ألم يكن التطرف موجودا في كل الأديان ومنها الإسلام وحتى في الأديان غير السماوية؟ لكن لماذا تحول التطرف إلى الإرهاب ابتداء من العام 1979؟ العرب حامد الكيلاني [نُشر في 2017/06/14، العدد: 10663، ص(8)] تأخر المجتمع الدولي كثيرا في التشخيص المبكر لخلايا سرطان الإرهاب التي تكونت عام 1979 بمجيء الخميني إلى السلطة في إيران بثورته الإسلامية وإقامة نظام الولي الفقيه وبشعار تصدير الثورة هدفا وغاية وتطبيقا. ثورته انتشرت دون إبطاء أو تدقيق أو فحص، وتحت عباءة الإسلام، وهي جواز لمرور نافذ في عالمنا العربي والإسلامي لطالما تم تمرير المخططات من خلاله. تاريخنا يحفل بالدسائس والجواسيس والشخصيات التي وجدت في مظاهر التديّن وسيلة لمجاورة السلطات وثقة الناس، ومازال لها دور فاعل في الإيهام، بل إنها تصدرت مشاهد الخراب والصراع الذي أودى باستقرار الشعوب. ورغم ذلك تجد لها صدى ومكانة وتأثيرا نفسيا لأنها تحمل عصا الإرهاب بوعيد الدنيا والآخرة؛ أليس هذا محتوى نظام سياسي يختصر دوره وفكره في ولاية الفقيه. ربما نجد الأعذار للبسطاء أينما كانوا في مشرق أو مغرب الوطن العربي الذين انساقوا خلف تأييد الثورة الإسلامية في إيران في بدايتها، لكنهم فقدوا أعذارهم مع وضوح رؤية الهلال فوق وعلى أرض بلادهم والذي تحول إلى بدر يجاهرون به وبطلعته. من لا يتذكر ذلك التهليل من زعامات عربية وإسلامية بالثورة الخمينية وبعضها تمادى في دعمها بالمال والسلاح وبصواريخ سكود وبالتعاون المعنوي والمادي خصوصا من دول عربية من بينها سوريا. تشهد عليهم بغداد ودماء أهلها وجراحاتهم في مناطق الدورة والعامرية ومدينة الثورة، التي لم تستقر على تسمية لأن الفقراء دائما تجارة رابحة في السياسة، وفي الكسرة والفناهرة والقاهرة وغيرها. تعداد أسماء المناطق المستهدفة قصدتُ منه وحدة الدم لشعبنا في بغداد والمدن العراقية الأخرى التي لم تفرّق صواريخ ولاية الفقيه في توزيع عدلها على كل المذاهب والأديان والقوميات. سنة 1979 تاريخ خطير في نشأة الإرهاب، نعود إليه دائما لأنه مفترق طرق ونقطة انطلاق ومحطة أوصلت منطقتنا والعالم إلى اتجاهات متباينة ومتباعدة وتفرّعت إلى زوايا ومطبات طبيعية وصناعية ساهمت تماما في استفحال خلايا الإرهاب وتمددها وغموض خيوطها وبتعبير دقيق تداخل خنادقها بما يمكن أن نطلق عليه اكتمال بناء مدرسة “الالتباس” في السياسة الدولية وتقاطعاتها ومعها المصالح والرؤى وركوب ترددات وموجات التفاصيل والتحليلات لتحقيق مآرب سياسية ومخابراتية وشخصية على حساب الأبرياء في العالم، مع اختلاف نسب التضحيات وحجم الإرهاب. في تلك السنة اجتاح الاتحاد السوفييتي أفغانستان، ولسنا هنا بصدد سرد التداعيات، لكنها مهدت الأرضية لردّات الفعل الدينية، كأنها أيقظت إنسانا متعبا لم يتذوق طعم النوم منذ ليال، وفي لحظة استسلامه لنوم عميق حدثت صدمة كبيرة في فضائه الخاص جدا، فنهض بكامل جنونه ليدافع عن وجوده ونفسه. هكذا تم اللقاء واستثمار المشروع الإيراني القومي الطائفي بنشوة ثورته ليحتضن كل الحركات والمنظمات المتصلة تحت شعاراته الإسلامية، متجاوزا منهجه وخصوصيته بذرائعية لا حدود لها ولن تقف عند جدار حتى لو كلفها التضحية بعيّنات من شعوبها أو رموزها أو مقلديها أو مقربيها. الحرب بين إيران والعراق استمرت 8 سنوات من 1980 إلى غاية 1988، سمّيت بالحرب المنسية، مازالت تلك الحرب منسية، لأنها واقعيا لم تنته ولم تضع أوزارها على مستوى العلاقة بين إيران والعراق، أو بين إيران والعرب، أو بين إيران والعالم الإسلامي أو بين إيران والمجتمع الدولي. كيف؟ تم احتلال العراق من قبل إيران، وتنصيب حكومة، ربما نجافي الحقيقة إذا أطلقنا عليها وصف حكومة عملاء إيران لأنهم ليسوا طرفا آخر يتعامل مع ولاية الفقيه من منطق الفائدة أو المصالح التي تربطهم بها، إنما هي جزء من نظام عقائدي عابر للوطن تشوبه المفاسد والتخريب، نحن نقف ضده ويقف معنا في التشخيص معظم شعبنا عندما يتعلق الأمر بالأداء السياسي والخدمي؛ وبعض شعبنا عندما ترفع بوجه بعضه الآخر عصا الإرهاب بوعيد الدنيا والآخرة وهي بيد الولي الفقيه الإيراني التي دفعت أحد مفكري “حزب الدعوة” من العراقيين للبكاء على مصير النجف ودورها العلمي والفقهي في المستقبل، وعلى مصير العراق الذي طوى صفحته الوطنية واستقلاله ووحدته وسيادته. الحرب لم تنته في 8 أغسطس 1988 وقادة إيران وحرسهم، ومنهم ممن يحملون الجنسية العراقية يستعيرون شعار العرب بعد نكبتهم في يونيو 1967 (نحن لم نخسر الحرب لكننا خسرنا معركة) ليخففوا من وطأة هزيمتهم ومعايير السمّ الذي تجرعه الخميني مرغما لإيقاف الحرب ضد العراق. الحرب لم تنته نقولها نحن أيضا بوجه المشروع الإيراني، ولا رهان لهم على عنصرية المذهب أو الطائفة؛ ألم تصلهم أصوات وهتاف أهلنا في بغداد والجنوب وفي مقدمتهم طلاب الجامعات “إيران برة برة” بما تعنيه مفردة الطلاب من دور في صياغة وعي العراقيين وحرصهم على مستقبلهم. العرب بعد القمم الثلاث في الرياض، استفاقوا على حقيقة وحش إرهابي استباح دولهم وكبريات عواصمهم مستمرا في تحفيز خلايا سرطان الإرهاب الطائفي في نفوس بعض من اهتزت لديه هويّة الوطن والمواطنة والأمة، ليحولهم إلى أدوات فتنة وتخريب حتى تجاه ثوابتهم الدينية والقومية؛ كذلك الحال في الدول الإسلامية وصحوتها لما ينتظرها في صميم أمنها وحياة شعوبها. الحرب الإيرانية العراقية في ثمانينات القرن الماضي من سداد العقل الإنساني أن توضع على طاولة البحث في الحرب العالمية على الإرهاب، بدل التعتيم عليها أو نسيانها أو تأويل أسبابها ونتائجها وتواريخها التي مازالت تخضع في تقريرها لأمزجة حب أو كراهية أو خصام مع إرادة دولة العراق قبل احتلاله سنة 2003 أو لإرادات مرتهنة لولاية الفقيه التي استولت على السلطة في العراق وتروّج كما تشاء لمظلومية النظام الإيراني حتى الآن. بل منهم من طالب بتعويض إيران من ميزانية العراق عن خسائر الحرب. بعد أحداث الإرهاب من 1979 إلى غاية تفجيرات كربلاء الأخيرة مرورا بشظايا الإرهاب الذي استهدف بريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا وبلجيكا وإسبانيا وغيرها، وصولا إلى أحداث 11 سبتمبر 2001، وما حصل في أفغانستان والعراق من كوارث وسوريا واليمن ولبنان والبحرين ومصر وليبيا وبعض دول أفريقيا وأميركا الجنوبية وأخيرا في إيران؛ على اختلاف نوع الإرهاب ووسائله ومبرراته. ألم يكن التطرف موجودا في كل الأديان ومنها الإسلام وحتى في الأديان غير السماوية؟ لماذا تحول التطرف إلى الإرهاب ابتداء من العام 1979؟ ماذا عن مفاتيح الجنة التي أودت بحياة الإيرانيين أولا من الشباب والفتيان لفتح حقول الألغام على الحدود مع العراق، أليست مؤشرا لخلايا الإرهاب في جسد ولاية الفقيه وعصا ارتكازها الفكري؟ مسافر كربلاء، تلك العبارة الشهيرة الملفوفة على رؤوس القوات المندفعة باتجاه العراق وشعار طريق القدس يمر من بغداد، أليست إشارات إلى العالم لتوقع نيات الحرب الطائفية الإرهابية بكل معنى الكلمة التي نراها اليوم ماثلة بيننا؟ قتل الأسرى العراقيين وسوء معاملتهم حتى من قبل معظم رجال الحكومة الحالية في العراق؟ إطالة الحرب وتمددها في حينها، إلى دول عربية بما استهدفته من سفارات وشخصيات بعمليات إرهابية مشخّصة بمرتكبيها الذين يسرحون في العراق ويجاهرون بعدائهم للعرب والعالم خدمة لحرس ولاية الفقيه؟ قائمة الأسئلة تطول وعلينا أن نتوقف لا لنتأمل، إنما لنتخذ المواقف لعزل شحنة الإرهاب عن الاستقطاب، وهي شحنة حثّت كل الأطراف في العالم على التصادم بفوضى عارمة أدت إلى غياب التشخيص وغياب الإنسانية عن نظم التعليم التي تقارب بين الأديان والمذاهب والتي تؤدي دور “التطعيم” ضد التطرف وضد الإرهاب. لكن كل ذلك يندرج تحت إيجاد الحلول للمستقبل، أما الآن ففي ذمة العرب والمسلمين والمجتمع الدولي أداء مهمّة الخروج من المطب الذي دفعتهم إليه سنة 1979. كاتب عراقيحامد الكيلاني
مشاركة :