لندن – يبدو ان مسيرة التناقضات التي تعيشها السياسة الخارجية لقطر منذ سنوات شارفت على الانتهاء أو على الاقل لم تعد قادرة على إخفاء أوراقها بعد وصول التوتر مع محيطها العربي إلى القطيعة والعزلة الاقتصادية. وفي أزمة غير مسبوقة، قطعت قوى عربية كبرى علاقاتها مع قطر وأغلقت حدودها وأجواءها مع هذه الدولة الغنية بموارد الطاقة والتي تقيم علاقات خلف الابواب المغلقة مع ايران وتدعم تنظيمات اسلامية متحالفة مع القاعدة بالاضافة الى جماعة الاخوان المسلمين. وطالما ساد التوتر علاقات قطر مع جيرانها، خصوصا السعودية والامارات والبحرين بالاضافة الى مصر واليمن، لكن التوافق الأخير مع الولايات المتحدة حول ملفي ايران والارهاب اعطى دفعة لجهود الخليج في انهاء المواقف القطرية المتضاربة. الولايات المتحدة نفسها تراجع حاليا العلاقات مع قطر التي تستضيف قاعدة العديد الأميركية من حيث تنطلق مقاتلات التحالف الدولي لضرب مواقع الجهاديين في سوريا والعراق. وتتحدث اوساط سياسية أميركية في الوقت الحالي عن احتمالات الحسم مع قطر بسبب دعمها لاشكال مختلفة من الارهاب وتطرح إمكانية نقل قاعدة العديد إلى دولة أخرى. وقالت رندا سليم، الباحثة في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ان قطر لا تملك اي خيار سوى التراجع عن مواقفها اذا خسرت الدعم الأميركي. وأضافت لصحيفة نيويورك تايمز الاثنين "السؤال المهم الآن: ما هو موقف الإدارة الأميركية من أزمة قطر مع جيرانها". وذكر معلقون ان كواليس السياسة القطرية على اعلى المستويات مشغولة بـ"مواجهة مع نفسها" وربما تمثل بداية لتغيير اساسي في أدوات السياسة الخارجية القطرية. ثم كيف يمكن فهم تصريحات وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون حول عدم تأثر محاربة الارهاب بأزمة قطر مع ان مقاتلات من السعودية والامارات والبحرين ستتوقف عن الانطلاق من قاعدة العديد لشن غارات على الجهاديين. وقالت الصحيفة ان قطر تحاول ان تكون "كل شي للجميع"، فعلاوة على التواجد العسكري الأميركي، تقيم ايران علاقات جيدة مع ايران والجماعات الاسلامية. كما استخدمت الدوحة ثروتها الكبيرة من الغاز في لعب "أدوار الوساطة" التي جلبت لها غضب الجميع. ايضا، تقول قطر انها تحارب المتمردين الحوثيين الموالين لايران في اليمن، وتدعم التنظيمات التي تحارب دمشق حليفة طهران، لكنها في نفس الوقت تقيم قنوات اتصال خلفية مع الايرانيين. وقبل اسبوعين، فجرت تصريحات لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد خلافا كبيرا في الخليج، بسبب مهاجمة للسعودية والتأكيدات على دعم الاخوان واسترضاء ايران. ويعيد أحدث خلاف إلى الأذهان سحب السعودية والإمارات والبحرين سفرائها من الدوحة في 2014 للاحتجاج على الدعم قطري لجماعة الإخوان. لكن الإجراءات التي اتخذتها الدول الخمس تبدو نهائية وليست في وارد التهدئة مع قطر قبل ان تغير سياساتها القائمة على التحالف مع قوى معادية لأمن الخليج.
مشاركة :