صنعاء ـ يتمسك الحوثيون بعد الانسحاب من ميناء الحديدة والقبول بمقترح المبعوث الأممي اسماعيل ولد الشيخ لأنهم يعتبرون أن التخلي عن الميناء يعد انكسارا سياسيا لهم في ظل خسائرهم العسكرية لذلك يتعنتون بالهيمنة على المكسب الاقتصادي لهم لربح أشواط سياسية وفق ما افاد محللون. وتحول ميناء الحديدة غربي اليمن إلى عقدة رئيسية في طريق حل الأزمة اليمنية، فالمرفأ الاستراتيجي، بات بوصلة هامة في رسم مستقبل البلد، قد ترسو عليه سفينة السلام المنتظرة منذ عامين، أو يكون سببا لاندلاع معركة جديدة على سواحل البحر الأحمر. وخلال الأيام الماضية، حمل المبعوث الأممي إلى ، خارطة سلام جديدة لليمن مفتاحها الميناء الخاضع لسيطرة الحوثيين منذ أواخر 2014، وأكبر المرافئ اليمنية في الساحل الغربي على البحر الأحمر. وظل التحالف العربي يلوح مرارا باستعادة الميناء من أجل تأمين ممرات الملاحة الدولية، فيما كانت الأمم المتحدة تقف كحائط صد للحيلولة دون اندلاع تلك المعركة لما لها من تبعات انسانية كبيرة على البلد المنهك. تخلت الأمم المتحدة عنانسحاب الحوثيين من صنعاء كشرط لتوقيع اتفاق سلام، واستبدلته بميناء الحديدة، وارتكزت خارطة ولد الشيخ حول الميناء على شقين. الأول عسكري ينص على تشكيل لجنة من قيادات عسكرية محايدة مقبولة من طرفي النزاع ولم يكونوا طرفا في الحرب يتولون ضبط الأمور الأمنية والعسكرية، والثاني اقتصادي، ينص على تشكيل لجنة اقتصادية مالية توكل إليها التعامل مع كل ما يصل الميناء من مداخيل. ويعتقد المبعوث الأممي أن خارطته وازنت بين مطالب طرفي النزاع، فبالنسبة للتحالف، تضمن الخطة أن الميناء لن يستخدم في تهريب السلاح وتهديد الملاحة، وبالنسبة للحوثيين، لن يسلّم الميناء لخصومهم من التحالف والقوات الحكومية من أجل إدارته. قوبلت خارطة ولد الشيخ بامتعاض من قبل الحوثيين وخصوصا ما ورد في إحاطته أمام مجلس الأمن، لكنها في المقابل وجدت ترحيبا كبيرا من التحالف العربي المساند للحكومة الشرعية والذي تقوده السعودية. إذ اعتبر التحالف أن الدعوة إلى تسليم ميناء الحديدة لجهة محايدة تؤكد مطالبه السابقة التي نادت بضرورة "تسلم الأمم المتحدة مسؤولية الإشراف على الميناء من أجل حماية اليمنيين من عمليات تهريب الأسلحة من قبل الحوثيين ومصادرة المساعدات الإنسانية". ومع رفض الحوثيين للخارطة الأممية بخصوص الميناء والتي كانت ستقود إلى هدنة خلال رمضان ومن بعدها استئناف المشاورات، كانت الأزمة تشهد منعطفا خطيرا بتعرض ناقلة نفط لهجوم صاروخي قبالة باب المندب، أواخر الأسبوع الماضي. الوسيلة المثلى لتفادي الحرب في الحديدة يرى مراقبون، أن فكرة ولد الشيخ بخصوص الميناء تشكل تحولا هاما في موقف الأمم المتحدة التي كانت تقاوم الفكرة فيما سبق عندما كان التحالف يطالبها بالإشراف على الميناء وتقول إنه ليس لها علاقة. وقال ماجد المذحجي، المدير التنفيذي لمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية ( غير حكومي)،"ولد الشيخ قدّم تصورين للحل، سياسي وأمني، جميعها تستهدف ميناء الحديدة". وأضاف المذحجي أن "مقاومة الحوثيين لهذه الفكرة تعني أنهم يستجرون محافظة الحديدة للحرب، حيث أنه لا يوجد وسيلة مثلى لتفادي الحرب في الحديدة، غير إدارة الميناء ضمن صفقة سياسية من طرف محايد لا ينتمي إلى جماعة الحوثيين على الأقل". وأشار إلى أن "الحوثيين يرون أن تسليم الميناء بهذه الطريقة ودون أي صفقة سيكون فيه إنكسار رمزي لهم، أكثر من كونه خسارة مالية، لذلك يقاومون الفكرة". ووصف المذحجي رفض الحوثيين للخارطة الأممية بـ"الأمر الخطير"، لافتا إلى أنهم سيذهبون بالحديدة ـ التي تعد من أكثر محافظات اليمن تعرضا للمعاناة الإنسانية وشبح المجاعة ـ إلى حالة الحرب. واعتبر الباحث اليمني، أن خطة الأمم المتحدة بخصوص ميناء الحديدة، هي من مصلحة كل الأطراف بما فيها التحالف. وقال "إذا كان هناك عقلانية سياسية للحوثي وصالح سيدركون أن هذه وسيلة مُثلى ضمن اتفاق سياسي ستحيد هذه المنطقة عن الحرب، والتي ستكون بؤرة استنزاف واسعة لهم لو اندلعت فيها المعارك". مورد اقتصادي يدر المليارات للحوثيين ويعتقد مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني (خاص)، أنه من الصعوبة أن يسلم تحالف "الحوثي - صالح" ميناء الحديدة لأي طرف، نظرا لما يتمتع به أهمية كمورد اقتصادي يدر مليارات الريالات بشكل يومي (الدولار يعادل 250 ريال يمني بحسب أرقام البنك المركزي الرسمية). وقال نصر "سيكون من الصعب عليهم التخلي عن الميناء لطرف أممي أو ثالث محايد، هم يدركون أهميته جيدا ". وذكر نصر أن موافقة الحكومة الشرعية على توريد جميع الإيرادات من مناطق سيطرتها أو اللي تحت سيطرة جماعة الحوثي هو الأمر الجديد في المشاورات الأخيرة. واعتبر ذلك أنه "خطوة مهمة تعكس أن الحكومة الشرعية غير قادرة على جمع الموارد وبالتالي الاستسلام لهذه الخطوة التي تقترحها الأمم المتحدة لتحييد البنك المركزي من أجل ضمان استمرار صرف رواتب موظفي الدولة". وأشار إلى أن الوصول إلى تحييد الميناء والإيرادات خطوة ينبغي دعمها، وستعزز من إيجاد حل للمشكلة الاقتصادية التي تعاني منها البلد وأبرزها موضوع رواتب الموظفين. وقال" من المهم أن يكون هناك إدارة محايدة من الاقتصاديين المتخصصين والمهنيين يقومون بالإشراف على الإدارة الاقتصادية للبلد، بناء على كشوفات الموظفين في العام 2014 ( أي قبل الانقلاب)، وايجاد وعاء لاستيعاب كل المساعدات الخارجية".
مشاركة :