من قراءاتي أن الضابط البريطاني (سالدير) ذهب عام (١٨١٩) مرسولا من بلاده يحمل الأموال لمقابلة (إبراهيم باشا) بعد أن هدم الدرعية ـ ، وهو الابن غير الشرعي (لمحمد علي باشا)، إذ أنه تزوج والدته الأرملة وهي حامل من زوجها المتوفى، ووضعته بعد خمسة أشهر، ونسبه محمد علي إليه ـ. وقد مر الضابط البريطاني في طريقه على (منفوحة) التي تسكنها على حد قوله (ألفا عائلة)، وهي محاطة بجدار وخندق أمر (الباشا) بهدم جدارها قبل مغادرته لها، وتقع شمالها على بعد ميل واحد منها، قرية يقال لها (الرياض) وهي على حد قوله ـ عبارة عن خرائب وبقايا جدران وبيوت مهدومة، وتكاد أن تخلو من السكان» انتهى. لاحظوا أنه قال: أنها (تكاد) ـ أي أنه لا يقطنها سوى بضع أو عشرات من السكان ـ ثلاثة أرباعهم أما عميان بسبب داء الجدري، وإما هم على مشارف الموت بسبب داء الكولرا. وما أن قرأت اسم (منفوحة) حتى تذكرت على الفور الكاتب (عبد الله بن بخيت)، وهو أكثر من كتب عن هذه الحارة بجنوب الرياض حاليا، والتي افتتن هو بها وقضى طفولته بين أزقتها وبيوتها الطينية. وبعد أن ذكرنا تهديم (الباشا) للدرعية، لا بد وأن نعرج تاريخيا لنعرف أسبابها الحقيقية. فللأسف أن الكثير مما يكتب ويقرأ مغلوط كل الغلط، فهم يزعمون أن (محمد علي باشا) وأبناءه قد غزوا الجزيرة العربية بجيوش مصرية خالصة. والحقيقة هي أن الدولة السعودية الأولى عندما توسعت من عمان جنوبا إلى مشارف دمشق شمالا مرورا بصحراء العراق والعتبات المقدسة في عهد الإمام (سعود بن عبد العزيز)، قد أثارت الرعب في الخلافة العثمانية، فجرى هناك حلف مؤكد بين تلك الخلافة والإمبراطورية البريطانية، لتوجيه ضربة عسكرية شاملة لتلك الدولة، واستخدموا محمد علي كمخلب قط للتمويه لا أكثر ولا أقل. وفعلا أمدت بريطانيا تلك الحملة بالأموال والأسلحة والسفن والخبراء، فيما تولت تركيا إرسال الجنود والمرتزقة من أوربا والمغرب العربي ـ أي من الجزائر والمغرب. ولأول مرة يشاهد أهل الجزيرة العربية المدافع والبنادق، وواجهوا تلك الحملة بسيوفهم ورماحهم وصدورهم المكشوفة، ولولا تلك الأسلحة الحديثة لما استطاع ذلك الحلف (غير المقدس) أن يكسر شوكتهم. وللمعلومية فالجنود المصريون في تلك الحملات المتواصلة لم يكونوا يشكلون أكثر من خمسة بالمئة من المحاربين. هذه حقيقة يجب أن تكتب ويركز عليها. وسقطت الدولة السعودية الأولى وأعدم الإمام (عبد الله بن سعود) في الأستانة بتركيا، وما هي إلا عدة سنوات تعد على أصابع اليد الواحدة، حتى قامت الدولة السعودية الثانية بقيادة الإمام (تركي بن عبد الله). الحديث يطول وليس هذا مجاله بالتفصيل في هذا العامود الصحفي القصير، ولكن التاريخ يجب أن يصحح.
مشاركة :