ليبيا ساحة شاهدة على تخريب الثورة ومحاولة سرقتها بأيد قطرية هدفت لبناء اتحاد إسلاموي موال لها في شمال إفريقيا يضم مصر وليبيا وتونس، وكانت النتيجة خراباً شاملاً ما زال الليبيون يدفعون ثمنه حتى الآن وإلى إشعار آخر. في كتابه «نهاية القذافي» كشف مندوب ليبيا الأسبق في الأمم المتحدة عبد الرحمن شلقم، تفاصيل المؤامرة القطرية على بلاده، وقال إن «القطرة التي أفاضت البحر» كانت عندما أخبره أحدهم في العام 2012 أن أمير قطر كان مستعداً لدفع كل ثروة قطر من أجل إزاحة نظام القذافي. ولما سأله شلقم عن السبب وراء ذلك؟ أجاب الرجل الآخر أن أمير قطر لديه مشروع استراتيجي بعيد المدى لن يتحقق إلا بتنصيب حكومة «إسلامية» موالية له في ليبيا، لأن فوز «الإسلاميين» في تونس ومصر يستدعي أيضاً تنصيب حكومة «إسلامية» في ليبيا تكون حلقة وصل بين النظامين، وبهذه الطريقة يمكن لأمير قطر تكوين «اتحاد إسلامي» في شمال إفريقيا يضم هذه الدول ويكون موالياً لحكام قطر. شلقم يؤكّد أن هناك من نقل له أن أمير قطر في ذلك الوقت وابنه تميم يريدان رفع إنتاج ليبيا من النفط إلى 5 ملايين برميل يومياً يوزع عائدها بين مصر وتونس وليبيا، وهكذا يتحقق الرخاء الاقتصادي، ليتبجّح الأمير لاحقاً بأن «الاتحاد الإسلامي» بإمكانه أن ينافس النمور الآسيوية اقتصادياً، وهي المعلومات التي أكدها رجال سياسة وإعلام عرب وأجانب. وأردف شلقم «عندما تأكّدت لي تلك المعلومات صار في نظري السكوت عن الدور أو المؤامرة القطرية ضد ليبيا خيانة للشهداء والأرض والوطن». مخطط الاتحاد الثلاثي، أكده الإخواني رئيس ما يسمى اتحاد علماء المسلمين يوسف القرضاوي والذي أضيف إلى قوائم الإرهاب مؤخراً، عندما دعا في 21 أكتوبر 2011، أي بعد يوم واحد من مقتل معمّر القذافي، إلى قيام ما سماها بـ «جمهورية ديمقراطية إسلامية»، وحض على تحقيق شكل من أشكال الوحدة بين من وصفهم بـ «المؤمنين الثوريين» في ليبيا وتونس ومصر. الصلابي وبلحاج شلقم كشف في كتابه أن حمد بن جاسم رئيس الوزراء القطري السابق اتصل به عقب كلمته في الأمم المتحدة في فبراير 2011 وقال له إن الأمير حمد بن خليفة يحمل تقديراً لموقفه وكلمته، ومنذ تلك الحادثة باتت العلاقة بينه وبين أركان النظام القطري جزءاً من وجبة الإفطار اليومية. وصارت الدوحة الوجهة المفضلة لقادة ليبيا الجدد، وقد لعبت قطر فيما بعد دوراً حاسماً سياسياً في إقناع حلف "ناتو" بالتدخل في ليبيا، مشيراً إلى أن حجم المساعدات التي قدمها النظام القطري للتخريب في ليبيا وصل إلى 3 مليارات دولار، وأكدت قطر فيما بعد أن هذا المبلغ يعطيها «الحق» في وضع يدها على الشأن الليبي. وتابع شلقم إن محمود جبريل أبلغه بأن أمير قطر يدعوه لزيارة الدوحة لمناقشة الوضع الليبي بعد التحرير، ومن أجل لعب دور الوساطة بين التيارات الليبية المختلفة، مشيراً إلى أنه قابل تميم بن حمد الذي كان ولياً للعهد آنذاك رفقة محمد شمام، وتحدث تميم عن الدعم القطري وأخبره أن قطر غير مستعدة بعد كل هذا الدعم أن تنفض يديها من ليبيا دون أن تقبض ثمن دعمها، فرد عليه شلقم أن الشعب الليبي لا ينفي ولا ينكر الدعم القطري لكنه غير مستعد للسماح للتدخل في شؤونه. ويضيف شلقم في شهادته إن تميم قال له إن (القيادي الإخواني) علي الصلابي يجلس في الصالون القريب و«نحن نريدكم أن تتحدثوا معاً هنا من أجل تقريب الأفكار»، وفي ختام الاجتماع قال له أيضا «أرجو أن تتحدث مع (زعيم الجماعة الإسلامية المقاتلة) عبد الحكيم بالحاج وهذا هاتفه». لا يقف شلقم عند هذا الحد، إنما يؤكد أنه التقى الأمير حمد بن خليفة بمنزله في نيويورك وكان رفقة محمود جبريل وأن أمير قطركان يتحدث عن ليبيا كأنه يتحدث عن «حمام بيته» حتى أنه حاول فرض بعض الأسماء والوجوه في أجهزة القيادة الجديدة، وشدد على وجوب فرض الأسماء التي تزكيها قطر سيما وأنه هو من يعين وزير الخارجية ووزير الداخلية، مقابل أن تعطي القيادات القطرية التعليمات لجمع الأسلحة المنتشرة في ليبيا خلال 24 ساعة. وطرح على شمام أن يزكيها. ويتحدث عن الدور القطري التخريبي في ليبيا، مشيرا إلى أن رجل أعمال أميركيا يعمل في قطاع النفط كان تعرف عليه طلب رؤيته، وخلال اللقاء قال له الأميركي إن شركته النفطية على استعداد للعمل والاستثمار في ليبيا لكن ثمة عقبة في طريقهم هي قطر، حيث إن الدوحة أخبرتهم أنه يستحيل العمل في ليبيا من دون إشراكها لأنها تسيطر على أربع ملفات ليبية وهي النفط، الأمن، المال والاستثمار، والجيش. وقد رفض الأميركي لاحقاً الكشف عن أسماء من أبلغوه بتلك المعلومات خوفاً على مصالحه مع النظام القطري. سلاح الميلشيات أدركت قطر أن السيطرة على ليبيا لا تكون إلا من خلال الميلشيات المسلّحة الخاضعة إما لقوى الإسلام السياسي أو إلى أمراء حرب من المرتزقة تتولى تمويلهم وتسليحهم، وفي هذا الإطار قال رئيس الحكومة الليبي الأسبق محمود جبريل إنَّ قطر التي ساهمت بكثير من الدعم والمساندة في بداية الثورة، سرعان ما كشفت أجندتها لمساندة رموز الإسلام السياسي. وقال في تصريحات صحافية «على المستوى الشخصي أتذكَّر عندما كنا في باريس في سبتمبر 2011 أنَّ (رئيس المجلس الوطني الانتقالي) مصطفى عبد الجليل وأمير قطر آنذاك حمد بن خليفة رفضا طلبي بحل «الميليشيات»، وقاطعني الأمير في مؤتمر صحافي علني قائلاً: «يا أخ محمود الثوار لا يلقون السلاح»!. وأضاف: دخلنا قاعة الاجتماع بين الوفدين الفرنسي والليبي، حيث كان يضم مصطفى عبد الجليل ومحمود شمام والسفير الليبي في باريس وأنا، وكان الوفد القطري يضم الأمير وحمد بن جاسم (رئيس الوزراء ووزير الخارجية آنذاك) وخالد العطية وزير الخارجية الجاري والسفير القطري في باريس، وطلب الأمير مني الاستمرار في رئاسة الوزراء بشرط أن لا تكون لي علاقة بالجيش والشرطة.. وعندما رجعت إلى ليبيا اتخذت قرارًا بحل الميليشيات بحضور قادة الـ 18 تشكيلاً مسلحًا باستثناء عبد الحكيم بالحاج، ثم دخل علينا مصطفى عبد الجليل القاعة ليبارك هذا القرار، ثم فوجئنا بعدها بحوالي ساعة بدخول رئيس الأركان القطري وثلاثة من قادة الميلشيات بينهم عبدالحكيم الحاج القاعة، وسأل رئيس الأركان القطري: هل هذا القرار سيطبق على طرابلس فقط أم في كل المدن الليبية فقلت له طرابلس العاصمة، وطلب أن نلتقي وقال: أحمل رسالة لك أنت ومصطفى عبد الجليل من الأمير. وقَّعت على القرار وتوجَّهت إلى اللقاء، وكان قادة التشكيلات العسكرية فرحين بالقرار. ويضيف جبريل «خرجتُ الساعة السابعة مساء، وأعلنتُ حل التشكيلات العسكرية، وكان معي 17 من قادة تلك التشكيلات. في اليوم التالي فوجئنا بقرار من المجلس الوطني الانتقالي بإلغاء القرار وبنقل تبعية اللجنة الأمنية العليا من المكتب التنفيذي إلى المجلس. كان واضحا أن قطر لعبت دوراً مهماً في الإطاحة بمشروع نزع سلاح الميلشيات من خلال ضغوط مارستها على رئيس المجلس الانتقالي، يقول جبريل «في اليوم التالي فوجئت بقرار مصطفى عبد الجليل إلغاء قرار حل التشكيلات المسلحة، ونقل تبعيتها إلى عبد الرزاق العرادي وعبد المجيد سيف النصر، دخلت على عبد الجليل وقلت له هذا فراق بيني وبينك، فقال يا رجل أنت مستعجل ومازالت الحرب قائمة وأنا مستعد أن أجمع السلاح بعد انتهاء المعارك فورًا. فقلت له والله ستندم على هذه الخطوة كثيرًا».
مشاركة :