شيخ الأزهر يكتب: الدين فطرة الله التي فطر الناس عليها

  • 6/15/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

للدين أهمية قصوى في حياة الناس، وتصحيح مسيرتهم، وإنقاذهم من غواية الشيطان، وفلسفات الالتصاق بالأرض وظلمتها، وطغيان المادة وثوران الأنانية، وأن الدين ليس كما يقال شأنًا من الشؤون تخطاه الناس وخلّفته الحضارة العلمية، والحداثة اللادينية وراء ظهرها، وأنه أصبح في ذمة التاريخ ومتاحف الآثار، كما بشّرنا بذلك طائفة من الفلاسفة المعاصرين .. بل الدين فطرة فطر الله الناس عليها، وليس ظاهرة مرتبطة بأسباب طبيعية أو نفسية أو اجتماعية، أو غير ذلك من النظريات التي قيلت في تحليل الدين ونشأته، واستبعدتْ أن يكون الله هو مصدرَهُ الذي لا مصدر له سواه. لقد درست عندما كنت طالبًا بقسم الفلسفة الإسلامية بجامعة الأزهر في ستينات القرن الماضي، نظرية الأدوار الثلاثة المعروفة في فلسفة العالم الاجتماعي الكبير “أوجيست كومت” في القرن التاسع عشر الذي يؤكد فيها هذا الفيلسوف على أن الحياة العقلية الإنسانية مرت بأدوار ثلاثة: دور الفلسفة الدينية، ثم دور الفلسفة التجريبية، ثم دور الفلسفة الواقعية، وهو الدور الأخير الذي اكتمل به رشد العقل الإنساني، فخلع ثوب اللاهوت والميتافيزيقا ولبس حلته الجديدة والأخيرة من العلوم الوضعية والمنهج الحسي التجيربي. وقد درسنا في نقد هذه النظرية أنها تحريف لواقعِ والتاريخ، لأننا ما زلنا نرى المؤمنين بالدين في القرن العشرين، وفي قلب الحضارة الأوروبية، وبين علماء الطبيعة والطب وكبار الفلاسفة والأدباء .. واليوم يزدادَ الناس يقينًا بأن التدينَ نزعةٌ خالدة متأصلة في طبيعية الإنسان، وشعور متجذر في أعماق النفس البشرية، وأن هذه النزعة لن تزول عن الأرض قبل أن يزول الإنسان”([1]) وللدين علاقة قوية بالعلم ، وما أظن أن الإنسانية كانت بأحوج إلى الدين وتعاليمه وأخلاقه من حاجتها إليه اليوم، في ظل حضارةٍ سخًّرت كل إمكاناتها الذهنية ونشاطاتها العقلية من أجل الخبز وحده، ونحن المؤمنين بالله الخالق وبحكمته وبرحمته التي وسعت كل شيء، متيقنون من أن الأديان ما نزلت إلا لتهدي الإنسان إلى الخير، وتعرِّفَه به وتحثَّه على فعله، وتعرِّفَه بالشر وقواه الظاهرة والخفية، وتحُّذِّرَه من عواقبه. كما نتيقن بأن هناك خطابًا إلهيًا للإنسان حافلًا بنداءات السلام والأخوة والتعاون على الخير لعمارةِ هذا الكون واكتشاف أسرارِهِ وتبادل منافعه بين الناس، وأن هذا الخطاب حمله الرسل والأنبياء وبلغوه للناس بدءًا بآدم ومرورًا بنوحٍ وإبراهيم وموسى وعيسى بن مريم وانتهاءً بخاتَمِهم محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كلهم غرَّدوا في سربٍ واحد وصدَّق اللاحق منهم السابق، وبني على دعوته وتعاليمه، وهذا ما يفسر لنا أوجه الشبه القوية التي تبلغ درجة التطابق في كثيرٍ من تعاليمها ولا غرابة في ذلك، فما دام المصدر الذي نبعت منه هذه الأديان واحدًا، فمن المحتم أن تتحد هذه الرسالات في الغاية والمقصد والتوجه . ([1]) دراز، محمد عبد الله: الدين، ص 131 (بتصرف) دار العلم 2010 م

مشاركة :