شدد وزير الخارجية السوداني إبراهيم غندور على أهمية «العلاقات الاستراتيجية الخاصة جداً» مع مصر التي شابها بعض التوترات مؤخراً. وقال في حوار مع «الشرق الأوسط» في القاهرة، أمس، إن البلدين اتفقا على «حل كل ما يعكر صفو العلاقات، مع الاهتمام بالتنسيق والتشاور الدائم بين كل أجهزة ومؤسسات الدولتين». وأكد أنه «لا يمكن لأي دولة أن تستخدم الأراضي السودانية في الإساءة إلى مصر أو حتى ليبيا». وتحدث عن تفاصيل الهجوم على دارفور الذي وقع مؤخراً، متهماً متمردين تابعين لليبيا ولدولة جنوب السودان، بالمسؤولية عنه. وقال إن السلام في دولتي السودان «يخدم أمن واستقرار البلدين»، وأن «الخرطوم ملتزمة بهذا الشأن». وتوقع رفع العقوبات الأميركية المفروضة على بلاده، مشيراً إلى «الاقتراب من هذه الخطوة بعد تنفيذ السودان للمسارات الخمس». وفيما يلي نص الحوار: * ما هي النتائج التي تم التوصل إليها خلال مباحثاتكم المهمة في القاهرة مع السلطات المصرية؟ - ما توصلنا إليه خلال اللقاء مع وزير الخارجية سامح شكري، ثم اللقاء مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، هو أهمية التواصل بين المؤسسات والأجهزة المختلفة في البلدين، لأن ذلك سيساعد على إزالة أي اتهامات أو شكوك أو سوء فهم لبعض المواقف. وبالتالي نحن في وزارتي الخارجية المصرية والسودانية اتفقنا منذ لقاء الخرطوم الشهر الماضي على أن نلتقي شهرياً في شكل لجنة تشاور سياسي، ووجه الرئيس السيسي بأن يمتد ذلك إلى الأجهزة العسكرية والأمنية، وهذا لم يكن موجوداً من قبل، وكان متباعداً ووفق الحاجة. لكن اليوم ستلتقي بانتظام. والأمر الثاني الذي اتفقنا عليه هو أن هذه العلاقات ذات خصوصية، والمحافظة عليها واجب من الطرفين، والابتعاد عن كل ما يحاول تعكير صفوها، وعدم السماح لأي جهة باستهداف طبيعة هذه العلاقة، وبالتالي إذا اعتمدنا هذه الطريق سنصل إلى علاقات قوية غير قابلة للتوتر أو الهزات التي تحدث بين وقت وآخر. * هل تعتقد أن هناك طرفاً ثالثاً يتدخل للوقيعة بين البلدين مصر والسودان؟ - في كل العالم توجد أطراف خفية لا ترغب في استقرار العلاقات بين الدول، سواء أكانت هذه الأطراف أفراداً أو مؤسسات أو دولاً أو خلافه، وحتى الآن لا نستطيع القول إن هناك طرفاً يمكن أن نمسك به، لكن بكل تأكيد هناك من يعمل على صب الزيت على النار ويؤجج المشاكل، وبالتالي هذا ما أردت توضيحه اليوم في رسالتي للإعلام بأن العلاقة بين البلدين مقدسة، ويجب الابتعاد عن إفسادها. * ربما خصوصية العلاقة بين قطر والسودان تكون بين الهواجس التي تتحدث عن استغلال قطر للسودان في الإساءة لمصر؟ - أقرأ ذلك في الإعلام المصري، لكن على أرض الواقع لا وجود له، ولم يتحدث عنه معنا أي مسؤول مصري. وحقيقة فإن علاقة السودان بمصر لا تسمح لأي جهة بالتدخل فيها، ونحترم علاقات مصر الخارجية مع دول كثيرة، وكذلك مصر تحترم علاقاتنا مع دول أخرى. وبالتالي لا نربط هذه العلاقة بتلك، ولا يمكن أن نسمح لأي جهة بأن تدفعنا باتجاه أي شيء يضر بمصر وأمنها واستقرارها. * ذكرت أن هناك رسائل نقلتها من الرئيس عمر البشير إلى الرئيس السيسي... ما هي؟ - ركزنا على قضية التعاون الأمني، بالإشارة إلى ما حدث في دارفور قبل أيام، سواء من جهة ليبيا وكذلك جنوب السودان، وأهمية التنسيق، وحملت من الرئيس البشير إلى الرئيس السيسي كل تفاصيل ذلك الهجوم وما يتعلق به. * تحدثت عن الرغبة في تشكيل قوات مشتركة لحماية الحدود بين مصر والسودان وليبيا. ما هي تفاصيل الفكرة وكيف يمكن تنفيذها؟ - تحدثت عن تجربة السودان مع دولة تشاد باعتبارها تجربة ناجحة لأكثر من ست سنوات، كما سبق تنفيذها مع ليبيا قبل الأحداث الأخيرة، واليوم في طريقنا لتنفيذها مع إثيوبيا. وهي عبارة عن تشكيل قوات مشتركة لحماية الحدود وبقيادة واحدة تبادلية وتعمل على حفظ أمن البلدين ومنع الحركات الإرهابية من التسلل، كما تضمن لكل جانب التأكد من أن حدوده محمية تحت رقابة ثنائية، لكنها ذات قيادة واحدة بالتبادل كما أسلفت. وأعتقد أنه إذا لم يُتفق على تشكيل القوات المشتركة، فمن المهم أن يكون هناك تنسيق لحماية حدود البلدين. * هل يمكن إلغاء التأشيرة بين البلدين كما في السابق؟ - اتفقنا على ضوابط تتعلق بالتأشيرة، بينها إعفاء الأطفال والنساء والرجال فوق الخمسين عاماً، وبالتالي التأشيرة تكون فقط للرجال من 18 إلى 49 عاماً وللمقيمين في دول عربية وأوروبية ولديهم إقامات سارية، وكنا نتطلع إلى تنفيذ الحريات الأربع، ولكن «لم نتمكن»، نظراً إلى أمور تتعلق بمكافحة الإرهاب، ولإحكام السيطرة على حركة العناصر التي يمكن أن تتسلل لتعكير صفو العلاقات. * هل ستُعقد اللجنة العليا على المستوى الرئاسي قريباً؟ - حالياً نحرص على انتظام اللقاءات الشهرية على مستوى وزيري الخارجية، وجزء منها لمتابعة مخرجات اللجنة الرئاسية المشتركة. واليوم كما ذكرت أن عدد لقاءات الرئيسين السيسي والبشير وصل إلى 18 مرة، وهو رقم غير مسبوق ومتى ما يحين اللقاء سيتم. * بالنسبة إلى القضايا العربية، هل اتفقتم على شيء محدد بشأنها؟ - في الشأن الليبي ليس خافياً أن مصر تدعم المشير خليفة حفتر، وقد سبق للسودان وأن تعامل مع حكومة طبرق عندما كان يعترف بها المجتمع الدولي، واليوم نتعاون وندعم حكومة الوفاق الوطني باعتبارها الحكومة المعترف بها دولياً وفق اتفاق الصخيرات، وبالتالي نتفق مع الأشقاء في مصر على أن قضايا ليبيا يجب أن تحل بواسطة الليبيين، والأمر الثاني أنه لا بديل عن الحوار الليبي - الليبي لحل المشاكل القائمة، ونتفق أيضاً على أن اتفاق الصخيرات هو المرجعية الأساسية مع التأكيد على رفض أي تدخلات خارجية في الشأن الليبي، وهذا متفق عليه عن طريق لجنة دول الجوار، وكذلك من خلال آلية الاتحاد الأفريقي. * كيف ترى ما يتردد حول دخول معدات وعناصر معادية داخل الأراضي الليبية؟ - نحن على استعداد للرد على هذا الأمر، ولم نسمع به من قبل. وإذا كان المعني بهذا الأمر حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، فنحن نتعاون معها بشكل كامل. وإذا كان هناك طرف آخر غيرها، فنحن على استعداد للرد على هذا الاتهام، لأن السودان يقوم بحماية حدوده كاملة بقوات مجهزة لمنع أي تسلل للحركات الإرهابية أو لتهريب البشر، خاصة أن هناك عصابات بدأت تنشط في الجنوب الليبي ومن دول الجوار، وبالتالي قمنا بإنقاذ حياة كثيرين من البشر. لذلك أقول جازماً إننا لم نتدخل في الشأن الليبي. * هل العلاقة بينكم وبين دولة جنوب السودان تسمح بالتفاهم حول هذه الملابسات، وكذلك موضوع الهجوم على دارفور؟ - نحن نلتقي مع الإخوة في الجنوب بصورة منتظمة بدعوة من آلية الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى التي ترعى هذه العلاقة، وبالتالي نلتقي في لجان مختلفة على رأسها اللجنة السياسية - الأمنية والتي تتكون من وزراء الدفاع والداخلية والخارجية وجهاز الأمن والمخابرات والشرطة وكل المعنيين، وآخر لقاء تم في إثيوبيا قبل أسابيع قليلة، ووقعنا اتفاقاً مهماً، وكل ما تم التوقيع عليه يستهدف تنفيذ قرارات 2012، أي الاتفاقيات التسع التي وقع عليها الرئيسان وتتعلق بالخط الصفري والحدود بين البلدين والمنطقة منزوعة السلاح وعدم دعم الحركات المتمردة، ونحن لا نحتاج إلى دليل في دعم الجنوب للحركات المتمردة في السودان، باعتبار أولاً أنهم يمثلون الفرقة التاسعة والعاشرة في «الجيش الشعبي لتحرير السودان»، والأمر الثاني أن قياداتهم وجنودهم موجودون في ملفات رواتب «الجيش الشعبي» في الجنوب، والأمر الثالث أنهم يتحركون من دولة الجنوب بصفة دائمة وكل الأسلحة الموجودة لديهم مصدرها حكومة الجنوب وجاءت عبر الحكومة، وبالتالي هم لا ينكرون ذلك. وحتى في اليوم الأخير لم ينكروا، وقالوا: طلب منا أن يخرجوا فأخرجناهم وقياداتهم موجودة في جوبا. * هل من حل في الأفق؟ - الحل أن تعرف حكومة الجنوب أن السلام في السودان يعني السلام في دولة جنوب السودان، والعكس صحيح. وهذه هي الاستراتيجية التي ننطلق منها، وبالتالي نأمل في أن يصلوا إلى هذه الحقيقة، وأن يلتفتوا إلى بناء دولة الجنوب وإيقاف الحرب، ونحن على استعداد للتعاون في كل ذلك. * شارك السودان في القمة «العربية - الإسلامية - الأميركية»، ووافق على ضوابط وأسس مكافحة الإرهاب. ماذا أنتم فاعلون في هذا السياق؟ - السودان جزء أصيل من مكافحة الإرهاب، وجهاز الأمن المخابراتي الوطني السوداني له علاقات مع غالبية دول العالم، سواء مع الولايات المتحدة نفسها، خصوصاً مع «سي آي إيه»، وأجهزة المخابرات في الدول الأوروبية، ناهيك عن العلاقة مع أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية، إذ يترأس السودان مجموعة أجهزة الأمن والمخابرات الأفريقية. وقطعاً هناك تعاون سوداني مع غالبية أجهزة المخابرات العربية والآسيوية، وبالتالي التعاون في مجال مكافحة الإرهاب موجود وملتزمون به لأن الجميع قطعاً متضرر من جرائمه. * من المفترض أن ينتهي الشهر المقبل أجل العقوبات الأميركية المفروضة على السودان. هل تتوقع رفعها أم تجديدها؟ - حوارنا مع الولايات المتحدة مبني على 5 مسارات، وهي معنية بمكافحة الإرهاب والسلام في السودان ودولة جنوب السودان وفي المنطقة ودعم العمل الإنساني. وتم التنفيذ وفق هذه المسارات، وبالتالي فإن المعطيات الموجودة تؤكد أنه لا يوجد سبب أو مبرر لإبقاء العقوبات على السودان، ومع ذلك سننتظر إلى الشهر المقبل وفقاً للاتفاق المبرم بيننا. * ماذا تتوقع في هذا الشأن؟ - أستطيع القول إننا نقترب من رفع العقوبات. * هل بينكم وبين الإدارة الأميركية اتصالات حول ذلك؟ - بيننا تواصل. وقبل أسبوع جاء إلى الخرطوم وفد من وزارة الخارجية الأميركية لتقويم هذه المسارات ولدينا لقاءات شهرية. * كيف ترون سياسة الإدارة الأميركية الجديدة. وهل تتوقع صداماً مع إيران؟ - أعتقد أن الرئيس دونالد ترمب يعطي أولوية لقضايا الولايات المتحدة الداخلية، وعلى رأسها الاقتصادية، ويبدو أنها ستبني علاقات مع كثير من الدول، ولا أتصور أن يكون هناك صدام مع إيران. وحتى عندما اشتد الأمر وتأزم مع كوريا الشمالية، اختفت الأزمة من خلال تسويات سياسية. وهذا أعتبره انطلاقاً من سياسة أهمية توازن القوى والحفاظ على مكانة الولايات المتحدة في المجتمع الدولي. * متى يزور العاهل المغربي محمد السادس السودان، وكيف تنظرون إلى هذه الزيارة؟ - زيارة ملك المغرب للسودان مهمة للغاية؛ لأنه قام بنشاط كبير وقوى في أفريقيا، وقام بجولة في بعض العواصم الأفريقية، وجاء الوقت لزيارة السودان خلال شهر سبتمبر (أيلول) المقبل.
مشاركة :