إنها رسالة ولست أدري هل تصل أم لا. رسالة من الماضي صدح بها شاعر وفارس عربي في أخريات الدولة الأموية هو نصر بن سيار الذي كان شاهداً على تحول الحروب العربية من فتوحات لنشر الدين إلى حروب قبلية ضروس أهلكت آلاف الأنفس والأموال والثمرات. وكان نصر بن سيار شاهداً على رذيلة استقواء العربي بالأجنبي الفارسي بالتحديد ضد العربي الآخر. وكان شاهداً على ظهور الفارسي الموتور أبي مسلم الخراساني الذي رفع لافتة الدعوة إلى بني هاشم ضد بني أمية، وتحت اللافتة كان يسعى إلى إعادة أمجاد فارس وكان يقول: لن يتحقق مجد فارس إلا بإبادة كل من يتحدث بلسان عربي مبين. حاول نصر بن سيار توحيد العرب ضد أبي مسلم ودعوته الفارسية التي كانت تلبس ثوب الهاشمية، ولكن كل محاولاته باءت بالفشل أمام مكائد أبي مسلم الذي حرص كل الحرص على بقاء الفتنة مشتعلة بين العرب وكان يقول: أنا أقتل العرب بأيدي العرب... إنهم يقدمون لنا فوق ما نريد وأكثر مما نطلب. دعوهم يثخنوا بعضهم حتى لا تبقى بهم قوة وعندئذٍ سوف يسمعون ويطيعون بلا حروب. وهكذا ظلت الحروب مستعرة بين اليمانية والمضرية. أو بين مضر وربيعة وعندما استيقن أبو مسلم من أن الفريقين أنهكهما القتال، وأنه لا مدد لهما، كتب رسالة واحدة في نسختين ووجه رسولين إلى مضر واليمانية. وتقول الرسالة إلى مضر: إني رأيت اليمن لا وفاء لهم ولا خير فيهم فلا تثقن بهم ولا تظهرن إليهم... وإني لأرجو أن يريكم الله في اليمانية ما تحبون. ولئن بقيت لا أدع فيها شعراً ولا ظفراً. والرسالة الأخرى مع الرسول الآخر إلى اليمانية بنفس الكلمات، ولكن عن المضرية. لا تثقن بالمضرية، فإنهم لا وفاء لهم. ولئن بقيت لا أدع فيها شعراً ولا ظفراً. وعندئذ وقع ما يقع الآن. صار هوى الفريقين مع أبي مسلم. وكل منهما يظن أنه يستقوي به على الآخر.. والمضحك المبكي أن الفريقين كانا يقولان عن أبي مسلم الخراساني الفارسي المجوسي: ظهر رجل من بني هاشم له حلم ووقار وسكينة، وهو الذي سيعيد الأمر إلى آل رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكتب نصر بن سيار إلى شيبان الخارجي وإلى على بن الكرماني اللذين كانا يقاتلانه: قد أشجى وأثخن بعضنا بعضاً فاكففا عني واجتمعا معي حتى نقاتل هذا الفارسي معاً. فنقتله أو ننفيه عن أرضنا. وبعد ذلك يمكننا أن نعود إلى حروبنا معاً إذا شئتما... لكن شيبان وعلي بن الكرماني ركبا رأسيهما، ولم يستجيبا لنصر، فأرسل نصر إلى شيبان قائلاً: إنك لمغرور. والله ليتفاقمن هذا الأمر حتى يستصغر في جنبه كل كبير. وصدح برسالته الخالدة شعراً يخاطب به ربيعة واليمن، ويحثهم على الاتفاق معه في حرب أبي مسلم: أبلــغ ربيعـة في مــرو وفي يمـن هيا أغضبوا قبل ألا ينفع الغضب ما بالكم تنشبون الحرب بينكمـو ... المزيد
مشاركة :