ظواهر رمضانية اختفت وأخرى ظهرت في شكل مفاجئ وغير متوقع. هكذا يبدو شهر رمضان هذا العام في العراق الذي خرجت بعض مناطقه من سطوة «داعش» بعد أكثر من عامين من سيطرة التنظيم المتشدد عليها. في بغداد، انتشر «الدوش» المكشوف في معظم الأسواق والمناطق الشعبية ليساعد الصائمين على الاغتسال السريع في الشارع العام تخلّصاً من الحر الشديد، لا سيما أن درجات الحرارة تتجاوز 44 درجة مئوية في بعض الأيام. وغالباً ما يقوم المارة، ومعظمهم من الرجال، بغسل وجوههم ورش رؤوسهم بالماء أثناء مرورهم بجوار تلك المناطق. أما النساء من ربات البيوت فيبدَون أكثر حظاً إذ ينمن معظم ساعات الصباح ولا يستيقظن إلا قبل موعد الإفطار بساعات قليلة لإعداد الوجبات. وقدّمت موظفات إجازاتهن السنوية تزامناً مع حلول الشهر الفضيل وأجوائه. وقلّصت الدوائر الرسمية دوام العمل ساعة أو ساعتين يومياً إتاحة لموظفيها الصائمين بنيل قسط من الراحة. اجتماع الأسرة الذي كان أهم ما يميز رمضان والوجبات الشعبية والدسمة التي كانت تزيّن مائدة العائلة العراقية تقاليد لا تزال سارية في جنوب العراق وشماله الكردي في إقليم كردستان. أما في بغداد، فالعائلات تميل إلى الإفطار خارج المنازل وأصبح من الصعب أن ترتاد أية عائلة مطعماً من دون حجز مسبق. وأدرجت تلك المطاعم طقوساً خاصة بالإفطار شبيهة إلى حد كبير بطريقة الإفطار في المنازل، إذ تبدأ بتوزيع التمر واللبن والحساء على الموائد قبل موعد الإفطار بـ15 دقيقة، وتفتح قاعة خاصة للصائمين ليؤدّوا الصلاة بعد وجبتهم الخفيفة، ويستمتعوا لاحقاً بإفطار دسم. وبدّل «المسحراتية» في بغداد نمط موسيقاهم، وباتوا يعزفون نغمات راقصة تشبه إلى حد كبير إيقاعات حفلات الزفاف. وبدلاً من أن ينفرد طبال بالموضوع، تزور المناطق فرق موسيقية مؤلّفة من ثلاثة أو أربعة أشخاص، يعزف كل منهم على آلته مقدمين إيقاعاً غريباً عن رمضان وأجوائه بعض الشيء. أما في مناطق الجنوب، لا يزال الصائمون يعتمدون على الهاتف الخليوي لإيقاظهم على السحور، ولا علاقة لهم بالطبل والمسحراتي. والإفطار العلني ليس جرماً هذا العام في العراق، فرجال الشرطة المكلفون بمتابعة الصائمين أنفسهم مفطرون ويتناولون وجباتهم اليومية في المطاعم التي حصلت على موافقات لفتح أبوابها. أما التساهل الأكبر في قضية الإفطار العلني فظهر في مدينة الموصل التي تحررت معظم مناطقها حديثاً من سيطرة «داعش». فيشاهد المفطرون يجهرون بتناول الطعام في المناطق العامة. التمرّد على التشدد الديني الذي ظهر خلال مرحلة «داعش» كان دافعاً لعائلات موصلية كثيرة لتمتنع عن الصيام هذا العام، فضلاً عن النحول الكبير الذي أصاب أجساد الأهالي أثناء المعارك بسبب تناولهم وجبة واحدة في اليوم في تلك المرحلة القاسية. لذا، لا يملك كثر منهم لا سيما من اعتادوا الصيام القدرة على أدائه هذا العام. والإفطار العلني كان واضحاً أيضاً عند تلامذة المدارس وطلاب الجامعات الذين تزامنت امتحاناتهم مع الشهر الكريم، إذ لم تسمح الأسر لأولادها بالصيام في الأسبوع الأول من رمضان ليتمكنوا من مراجعة المواد الدراسية. وعاد من انتهى من امتحاناته ليشارك أهله صيامهم.
مشاركة :