخة يقودها انتحاريوه باتجاه القطعات العسكرية التي تم تدمير بعضها فيما انفجرت أخرى قرب خطوط التماس، لافتا إلى أن القوات العراقية تسعى إلى تحرير حيي الزنجيلي وباب سنجار وبذلك لن يبقى تحت سيطرة «داعش» سوى حي واحد وهو حي باب الطوب الذي يمثل مركز المدينة القديمة. ومع أن القادة العسكريين العراقيين لم يوفقوا حتى الآن في المواعيد التي حددوها لإعلان تحرير الجانب الأيمن من الموصل بالكامل خلال الأشهر الماضية، إلا أنهم يؤكدون أن حسم المعركة سيكون قبل حلول عيد الفطر المبارك، مؤكدين انهيار التنظيم ودفاعاته بالكامل. إلى ذلك، ترتفع نسبة الدمار الذي لحق بالمباني والشوارع في الجانب الأيمن من الموصل يوما بعد يوم، في ظل استمرار المعارك بين القوات الأمنية ومسلحي التنظيم، بينما لا يزال الآلاف من المدنيين محاصرين من قبل التنظيم في المدينة القديمة في ظل ظروف إنسانية صعبة. من جهة ثانية ذكرت مصادر عراقية أمس، أن عشرات من جثث مدنيين قُتلوا أثناء فرارهم من حي الزنجيلي الذي يسيطر عليه تنظيم داعش في الموصل، وتناثرت جثثهم أمس في شارع متاخم لخط المواجهة مع القوات المسلحة العراقية، حسب تقرير لوكالة «رويترز». وتناثرت حقائب كانوا يضعون فيها متعلقاتهم في الشارع المؤدي إلى خارج حي الزنجيلي وهو أحد ثلاثة أحياء ما زال تنظيم داعش، يسيطر عليها في الموصل. وقال ديف وبانك من جمعية «فري بورما رينجرز» للإغاثة: «على مدى اليومين الماضيين قام تنظيم داعش، بإطلاق النار على الفارين من هذه المنطقة». وأضاف «وبانك» الذي كان يتحدث من مبنى يطل على جبهة القتال في الزنجيلي لـ«رويترز»: «رأيت أكثر من 50 جثة أمس وتعاونا مع الأميركيين... وأنقذنا فتاة صغيرة ورجلاً، لكن ما زال هناك آخرون». وتمكن عشرات آخرون من الوصول إلى المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية، وكان بعضهم جريحاً، والبعض الآخر كان يحمل جثث قتلى على ما يبدو في أغطية وهو يبكي ويصرخ. وكان رجل يحمل طفلا فاقدا الوعي. ومن مبنى قريب من الموقع الذي قُتل فيه المدنيون تسنى رؤية رجل مختبئ وراء جدار محاولاً إيجاد وسيلة للخروج بمساعدة جندي عراقي جاء لإنقاذه. وقال شاب إنه أصيب في يده قبل بضعة أيام عندما أصابت غارة جوية مجموعة من المدنيين الذين كانوا يحضرون الماء لأن مقاتلا من تنظيم داعش كان مختبئاً وسطهم. وقال بشار أحمد صالح (19 عاماً) لـ«رويترز»: «رحت أعبي لمكان المياه القريب علينا. إحنا كنّا مدنيين 200 واحد فات من بينا (داعش) وضربنا الطيار وكلنا تأذينا وهو (داعش) طلع منها. ذهبت للمستشفى للعلاج ولكن رفضوا (داعش) يعالجوني وقالوا بس بنعالج الإخوة، وأنت مش من الإخوة». واستردت القوات الحكومية العراقية شرق الموصل في يناير (كانون الثاني)، وبدأت في هجوم جديد في 27 مايو (أيار) للسيطرة على الجيب المتبقي تحت سيطرة تنظيم داعش، في الجانب الغربي من المدينة، حيث يعتقد أن نحو 200 ألف مدني محاصرون فيه في ظروف معيشية مروعة. وبدأ هجوم الموصل في أكتوبر (تشرين الأول) بدعم جوي وبري من تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة. واستغرقت الحملة أطول من الوقت المتوقع بسبب قتال داعش من بين المدنيين مما أبطأ من تقدم القوات. وستمثل السيطرة على الموصل، بشكل فعلي، سقوط الشطر العراقي من دولة «داعش» التي أعلنها زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي في 2014 على أجزاء من العراق وسوريا من على منبر جامع أثري في المدينة القديمة. وفر حتى الآن نحو 700 ألف شخص من الموصل بما يمثل ثلث سكان المدينة قبل الحرب وقد لجأوا إلى أصدقاء وأقارب أو إلى مخيمات للنازحين. وفي سوريا تحاصر قوات كردية مدعومة بغطاء جوي أميركي مسلحي «داعش» في الرقة المعقل الرئيسي للتنظيم هناك.
مشاركة :