رئيسة الوزراء البريطانية تواجه أزمة أخرى بعد فشلها الانتخابي الأخير، بعد الأسئلة التي طرحت بشأن سياسات المحافظين في ميدان العقارات على الرغم من إصدارها لأوامر بفتح تحقيق سيكشف مدى الالتزام بمعايير السلامة في المبنى.العرب [نُشر في 2017/06/16، العدد: 10665، ص(5)]أطلال البرج لندن - يصعّد الحريق الذي أتى على برج غرينفل السكني في لندن من الضغوط التي تتعرض لها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في الآونة الأخيرة. وطرحت وسائل إعلام أسئلة حول سياسات المحافظين في مجال العقارات في السنوات الأخيرة، ويأتي هذا الجدل في وقت تواجه فيه برامج الحزب انتقادات واسعة أدت إلى نتائج كارثية في الانتخابات المبكرة. وكتبت صحيفة الغارديان إن الحريق هو بمثابة كارثة “ما كان لها أن تحدث”. وتابعت الصحيفة في عدد الخميس “تراكمت الاتهامات بشأن تجاهل التحذيرات وبشأن التقصير في تطبيق التوصيات الأمنية في أحد أغنى أحياء إحدى أغنى مدن العالم”. كما رأت الصحيفة أن هناك تزايدا في الدلائل على أن الحكومة تعتمد على قطاع إعمار جشع و تحرم البلديات من الأموال اللازمة وذلك من خلال انتهاجها سياسة تقشف “وهذا تصوير واضح للهوة بين الفقراء والأغنياء الذين لا تفصلهم عن بعضهم سوى بضعة شوارع”. ورأت الصحيفة أن برج غرينفل يمكن أن يمثل لحظة يرفع فيها شعار “لن يتكرر ذلك أبدا” وأن يكون بمثابة محرك لإجراءات حقيقية ضد أزمة العقارات “ولكن العواقب بعيدة المدى لهذه الكارثة لن تكون ذات أهمية بالنسبة للضحايا الذين يحتاجون مساعدة فورية ويحتاجون إجابات مثلهم مثل جميع الآخرين الذين يعيشون أيضا في مثل هذه التكتلات للأبراج السكنية”. وحاولت ماي تخفيف الانتقادات الموجهة من خلال الدعوة إلى فتح تحقيق شامل وعلني في الحريق. وتم تأكيد وفاة 17 شخصا وهو عدد يتوقع أن يرتفع حيث قالت مفوضة الإطفاء داني كوتون إن “عددا غير معروف” من الأشخاص لا يزالون عالقين داخل المبنى وأن العثور على أحياء سيكون بمثابة “معجزة”. وكان نحو 600 شخص يقطنون برج “غرينفل تاور”، المؤلف من 24 طابقا عندما اندلع الحريق في المبنى قبيل فجر الأربعاء. ولا تزال عائلات بأكملها بين المفقودين بعد الحريق الذي اجتاح المبنى وأرغم سكانه على مغادرته وسط دخان كثيف على الدرج الوحيد المتوفر أو القفز من النوافذ أو حتى القاء أولادهم في الشارع. وتتنامى الأسئلة بشأن الكيفية التي انتشرت فيها ألسنة اللهب بهذه السرعة، حيث أحاطت النيران بالشقق الـ120 التي يتكون منها المبنى في ما وصفه قادة الإطفاء بالحريق غير المسبوق. وفي هذا السياق، قال زعيم المعارضة جيريمي كوربن الذي زار البرج إن “هناك أسئلة صعبة للغاية يجب الإجابة عنها” بشأن سبب وكيفية انتشار الحريق. وقال للمتطوعين في إحدى الكنائس المحلية “علينا التوصل إلى سبب ذلك. يجب أن تظهر الحقيقة وسوف تظهر”. ويجري التركيز على الكسوة التي غلفت بها الجدران الخارجية للمبنى الإسمنتي العائد إلى سبعينات القرن الماضي كجزء من عملية تجديد انتهت قبل سنة وكلفت 8.7 ملايين جنيه إسترليني (11 مليون دولار، 9.9 ملايين يورو). وذكرت هيئة “بي بي سي” أن الكسوة كانت من البلاستيك وأنها تشبه تلك المستخدمة في المباني العالية في فرنسا والإمارات العربية المتحدة وأستراليا التي شهدت حرائق سريعة الانتشار. لكن شركة “رايدون” التي أشرفت على عملية الترميم أكدت أن المشروع “مطابق لكل الأنظمة ذات الشأن”. وأفادت شركة “هارلي فاسايدس” التي قامت بتركيب الألواح الخارجية لهيئة “بي بي سي” أنه “لسنا في الوقت الحالي على علم بأي صلة بين الحريق والكسوة الخارجية للبرج”. ويشكل “غرينفل تاور” جزءا من مبان سكنية تابعة للبلدية في شمال كنسينغتون، ليس بعيدا عن حي نوتنغ هيل الذي يقطنه أثرياء. ويعيش في المنطقة سكان من أصول مهاجرة ولكن العديد من العائلات تعيش فيها منذ سنوات وتنقل منازلها ذات الإيجار المتدني إلى أولادها. وروى سكان يعيشون في المنطقة كيف أشعل سكان مصابيح هواتفهم المحمولة للفت الانتباه إليهم قبل أن يختفوا داخل شققهم. وقفز بعض من فقدوا الأمل في النجاة من النوافذ. وقالت سميرة العمراني إنها رأت امرأة تلقي طفلاً من الطابق التاسع أو العاشر لرجل التقطه في الأسفل. وجمعت 480 ألف جنيه استرليني على الإنترنت من أجل مساعدة الضحايا حتى صباح الخميس، في حين تتسلم المراكز المحلية تبرعات من الملابس والطعام. وظهرت تقارير تقول إن الكسوة الخارجية للمبنى ساعدت على انتشار الحريق. وكان قد اُضيف إلى عدد من مباني لندن كسوات خارجية خلال السنوات الماضية بهدف عزلها وتحسين واجهاتها. ولكن كوستاس تسافداريدس، الأستاذ المشارك في الهندسة الإنشائية في جامعة ليدز حذر من أن “البعض من المواد المستخدمة في الواجهات تزيد مخاطر الحرائق”. وقال إنه “على الرغم من أنها مقاومة للحريق نظرياً، فإن هذه المواد مقاومة للحرارة في معظم الأحيان وليس للحريق. ولكن حتى وإن كانت مقاومة للحريق فإن الدخان واللهب ينتشران عبر الوصلات”. وطرحت العديد من الأسئلة بشأن أسباب عدم تركيب أنظمة رش الماء في البرج والتي كان يمكن أن توقف انتشار اللهب أو نظام مركزي للتنبيه من الدخان كان يمكن أن يوقظ السكان النائمين. ووجهت انتقادات كذلك إلى عناصر خدمة الإطفاء الرسمية الذين نصحوا السكان بالبقاء في الشقق واستخدام منشفة لمنع دخول الدخان وانتظار النجدة. ولم يتمكن رجال الإطفاء من الوصول إلى أعلى من الطابق الثاني عشر من البرج أثناء الحريق. وذكر ديفيد كولنز الرئيس السابق لجمعية سكان “غرينفل تاور” إن إدارة المبنى لم تصغ إلى مطالب السكان بتحسين إجراءات الحماية من الحرائق رغم أن “90 بالمئة منهم وقعوا عريضة بنهاية 2015 يشتكون فيها من سوء إدارة الشركة التي تتولى صيانة المبنى”. وأضاف “لو أن سكان حي يقطنه الأثرياء مثل كنسينغتون أو تشيلسي عبروا عن المخاوف نفسها لكانت لقيت الاهتمام وحلت. ولكنها لم تحل هنا”.
مشاركة :