«أولاد الذوات».. أول فيلم مصري ناطق بنسبة 50%

  • 6/5/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة – خالد بطراوي | إنهم حقا جيل من العمالقة، ذلك الجيل من ممثلي السينما، والمسرح العرب في الاربعينات، الذي يوصف بأنه جيل العمالقة، خصوصا ان كلا منهم قد ترك علامات بارزة لفنه وموهبته في الافلام والمسرحيات التي مثلها، والتي يرى الجيل الجديد اكثرها من خلال المحطات الفضائية العربية في هذا الزمن! والقبس تحاول جاهدة، بهذه السلسلة التعرف على طبيعة التجربة السينمائية الأولى في مشوار كل نجم من نجوم السينما الذي قامت عليه مسيرته الفنية، حتى صار تاريخه صرحا عملاقا في تاريخ الفن بعامة، ولعلها تستطيع ان تنفض عن اسمائهم غبار النسيان، ونكران الجميل، الذى اسهم فيه الاعلام العربي بنصيب وافر. في عام 1929 حدث اكبر انقلاب في تاريخ صناعة السينما في العالم، فقد ظهرت الأفلام الناطقة. وتوارى الفيلم الصامت.. ولم يعد له مكان في صناعة السينما، إذ أصبح قزما ضئيلا إزاء الفيلم الناطق. وكان لهذا الانقلاب أثره العميق في صناعة السينما المصرية، واتجهت انظار اصحاب رؤوس الاموال الى استغلال هذا الانقلاب فنيا، وتجاريا، إذ رأوا أنهم أمام صناعة مضمونة الرواج، فالفيلم الناطق يجمع بين السينما والمسرح، واسعار الدخول الى السينما اقل بكثير من اسعار الدخول الى المسرح، فلو نزل الى السوق فيلم مصري ينطق ممثلوه باللغة العربية، لتهافت عليه الجمهور، ولحقق أرباحا خيالية طائلة. لكن هذه الآراء ظلت مجرد آمال تطوف في أذهان أصحاب رؤوس الأموال زهاء عام كامل، وكأن كلا منهم كان يترقب من الآخر، أن يبدأ لكي يتبعــه الآخرون. وفجأة تقدم شخص واحد كل هذه الصفوف هو يوسف وهبي الذي كان يومئذ أشهر فنان في مصر، فقد بادر الى العمل، واجتمع بزميله ورفيق دربه المخرج محمد كريم الذي سبق أن اخرج  له إنتاجه الأول «زينب» عام 1930، في عهد الفيلم الصامت، واخذا يتبادلان الرأي في انتاج فيلم ناطق، يقوم فيه يوسف وهبي بالدور الأول للمرة الأولى على الشاشة. ووقع الاختيار على مسرحية «أولاد الذوات»، نظرا الى ما لقيت من نجاح على خشبة المسرح. ولما انتهى السيناريو، قام محمد كريم بتصميم الديكورات بنفسه لتأثره بالذوق الفرنسي، واستقر رأيهما- يوسف وهبي ومحمد كريم- على تصوير المشاهد الناطقة في أحد استديوهات برلين، حيث ان معدات تسجيل الصوت لم تكن معروفة في مصر، وسافر محمد كريم، وزوجته الألمانية الى برلين، للاتفاق مع احد استديوهاتها، وبينما كان محمد كريم مشغولا بهذه المهمة تلقى رسالة من يوسف وهبي يبلغه فيها انه عدل عن تصوير الفيلم في برلين وقرر ان يصوره في استديوهات «بيسون» في باريس لرخص اسعارها. وسافر محمد كريم من برلين الى باريس لملاقاه يوسف وهبي هناك، وبعد يومين وصل الممثلون والممثلات الذين سيعملون في الفيلم، وبدأ محمد كريم يستعد للتصوير. وكان محمد كريم في البداية قد رشح عزيزة امير للقيام بدور البطولة امام يوسف وهبي في فيلم «اولاد الذوات» ولكن هذا الترشيح اثار ازمة عائلية كادت تؤدي الى انفصال يوسف وهبي عن زوجته الثانية، عائشة فهمي، إحدى عشر سيدات من أغنى أغنياء مصر وقتئذ. فقد كانت تغار عليه غيرة عمياء، وكانت تعتقد أن هناك علاقة غرامية بينه وبين عزيزة أمير التي كانت يومئذ تتمتع بجمال صارخ، ولها عشاق ومعجبون من مختلف الطبقات، ورشحت الممثلة بهيجة حافظ باعتبارها من طبقة أولاد الذوات الاغنياء التي تنتمي اليها عائشة فهمي. وسافرت بهيجة حافظ الى باريس، ولما بدأ تصوير الفيلم، كان واضحا ان مواهب بهيجة حافظ في التمثيل الناطق لا تساعدها على القيام بدور البطولة في فيلم «اولاد الذوات»، لأنه دور يحتاج من الناحية التمثيلية الى ممثلة قديرة، فضلا عن ان امكانات صوت بهيجة حافظ لا تصلح لفيلم ناطق. ولم يحتمل محمد كريم السكوت، وبالذات عندما أعيدت إحدى اللقطات، نحو عشرين مرة بسبب خطأ بهيجة حافظ، فبدلا من ان تقول «ستاتنا ما يتجوزوش راجلين» قالت «رجالتنا ميتجوزوش ستتين».. ومن هنا كانت تنشب دائما بعض الخلافات بينها وبين المخرج محمد كريم الذى سبق ان عملت معه في فيلم «زينب» الصامت عام 1930، في أول انتاج ليوسف وهبي، واستمر هذا الخلاف يوما بعد يوم، فغضبت بهيجة حافظ من ملاحظات محمد كريم المستمرة، وسافرت فجأة الى القاهرة دون سابق انذار. وتوقف التصوير، وعاد محمد كريم ليرشح عزيزة أمير لإنقاذ الموقف، لكن زوجة يوسف وهبي ثارت وغضبت، وهددت بالعودة الى القاهرة، فكان ان ارسل يوسف وهبي الى شقيقه اسماعيل وهبي المحامي لكي يرسل امينة رزق الى باريس فورا، لتمثيل الدور نفسه. وجاءت امينة رزق الى باريس، وكانت هذه هي المرة الثانية التي تمثل فيها في السينما، بعد فيلم «سعاد الغجرية» عام 1928، اخــراج جاك شوتز. وانتهى تصوير المناظر الناطقة في الفيلم باستديو «بيسون» فـــي باريس، وعادوا الى القاهرة ليبدأ العمل في تصوير المشاهد الصامتة في الجزء الصامت من الفيلم، ولما انتهى تصويره، عرض اصحاب سينما رويال التي كانت اكبر دار عرض في مصر في ذلك الوقت، أن يتعاقدوا على عرض الفيلم، ولما انتهى اعداد الفيلم للعرض، أعلنت سينما رويال عن موعد عرضه في الرابع عشر من شهر مارس 1932، وكان عرضه حدثا ضخما باعتباره أول فيلم مصري ناطق %50. وصادف نجاحا كبيرا مما أثار غضب وكلاء الافلام الاجنبية، فأوعزوا الى بعض الصحف الاجنبية، أن تهاجم الفيلم، وتتهم مؤلفه ومخرجه بأنهما يروجان للمبادئ الهدامة ويحرضان المصريين ضد المرأة الاجنبية، فضلا عن تحقيرها. واشتدت حملة الصحف الأجنبية على الفيلم، مما اضطر وزارة الداخلية، أن تكون لجنة برئاسة أحد الانكليز الموظفين في الوزارة وقتئذ لمشاهدة الفيلم، وأوضحت اللجنة ان الفيلم ليس فيه ما يستوجب الاعتراض عليه. وعرض الفيلم بعد ذلك في البلاد العربية، فصادف نجاحا كبيرا، وقد حدث اثناء عرضه في بغداد، أن ثار نقاش بين بعض الشباب العراقيين، ادى الى ان اطلق أحدهم الرصاص على معارضه وهو يقول له «خذ هذه الرصاصة نيابة عن يوسف وهبي، وخذ الثانية نيابة عن أمينة رزق». وظل هذا الفيلم يعرض ويحقق ايرادات ضخمة كلما عرض في مصر، أو في أي بلد عربي، على اعتبار أنه أول فيلم مصري ناطق %50. أمينة رزق

مشاركة :