جماعة العدل والإحسان تستعد للمشاركة في التحركات المساندة لحراك الريف في المغرب، ما يرى فيه مراقبون ركوبا على الأحداث للانزياح بشعارات التحركات بما يتناقض مع مطالبها الحقيقية التي وصفتها الحكومة المغربية بالمشروعة.العرب محمد بن امحمد العلوي [نُشر في 2017/06/11، العدد: 10660، ص(2)]رغبة في الانحياز بالمطالب الرباط – عبرت جماعة العدل والإحسان ذات التوجهات الإسلامية في بيان لها عن رغبتها في المشاركة بمسيرة الرباط يوم الأحد 11 يونيو 2017 تضامنا مع “حراك الريف” والتي دعت إليها بعض الفعاليات الحقوقية والسياسية. وعبرت الجماعة عن رغبتها في المشاركة والمطالبة بما أسمته “تحقيق الحرية والعدل والكرامة لأبناء هذا الوطن، وللاحتجاج على التعسف والقمع الذي تواجه به الدولة حراك المطالبين بحقوقهم العادلة والمشروعة”. ويأتي هذا التموضع التكتيكي بعد سبعة أشهر من انطلاق الاحتجاجات بالحسيمة شمال المغرب إثر وفاة بائع السمك محسن فكري في أكتوبر الماضي طحنا في حاوية فضلات. وعلى الرغم من تشكي الجماعة من أنها تتعرض للتضييقات والحظر من طرف السلطة، فإن هذه الأخيرة تعاملت معها بمرونة وحذر كبيرين وتركت لها فرصة التواجد بالشارع. وقد شاركت الجماعة في عدة احتجاجات منها حركة 20 فبراير سنة 2011، وأخرى ضد شركة أمانديس بطنجة في العام 2015، واحتجاجات “الأساتذة المتدربين” في العام 2016. ويقول مراقبون إن مشاركة الجماعة في احتجاجات حركة 20 فبراير في العام 2011 كان الغرض منها السطو على مسار الحركة والركوب على مطالبها للوصول إلى أهداف أخرى لم تكن ضمن أجندة الأطياف الأخرى المختلفة منهجا وأيديولوجيا، وبعدما قرأت قيادة الجماعة أن الحركة لن تخدم أهدافها انسحبت بشكل فجائي ودون مقدمات. وبرّرت الجماعة انسحابها كما قال رئيس الدائرة السياسية في الجماعة عبدالواحد المتوكل، بأنها ”تعرضت لاستفزاز من تيارات يسارية كانت تصرّح بأن جميع الشعارات المرفوعة خلال هذا الحراك كانت شعارات يسارية، لهذا صبرت وتنازلت رغم ذلك من أجل عدم تفويت فرصة تاريخية للتغيير”. ولم تقنع تلك المبررات التي ساقها هذا المسؤول داخل الجماعة طيفا واسعا من الباحثين والمهتمين بتاريخ الجماعات الإسلامية معتبرين أنّها مجرّد تمويه وتغطية على عدم اتساق أهداف الجماعة مع المشاركين في حركة 20 فبراير. ويؤكد محللون أن الجماعة تريد إعادة تجربة 2011 هذه المرة أيضا دون اكتراث بالإنجازات الدستورية والسياسية والحقوقية والاجتماعية التي عرفها المغرب بعد مرور ست سنوات عن حركة 20 فبراير. ويتساءل مراقبون عن حجم التغيرات التي عرفتها الجماعة أيديولوجيا وعن مدى استعدادها لتكون فاعلا إيجابيا في المشهد السياسي المغربي. وبرى المتابعون للشأن السياسي في المغرب أن الجماعة لازالت غارقة في خطاب ينهل من مفردات فضفاضة من قبيل الخلافة و”الثورة”، تؤسس لمنهج الجماعة وغاية وجودها على أساس قوالب تاريخية أو أيديولوجية جاهزة، ويعدّ أخذ مقاليد الحكم حسب مؤسس الجماعة الراحل عبدالسلام ياسين لحظة من لحظات”الثورة” وخطوة لازمة من خطواتها للوصول إلى الخلافة. وأورد عضو الدائرة السياسية للجماعة حسن بناجح، أنه إذا توفرت شروط وإرادة المكونات الشريكة للحضور بالصفات فإن هذا ينسجم مع خيار الجماعة بترجيح العمل المشترك وتكون في طليعة المتجاوبين. ووضع القيادي شرطا مسبقا للانسحاب من المظاهرة يتمثل في أنه إذا كان “الحراك” بلا يافطات ولا لافتات حركية وحزبية فإن الجماعة تكون أول الملتزمين ميدانيا بذلك، بمعنى أنه إذا تبين أنه باستطاعة الجماعة قيادة التظاهرات مع ما يتناسب وأهدافها فستكون إشارة واضحة في أنها المناسبة المواتية لـ”الهبّة الشعبية”. وهذا ما أكده بناجح عندما قال إن “لأعضاء الجماعة ما يكفي من المراس على نكران الذات ما يعرفه ويقدره كل من احتك بهم، ويشكل حراك الريف أحد أبرز الاختبارات الجارية لهذا المراس”. ووفقا لمحللين يتناسب هذا التوجه مع ما جاء في كتاب المنهاج النبوي لمؤسس الحركة الذي يربط نجاح “الثورة” بـ”بلوغ مريدي التغيير إسلاميين وغيرهم درجة اليقظة والتجند الواسع وبلوغ السخط الشعبي أعلى سقف له بتألف الموجة العارمة، في مقابل بلوغ الأنظمة غاية الفشل، حينئذ يمكن إيقاف الفساد بالعصيان الشامل، والإضراب العام، والنزول إلى الشارع”. ويرى هؤلاء أن خروج جماعة العدل والإحسان إلى الشارع محكوم بقاعدة البحث عن موجة احتجاجية بقاعدة مطالب اجتماعية واقتصادية وقيادة منقادة لأيديولوجيّة الجماعة لضمان النجاح وحتى لا تكون الهبّة الشعبية مغامرة فاشلة وسقطة نهائية تذهب بريح الدعوة، حسب الخطوط الكبرى التي رسمها المؤسس الراحل عبدالسلام ياسين. وأكد جل المتابعين أن الجماعة دوما ما كانت تغرد خارج السرب ووقفت بالمرصاد أمام دعوة رئيس الحكومة السابق سكان طنجة إلى إيقاف الاحتجاجات ضد شركة “أمانديس”، المفوض إليها تدبير قطاع الماء والكهرباء والتطهير، مع تعهده بحل مشكلة غلاء فواتير الماء والكهرباء. وادعت من خلال مواقعها الإلكترونية أن المواطنين لم يتجاوبوا مع الدعوة. ويشير مراقبون إلى ازدواجية واضحة فيما بين شعارات العدل والإحسان ومطالبها فمن جهة تعارض الجماعة النظام بشكل جذري ومن جهة أخرى تخرج لتطالب مؤسساته بالاستجابة إلى ما تعتبره مطالب مشروعة وعادلة. ودأبت الجماعة على الدعوة إلى عدم المشاركة في كل المحطات الانتخابية السابقة واعتبارها صورية، وتحرض الشعب المغربي والهيئات السياسية والمدنية على مقاطعتها. ويتمثل البديل الذي تركز عليه العدل والإحسان حسبما أكد عليه رئيس الدائرة السياسية للجماعة، في أن “التغيير ينبغي أن يستحضر في تقديرنا، معاشر من يؤمن بالله واليوم الآخر، شرطين أساسيين، أحدهما كسبي والآخر قدري”. ويرى المتوكل أن “الأول يتعلق بالفعل أو المجهود البشري الذي ينبغي أن يبلغ المدى المطلوب، والثاني يعني أن يبلغ الكتاب أجله. والتغيير رهين باجتماع الاثنين”. ويؤكد مراقبون أن أيّ محاولات للجماعة لا تذهب في طريق التفاعل السياسي الإيجابي والواقعي والمتدرّج مع مختلف رغبات كل فئات الشعب ومطالبها الاجتماعية والسياسية على أسس موضوعية للإصلاح، وإنما تأسيسا على نظرة غامضة وطوباوية تتبنّى نهجا غيبيا لا يتماشى والتطوّرات التي يعرفها المجتمع المغربي ومحيطه الجيوسياسي. وهذا ما يؤكّده قول المتوكل بأنه “حتى إذا بلغ الكتاب أجله وجدنا أنفسنا بين الشعب وبعناوين معروفة وليس غرباء عنه، ووجدنا جمهورا مستعدا لأداء مهر التحرير والكرامة”. ويقول هؤلاء إن رئيس الدائرة السياسية للجماعة يعمل على تغييب اللغة السياسية الواضحة المعنى والمستوفية المبنى، ليدخل في مجاهل الاقتباس القرآني والتأويل غير المتزن لآياته.
مشاركة :