إن عملية التحولات المستمرة والجريئة التي أقدمت عليها شركات النفط الوطنية في منطقة الخليج في سعيها كي تصبح شركات تشغيلية عالمية مكتملة الأداء سوف تتعرض خلال هذا العام لاختبارات مفصلية من أجل إثبات جدارتها، مع الأخذ بعين الحسبان أن ارتفاع أسعار النفط فوق معدل الـ40 دولاراً للبرميل الذي ثبت منذ نهاية عام 2016 وحتى الوقت الراهن لن يكون له تأثير في إطلاق منحنى التراجع عن خطة هذه الشركات الوطنية بأن تصبح شركات عالمية متكاملة. وأصبحت الشركات الوطنية تدخل إلى طاولة المفاوضات متسلحة بمزيد من المعرفة وبقدر أكبر من الاستقلالية عما كانت عليه من قبل، كما أن خطواتها، بل في بعض الأحيان قفزاتها، في أسواق ونواح جديدة لم تطأها من قبل تمثل أكبر مرحلة من مراحل التحولات منذ مرحلة التأميم في أواخر التسعينيات من القرن العشرين. تنبع درجة ثبات وحزم الشركات النفطية الوطنية الخليجية في مسعاها الجديد من حجم التحديات التي اضطرت للتعامل معها في الآونة الأخيرة، ونلاحظ أن أداء شركات النفط الوطنية الخليجية قد حافظ على مساره على الرغم من استمرار عهد الأسعار المتدنية لفترات طويلة تمتد منذ منتصف عام 2014 ومع تعمق النظرات والمشاعر التشاؤمية عندما وصلت الأسعار إلى أدنى مستوى لها في 12 عاماً خلال يناير من عام 2016، وقد ترافق ذلك مع مصاعب أخرى من ضمنها الثورة التي أحدثها قطاع النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة والحاجة إلى إعادة هيكلة الشركات وتخفيض أعداد العمال والموظفين علاوة على القضايا الأمنية الشائكة في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام. ولم تقف العقبات والمصاعب عند هذا الحد، حيث يواصل الارتفاع في الإنتاج من قبل الولايات المتحدة تحديه لإنتاج شركة النفط الوطنية في الخليج، والتي عليها أيضاً أن تأخذ بعين الاعتبار الكيفية التي يسير عليها حتى نهاية العام الجاري أول اتفاق منذ 15 عاماً بين الدول المنتجة الأعضاء في أوبك ومن خارج أوبك لتخفيض الإنتاج، والذي تم التوصل إليه في العاصمة النمساوية فيينا. وبنظرة سريعة على أجندة التغييرات السياسة خلال الفترة الأخيرة يجد المرء الأسباب التي دعت مجموعة أوراسيا لإطلاق هذا التقدير، حيث جاءت النتائج المفاجئة للانتخابات الأميركية في شهر يناير لتضع الرئيس رونالد ترامب في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض، وبعد ذلك بشهرين، أي في مارس أطلقت الحكومة البريطانية زر التفعيل الخاص بتطبيق المادة 50 من اتفاقية الاتحاد الأوروبي معلنة الخطوات الرسمية لتنفيذ قرار الانسحاب من أوروبا (بريكزت). ولا تقتصر التحديات التي تواجه شركات النفط الوطنية في الخليج على الغرب، بل إن التنافس السياسي الذي يسبق الانتخابات العامة في الصين المقرر لها سبتمبر المقبل من أجل اختيار أعضاء كونجرس الحزب الشيوعي الحاكم، سيكون له تأثير كذلك من حيث لائحة العملاء لدى الدولة الآسيوية الأولى في استيراد النفط، وقد أنفقت الدول المنتجة قدراً كبيراً من الجهود من أجل حماية حصتها في الأسواق الآسيوية وأي تهديد في هذه الحصص سوف يمثل خطورة بالغة بالنسبة للتوجهات التجارية الجديدة التي تنتهجها شركات النفط الوطنية الخليجية. ... المزيد
مشاركة :