سرد بعض الشباب المغرر بهم والذين ذهبوا إلى مناطق الصراع والنزاع، اللحظات النفسية المريرة التي عايشوها بسبب فوضى الفتاوى والأفكار والتطبيقات البعيدة عن الجوانب الشرعية، والتي لا تقترب من ضوابط وشروط الجهاد الحقيقية. وأوضح أصحاب التجارب عن الأسباب التي دعتهم للذهاب إلى سورية بنية الجهاد، دون استئذان والديهم أو إبلاغ أهليهم، ذهبوا دون معرفة وإدراك لما عليه واقع الأزمة السورية، من اختلاط المفاهيم والتنظيمات، والألاعيب الأمنية والاستخباراتية الدولية والإقليمية، مؤكدين أنهم اكتشفوا أن السعودي يقاتل السعودي، وأن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) يكفر جبهة النصرة، وجميعهم مسلمون، وقد تركوا الجيش السوري الذي يقتل المواطنين د. محمد المشوح وأوضحوا في حلقة جديدة من برنامج همومنا الذي يعرضه التلفزيون السعودي أن السبب الرئيس في عودتهم وتراجعهم، هو انكشاف الواقع أمامهم، وأن العديد من التنظيمات المتطرفة يقاتل بعضه البعض، وأنه لا جهاد في سورية، وإنما هو قتال بين مسلمين ومسلمين وليس ضد جند بشار الأسد. وأكد الدكتور محمد بن حمد المشوح مدير إدارة الدعوة في آسيا في وزارة الشؤون الإسلامية، في سياق تحليله لما يجري وفي إطار التجارب الواقعية التي تم استعراضها، بأن منهج وعقيدة أهل السنة والجماعة لا يكفر أحداً من أهل القبلة، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن التكفير العيني لا يكون إلا لشخص واحد وهو القاضي الشرعي وبما يثبت إليه من الإدانات، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول :" من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما". وأوضح المشوح أن الهدف من تعبئة شبابنا بفكرة التكفير، هو للتبرير عمليات القتل ضد الآخرين، وإسالة دمائهم، لأن قتل المسلم للمسلم مرفوض من الناحية الشرعية، يقول عليه السلام :" لا يزال الرجل في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً"، وهذا ليس من تربية شبابنا السعودي، ولكن للأسف هناك من يستغل عدم معرفة شبابنا في بعض الأحكام الشرعية وذلك كي يمرروا أجندات وأهدافا مشبوهة تبيح القتل وتؤدي للفوضى، وتدخل مجتمعاتنا في متاهات يرغبون في تحقيقها. وأشار الدكتور إسحاق بن عبدالله السعدي باحث في الدراسات المستقبلية، أن اللجوء إلى التكفير له عواقبه الوخيمة، لأن الخروج للجهاد ناجم عن فهم خاطئ وفيه خروج عن جماعة المسلمين وعن ولي أمر المسلمين وعن المبادئ وعن القيم والمنطلقات التي ضبطها الإسلام، وهو نتاج للانحراف الذي يبدأ بعقوق الوالدين في البداية أو الخروج على طاعة ولي الأمر ثم ينتهي بهذه الكارثية. وقال الدكتور السعدي إن الأحكام الشرعية التي يفتي فيها الأفراد وفي شؤون تهم الأمة تعتبر من الأخطاء الكبيرة، كون ذلك من مهام العلماء والهئيات العليا، وإن الإفتاء بالقتل ليس من صميم الدين ورسالته القائمة على الدعوة بالتي هي أحسن ، موضحا أننا بحاجة إلى تعظيم الدماء وتعظيم الأنفس والانضباط بشرع الله. وبين الدكتور السعدي أننا مدعوون في ظل انتشار هذه الظواهر وفي ظل اختراق شبابنا والتغرير بهم ، مطالبين بضرورة النظر في منظومتنا القيمية التربوية والفكرية والأخلاقية، خاصة في ظل الثقافات الدخيلة في زمن التواصل الاجتماعي البعيد عن الرقابة الأسرية، مؤكدا ضرورة تعزيز ثقافة حرمة الدماء والأعراض والإعلاء من سلطان النص الديني بشكله المتكامل كي لا يأخذ بالمجتزءات بعيدا عن الكليات، وإدراك مآلات النصوص وإلى حاجتنا إلى إطار ثقافي يحمي أحكامنا العقدية والفقهية.
مشاركة :