يونس السيدوضعت خسارة حزب المحافظين للأغلبية المطلقة في البرلمان البريطاني رئيسة الوزراء تيريزا ماي في موقف صعب، على المستويين الداخلي والخارجي، خصوصاً تجاه «بريكست» قبيل المفاوضات المقررة في 19 يونيو/حزيران الحالي. كانت تيريزا ماي، عندما قررت في مارس/آذار الماضي إجراء انتخابات تشريعية مبكرة، تراهن على توسيع الأغلبية التي يتمتع بها حزب المحافظين في البرلمان، والحصول على تفويض أكبر يخولها خوض مفاوضات «بريكست» من موقع قوة، استناداً إلى استطلاعات الرأي التي منحت حزبها تقدماً ب 20 نقطة على حزب العمال آنذاك. لكن ماي خسرت الرهان بالفعل، وبدلاً من الحصول على تفويض أكبر خسرت غالبية حزبها المطلقة في البرلمان، فهل كانت استطلاعات الرأي هي التي خذلتها أم أنها هي التي خذلت نفسها؟. الواقع أن أداءها ظهر مرتبكاً وضعيفاً، مع كثير من الغموض في برنامجها لتحقيق «بريكست متشدد» وسريع مع الاتحاد الأوروبي، والأسوأ من ذلك ضعف أدائها في موضوع الأمن وعدم قدرتها على التعامل مع هجمات مانشستر الإرهابية التي ترافقت مع الحملة الانتخابية، خصوصاً وأن حزبها (المحافظين) هو المسؤول عن التقليصات الضخمة في الأجهزة الأمنية بهدف تخفيض النفقات. وبالمقابل، خاض منافسها جيريمي كوربن زعيم حزب العمال حملة انتخابية ناجحة، بحيث تمكن قبل يوم واحد من بدء عملية الاقتراع من تقليص الفارق مع المحافظين إلى 5 نقاط وإلى نقطة واحدة في بعض الاستطلاعات. وكان أداؤه مبهراً، سواء في إدارته للحملة أو في شرح برنامجه الانتخابي وقدرته على التعبير عن رغبات البريطانيين، خاصة فئة الشباب التي شكلت عنصراً حاسماً في تقدم الحزب وتعزيز ثقله بمنحه نحو 30 مقعداً إضافياً. وبالمحصلة جاءت خسارة المحافظين بنحو 12 مقعداً لتفقدهم الغالبية المطلقة، واضطرارهم للتحالف مع الحزب الوحدوي في إيرلندا الشمالية، هرباً من تشكيل حكومة أقلية تضعهم في موقف أكثر سوءاً، داخلياً وخارجياً، أي تقديم تنازلات للعماليين في كل التشريعات والسياسات المهمة، لكن ماي تستطيع تشكيل حكومة مع الحزب الوحدوي الإيرلندي، لكنها ستظل مقيدة وضعيفة، وتطرح الكثير من الأسئلة حول مسار المفاوضات المقبلة والمطالبة بتسريعها، أو كما يقول الأوروبيون بأن «حكومة بريطانية ضعيفة تطرح مخاطر بأن تكون المفاوضات سيئة للطرفين». وبالمحصلة، فإن الفائز الوحيد في هذه الانتخابات هو جيريمي كوربن، الذي لم ينجح في زيادة تمثيل حزبه في البرلمان فحسب، بل نجح في تكريس نفسه زعيماً للحزب، وحتى على المستوى الأوروبي، بعد أن كان حتى وقت قريب في موضع انتقادات ساخرة داخل حزبه. younis898@yahoo.com
مشاركة :