أزمة قطر الدبلوماسية لم تكن لها عواقب سياسية واقتصادية فحسب بل سجلت فيها انتهاكات لحرية الرأي والتعبير من خلال سلسلة إجراءات وقرارات مثيرة للجدل اتخذتها بعض الدول المعنية. فإلى أين تسير حرية التعبير في هذه الدول؟ في الوقت الذي تتصاعد فيه الأزمة السياسية بين قطر ودول خليجية وعربية قررت مقاطعتها وفرض عقوبات ضدها في زلزال هز المنطقة، تستمر تداعيات هذه الأزمة على حرية الرأي والتعبير، حيث اتخذت بعض الدول المعنية بالازمة إجراءات مثيرة للجدل اعتبرتها منظمة مراسلون بلا حدود تعسفية. وتزيد الإجراءات التي اتخذتها دول كالإمارات والسعودية والبحرين المخاوف والقلق على وضع حرية الرأي والتعبير فيها، خاصة أن هذه الدول تواجه أصلا انتقادات بانتهاكها لحرية التعبير وقمع أصوات المعارضة. وبالإضافة إلى ذلك، أرخت الأزمة مع قطر بظلالها أيضا على مستوى المهنية والموضوعية في التعامل الإعلامي مع الأزمة من طرف وسائل الإعلام التابعة أو المقربة من الدول المعنية. فتحول الأمر إلى حملات إعلامية متبادلة فيها استقطاب كبير. "إجراءت متطرفة" ومن الإجراءات الأكثر إثارة للجدل قرار دولة الإمارات اتخاذ إجراءات قد تصل إلى السجن 15 سنة في حق كل من يبدي علنا تعاطفه مع قطر، وحسب صحيفة البيان الإماراتية فإن النائب العام للدولة صرح بأن كل من "يبدي التعاطف أو الميل أو المحاباة تجاه دولة قطر أو يعترض على ما اتخذته دولة الإمارات من إجراءات صارمة وحازمة مع حكومة قطر سواء عبر وسائل التواصل الاجتماعي بتغريدات أو مشاركات، أو بأي وسيلة أخرى قولا أو كتابة، يكون قد ارتكب جريمة يعاقب عليها بالسجن المؤقت من 3 إلى 15 عاما وبغرامة لا تقل عن 500 ألف درهم إماراتي". الأساس الذي بنت عليه الإمارات هذا الإجراء هو قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات. وتقول ألكساندرا خازن، مسؤولة مكتب الشرق الأوسط لمنظمة مراسلون بلا حدود، في تصريحات لDW عربية: إن أزمة قطر أثرت بالفعل بشكل كبير على حرية التعبير في دول تحتل أصلا رتبا متدنية في سلم حرية التعبير في العالم، "وفيما يتعلق بقرار الإمارات سجن كل من يتعاطف مع قطر ثم انضمام السعودية والبحرين لهذا الموقف، فنعتبر ذلك جريمة وانتهاكا خطيرا لحرية التعبير. هذه إجراءات تعسفية تزيد من الحصيلة السيئة لهذه الدول في مجال حرية التعبير". في الإمارات، التضامن مع قطر يمكن أن يؤدي إلى عقوبة السجن 15 سنة أما الصحفي الكويتي المختص في الشؤون الخليجية محمد الدوسري فيقول في حوار مع DWعربية "نحن فعلا مصدومون مما وصلت إليه حرية التعبير في بعض دول الخليج، سواء فيما يتعلق بسيطرة الدول على أجهزة الإعلام أو الوصول إلى فرض عقوبات حتى على من يتعاطف مع شعوب خليجية. هذه نعتبرها إجراءات متطرفة لم نعتدها ولم تكن في صميم وقناعات الشعوب والأنظمة الخليجية بهذا الحد. لم يسبق للأنظمة الخليجية أن وصلت إلى هذا المستوى من إلغاء الرأي الآخر ومنعه". الجزيرة وسط المعركة وتقول خازن إن الانتهاكات في حرية التعبير سجلت بشكل أكبر من طرف كل من الإمارات والسعودية والبحرين، بينما لم تسجل قطر حتى الآن انتهاكا في ما فيما يتعلق بالأزمة الحالية، وتضيف "لكن هذا لا يعني أن قطر تحترم حرية التعبير بشكل عام، لا ننسى أنه لا توجد أصوات معارضة مستقلة في قطر، وتوجد رقابة كبيرة من السلطة ورقابة ذاتية أيضا. في قطر مازال يتم مثلا حجب مواقع إنترنت معارضة... لكن ترتيبها في سلم حرية التعبير يبقى أفضل من الدول الأخرى المعنية بالأزمة، بما في ذلك مصر حيث يتم تسجيل أعلى نسبة اعتقالات في صفوف الصحفيين". أحد أبرز الأسئلة المطروحة خلال الأزمة الحالية، هو: ما مصير الجزيرة؟ هل سيؤدي الجدل حول القناة بالدوحة لتضحي بها مقابل تسهيل عودة العلاقات مع جيرانها؟ خاصة وأن تغطية الجزيرة لعدد من الملفات في دول الخليج نفسها وفي دول أخرى، خاصة مصر، لطالما أثار استياء هذه الدول. فالقناة التي تعتبر القوة الناعمة لقطر، حاضرة بشكل كبير في الهجوم الذي تشنه دول عربية على قطر. فمع بدء الأزمة مباشرة، سارعت السعودية إلى إغلاق مكاتب القناة وسحب تراخيصها وكذلك فعلت حكومات عربية أخرى، بما فيها الأردن. منظمة مراسلون بلا حدود أدانت ما أسمته"الحملة التي تشنها مجموعة من الحكومات العربية على قناة الجزيرة، التي تتحمل عواقب قطع العلاقات الدبلوماسية بين قطر وعدد من دول المنطقة". وتقول خازن إن الجزيرة "تدفع ثمن الصراع الذي بدأ بين دول الخليج وتتحمل عواقبه لأن قطر تستخدمها في سياستها الخارجية لكن هذا ليس مبررا. من المرفوض أن يتم إغلاق مكاتب قناة ومنع بثها بسبب أزمة سياسية مع دولة أخرى، بغض النظر عن توجه القناة". منظمة مراسلون بلا حدود انتقدت الهجوم على قناة الجزيرة خلال الأزمة مع قطر. يشار إلى أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني السعودية حذرت من تشغيل قناة الجزيرة داخل الفنادق والمرافق السياحية. وأكدت الهيئة على حذف جميع القنوات التابعة لشبكة قنوات الجزيرة من قائمة البث الفضائي داخل الغرف وجميع مرافق الإيواء السياحي، تفادياً لعقوبات تصل إلى غرامة 100 ألف ريال سعودي (نحو 27 ألف دولار) وإلغاء الترخيص معاً. وسبق أن اتهمت السعودية قناة الجزيرة بـ"ترويج مخططات الجماعات الإرهابية ودعم ومساندة ميليشيات الحوثي الانقلابية في اليمن ومحاولة شق الصف الداخلي السعودي وذلك بالتحريض بالخروج على الدولة والمساس بسيادة المملكة”. المهنية في تراجع وسبق لمصر أن أغلقت مكتب الجزيرة فيها قبل ثلاث سنوات، أي منذ اندلاع الأزمة السياسية بين البلدين على خلفية اتهامات مصر لقطر بدعم جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها القاهرة "تنظيما إرهابيا". وتتهم كل من السعودية والإمارات والبحرين ودول أخرى قطر بأنها "تمول وتدعم تنظيمات إرهابية"، وهي الاتهامات التي ترفضها الدوحة. بالإضافة إلى قمع حرية التعبير، يرى متابعون أن التعامل الإعلامي مع أزمة قطر من طرف القنوات العربية التابعة للدول التي تقاطع قطر لم يكن موضوعيا، ففي قصة التسريبات التي نسبت لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد، لم تشر القنوات الإماراتية والسعودية إلى أن قطر أنكرت أن تكون هذه التصريحات لأمير البلاد وأكدت أن الأمر يتعلق باختراق إلكتروني. وحتى مع انطلاق الأزمة الحالية غاب الرأي القطري عن التغطية الإعلامية لهذه القنوات. كما شنت قنوات تابعة لقطر بدورها حملة ضد الدول المقاطعة. ويقول الدوسري "لا نستغرب مثل هذا الأسلوب المنحدر من المستوى الإعلامي من القنوات الإماراتية والمصرية، لكن الغريب هو أن ينجر التلفزيون السعودي إلى هذا المستوى فقد عهدنا فيه الرصانة والمهنية. من الواضح أن من يدير الحملة الإعلامية ضد قطر مؤسسات إماراتية ومصرية لأن الأساليب المتبعة هذه عهدناها من طرف وسائل الإعلام في هذه الدول". الكاتبة: سهام أشطو
مشاركة :