صوم الطفل انتهاك لحقوقه بقلم: لمياء المقدم

  • 6/15/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

نمو الطفل وصحته مسؤولية جسيمة لا يجب الاستهانة بها ولا مقايضتها بلحظة فخر وهمية، وبناء جسمه وعقله بشكل طبيعي وسليم أولى من سعي الآباء لإشباع رغبة أنانية داخلهم مفادها أنهم نجحوا في تربية الطفل على القيم والمبادئ الإسلامية وتعليمه الصبر والجلد والصلابة.العرب لمياء المقدم [نُشر في 2017/06/15، العدد: 10664، ص(21)] في رمضان تعود بي الذاكرة دائما إلى أيام الطفولة والصبا، عندما كانت توكل لي مهمة تذوق الأطعمة والعصائر من قبل الكبار، وأرسل إلى المحلات المجاورة للحي كل ساعتين لجلب السكر أو الحليب أو الزبدة. تأخر حيضي حتى سن 15 سنة. كنت في الفصل الثالث الإعدادي عندما طلب منا أستاذ الرياضة، نحن بنات الفصل، أن نرتاح ولا نجهد أنفسنا كثيرا في حصة الرياضة بسبب الصوم، وعندما أخبرته أنني لست صائمة لم يفهم في بادئ الأمر، واعتقد أنني قد أكون حائضا، لكنني شرحت له أنني لم أحض بعد، وبالتالي لا أشارك في الصوم. لا أستطيع أن أنسى دهشته ساعتها وهو ينظر لي غير مصدق أن هذه الصبية اليافعة لا تصوم ولا أحد يجبرها على ذلك. بعد لحظات ابتسم مربتا على شعري بلطف وهو يقول “حسنا بإمكانك الجري مع الأولاد”. تذكرت هذه الحادثة منذ أيام قليلة عندما طلب مني الطفلان أن يجربا الصوم، أحدها في الرابعة عشرة من عمره والثاني في الحادية عشرو، لم أتحمس كثيرا عندما علمت أنهما ينويان الصوم نهارا كاملا. نصحتهما أن يبنيا قدرتهما على الصوم تدريجيا من ساعتين مثلا إلى نصف يوم ثم إلى يوم كامل. حماس البعض لصوم الأطفال في سن مبكرة لا أجد له مبررا أو ضرورة. رأيت أطفالا في سن 8 أو 9 يصومون أياما كاملة بتشجيع وتهليل من الآباء، وأحيانا بترهيب وعقاب منهم. الحجة التي يسوقها الآباء في هذه الحالة هي رغبة الطفل نفسه في تجريب الصوم، وهي الرغبة التي يتعامل معها الآباء على أنها مؤشر مبكر على تدين الطفل وسعيه لمرضاة الله وطاعة أوامره، لكن الحقيقة هي أن الطفل يحب أن يتشبه بالكبار في كل ما يفعلونه، فنجد الفتاة تلبس ملابس وأحذية أمها والولد يجلس جلسة أبيه ويتكلم بطريقته. وليست رغبة الأطفال في الصوم إلا تقربا وتشبها بالكبار ليس أكثر. صوم الطفل الصغير لأيام كاملة غير صحي كما نعرف جميعا، فالطفل في هذه السن يكون في حالة نمو جسمي وعقلي ويحتاج إلى الغذاء والماء لتمكينه من عملية نمو طبيعية وسليمة، فضلا عن حركته الزائدة التي تتطلب ما يعادلها من سوائل وسكريات. إجبار الأطفال على الصوم وهم في سن مبكرة انتهاك لحقوقهم، وتعد عليهم ينم عن جهل بالدين والعلم في آن واحد. بإمكان الطفل أن ينهي نهاره صائما، ليفخر أهله بقدرته وصبره وجلده وإيمانه. وقد يصوم لهذا الغرض تحديدا، بغية أن ينال رضا وفخر والديه، وأن تمتد له في آخر النهار تلك اليد الحانية لتربت على كتفه مشجعة مباركة. وهي نفس اليد التي تضيع عليه فرصة نمو وتركيز سليمين، مقابل إحساس وهمي بالفخر. نمو الطفل وصحته مسؤولية جسيمة لا يجب الاستهانة بها ولا مقايضتها بلحظة فخر وهمية، وبناء جسمه وعقله بشكل طبيعي وسليم أولى من سعي الآباء لإشباع رغبة أنانية داخلهم مفادها أنهم نجحوا في تربية الطفل على القيم والمبادئ الإسلامية وتعليمه الصبر والجلد والصلابة. المرات القليلة التي صمت فيها في صغري، كانت من أجل اللعب والزهو والضحك. كانت أمي تقول إن الذي لا يصوم في رمضان سيأكل الثريد من فم الكلب في يوم العيد، وكثيرا ما تخيلتني أفتح فمي وأتلقى الثريد ممزوجا بلعاب كلبنا الصغير، وأنا أتجاذب معه اللقمة، أو أنني أتسابق معه باتجاهها. كانت هذه أجمل ذكرياتي عن الصوم، دون إطراء، دون مغالاة، ودون ضرر. كاتبة تونسية مقيمة في هولندالمياء المقدم

مشاركة :