الوجود الفلسطيني تحول إلى عنوان لانقسام لبناني حاد بقلم: شادي علاء الدين

  • 6/5/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بات الوجود الفلسطيني عنوانا لانقسام لبناني حاد بين دعاة اللبننة والخصوصية اللبنانية، وبين رافعي عنوان العروبة وضرورة الالتحاق بالقضايا العربية وأولوية الصراع العربي الإسرائيلي.العرب شادي علاء الدين [نُشر في 2017/06/05، العدد: 10654، ص(9)] كانت هزيمة 1967 حدثا تأسيسيا لإسرائيل وللأنظمة العربية العسكرية التي لازالت قائمة حتى هذه اللحظة. ما قادت إليه الهزيمة تمثل في تحويل تلك الهشاشة التي قامت على أساسها صورتها في الوعي العربي والتي عمّمتها الأنظمة القائمة، إلى حالة أسطرة مفتوحة تستدعي قيام أسطرة موازية كمنطق للمواجهة. تم تبرير الهزيمة انطلاقا من منطق الأسطرة ومنذ تلك اللحظة باتت قراءة ما حدث في تلك الحرب المؤسسة لواقعنا العربي الحالي مستحيلة. لا زلنا لا نعرف حتى الآن ما جرى فعلا، ولا زال القسم الأكبر من الوثائق محـجوبا وممتنعا عن الرأي العام على الرغم من مرور أكثر من 50 عاما على هذا الحدث الذي لا يمكن النظر إليه، إلا بوصفه حدثا مستمرا وحيّا. راكمت هزيمة 67 تراثا من السلبيات فبعد تلك اللحظة صارت إسرائيل دولة قادرة على انتزاع الاعتراف بشرعيتها من العالم ومن العرب، ما أنتج ردود فعل متناقضة. وبرزت مجموعة من الأنظمة العربية التي ترفع عنوان الصراع مع إسرائيل لشرعنة وجودها بموازاة أنظمة أخرى ركنت إلى خيار السلام، وبذلك لم يعد ممكنا من الناحية العملية الحديث عن صراع عربي إسرائيلي. منذ تلك اللحظة حل الجيش في واجهة السلطة والشرعية في المنطقة العربية، وباتت العسكرة ناظما أعلى للاقتصاد والسياسة والثقافة، ونشأ في ظلال تلك العسكرة تقديس لحركة المقاومة الفلسطينية. ولعل الأثر الأبرز الذي يمكن تلمّسه لبنانيا يتمثل في ما أسست له هزيمة 67 من انعكاسات جمّة لا تزال مفاعيلها حاضرة في الواقع اللبناني، وتمثل العناوين الصراعية الأكثر حضورا على الساحة اللبنانية. تسببت هزيمة حرب 1967 بتدفق عدد كبير من الفلسطينيين إلى لبنان مع احتلال إسرائيل للضفة الغربية وغزة. وراكم هذا الواقع تعقيدات إضافية على مسألة اللجوء الفلسطيني إلى لبنان في مرحلة النكبة عام 1948. ومنذ تلك اللحظة بات الوجود الفلسطيني عنوانا لانقسام لبناني حاد بين دعاة اللبننة والخصوصية اللبنانية، وبين رافعي عنوان العروبة وضرورة الالتحاق بالقضايا العربية وأولوية الصراع العربي الإسرائيلي. وكان توقيع لبنان على اتفاقية القاهرة في عام 1969 في عهد الرئيس شارل حلو بعد ضغوط عربية كبيرة الحدث التأسيسي للانقسام اللبناني الحاد والصراع الذي لا يزال مستمرا حول هوية البلد.هزيمة 67 أسست لانعكاسات جمة لا تزال مفاعيلها حاضرة في الواقع اللبناني، وتمثل العناوين الصراعية الأكثر حضورا على الساحة اللبنانية شرعنت تلك الاتفاقية العمل الفلسطيني المسلح انطلاقا من الأراضي اللبنانية، ما مهد لإسقاط اتفاقية الهدنة الموقعة بين لبنان وإسرائيل في العام 1949. وفتحت الاتفاقية الباب أمام سلسلة من الاستهدافات الإسرائيلية للبنان تحت عنوان الرد على العمليات الفلسطينية. ولم يلبث السجال حول هذا الموضوع أن انتقل من السياسة إلى الميدان فانفجرت الحرب الأهلية العام 1975، والتي كان انقسام اللبنانيين بين حلفاء للمقاومة الفلسطينية وخصوم لها أحد عناوينها الرئيسية. وجدت إسرائيل الفرصة سانحة لإنهاء الوجود الفلسطيني وتدمير لبنان فنفذت اجتياح العام 1982 الذي أنهى الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان. وكانت مجزرة صبرا وشاتيلا التي تزامنت مع الاجتياح الإسرائيلي والتي نفذت بأيد لبنانية وبتغطية إسرائيلية إيذانا بتصفية حضور القضية الفلسطينية التي تشكل عنوان الصراع مع إسرائيل في الوجدان العربي وتحوّلها إلى حالة شعرية خطابية. تحول لبنان بعد الاجتياح إلى مستعمرة للنظام السوري برضا العرب والعالم. وكان أبرز ما قام به هذا النظام بعد الاجتياح هو العمل على تصفية المقاومة الوطنية اللبنانية التي كانت جل قياداتها من المسيحيين بالحديد والنار، ما فتح المجال لنشوء عهد المقاومة الإسلامية الطائفية الشيعية التي باتت تعرف باسم حزب الله. وجاء اتفاق الطائف بعد فترة لينهي الحرب الأهلية. وأعاد حضور حزب الله على الساحة اللبنانية المناخ الذي كانت قد كرسته اتفاقية القاهرة لناحية شرعنة وجود تيار مسلّح يقوم بعمليات ضد إسرائيل، وحرص الحزب على الاستفادة من لبنانيته لتصوير نفسه على أنه مقاومة مشروعة ضد كيان غاصب يحتل أرضا لبنانية. ومع دخول الحزب في تركيبة السلطة اللبنانية في انتخابات العام 1992 النيابية وفوزه بمجموعة من المقاعد، بات من الصعب الفصل بين المقاومة والشرعية اللبنانية، وصار لبنان بأسره أسير الخيارات التي يفرضها هذا الحزب والتي كان أبرزها عدوان عناقيد الغضب الإسرائيلي على لبنان في العام 1996. وفجر الانسحاب الإسرائيلي في العام 2000 مجموعة من الأزمات لأن عنوان شرعية سلاح حزب الله المستمدة من الاحتلال الإسرائيلي لأراض لبنانية قد سقط ولم يعد له أيّ مبرر. ولكن الحزب اعتبر أن سلاحه الذي صنع إنجاز التحرير الذي نسب إلى نفسه الفضل في تحقيقه، مع أن ردة فعله الأولية آنذاك تكشف أنه تفاجأ بالانسحاب الإسرائيلي وعدّه مؤامرة، هو مصدر الشرعيات كلها. وعمل الحزب على تحويل سلاحه إلى موضوع لا يقع في السياسة ولا يطاله النقاش العام وحصره في دائرة القداسة، ساعيا في الوقت نفسه إلى تفكيك كل البنى التي يقوم عليها النظام اللبناني لصالح الحلف الإيراني مع النظام السوري والذي كان يدفع في اتجاه تمكينه من السيطرة على مقاليد الأمور في البلد. ومثلت الظاهرة التي شكلها رئيس الجمهورية الأسبق رفيق الحريري حالة مواجهة مستترة مع مشروع سيطرة حزب الله من خلال الاقتصاد والإنماء. وكان نجاحه في استقطاب الوجوه الاقتصادية البارزة من كل الطوائف وشبكة علاقاته الإقليمية والدولية تجاوزا للخطوط الحمر، فتم اغتياله في 14 فبراير العام 2005. أجبر الضغط الشعبي غير المسبوق الذي تلا جريمة اغتيال الحريري القوات السورية على الخروج من لبنان. وتحول شكل الصراع في لبنان إلى صراع بين لبنانيي لبنان 14 آذار ولبنانيي النظام السوري وإيران قوى 8 آذار. وفي ظل هذا الصراع الحاد عمد حزب الله إلى استجرار حرب إسرائيلية في العام 2006 إثر خطفه لجنديين إسرائيليين، فكان أن ردت إسرائيل بهجوم عنيف ضد لبنان كلف أكثر من 1500 قتيل وأكثر من 5000 جريح و15 مليار دولار من الخسائر المادية. واتضحت الملامح النهائية للصراع مع توجيه الحزب سلاحه إلى الداخل اللبناني عام 2008 واجتياحه للعاصمة بيروت ردا على قرار حكومة السنيورة بفك شبكة اتصالاته غير الشرعية. نجح الحزب في فرض قراره، ولكن الجروح العميقة التي خلفها اجتياحه للعاصمة أنهت بشكل تام صورة الحزب المقاوم، وحولت الصراع بشكل واضح إلى صراع سني شيعي. وكانت مشاركة الحزب في الحرب السورية لصالح نظام الأسد العامل الذي كرّس توصيف الصراع القائم في المنطقة بوصفه صراعا سنيا شيعيا. وبعد مرور 50 عاما على هزيمة 67 فإن الصراع العربي الإسرائيلي لم يعد أولوية، وربما يكون مشهد الترحيب المعلن بالغارات الإسرائيلية على حزب الله أو على نظام الأسد دلالة لا تخطئ على التحولات الدرامية في وجهة هذا الصراع. وتلقي قمم الرياض الأخيرة التي رفعت عنوان مواجهة إيران وحزب الله الكثير من الضوء على طبيعة التحولات التي أصابت الأولويات منذ حرب 1967. أتاحت العسكرة العامة التي أسست لها الهزيمة والتي أنتجت قيام تحالف بين الأنظمة القمعية والمقاومات بهدف استخدامها كرافعة للشرعية عاملا هداما، سمح إبان لحظة اتفاق القاهرة للمقاومة الفلسطينية بتدمير لبنان وضرب البنى المؤسساتية فيه تحت عنوان نضالي. وتستقر حاليا لحظة المقاومات الهدامة المتحالفة مع الأنظمة التي شكلت الهزيمة على لحظتها المؤسسة على لحظة حزب الله التي مهدت للسماح لإيران باختراق المجال العربي، ما تسبب تاليا في منح الأولوية للصراع مع إيران. كاتب لبنانيشادي علاء الدين

مشاركة :