أخـــلاقـــنـــــــا الإسلامــيــــــــةالأخلاق الحسنة - وهي التي تكون في ذاتها طاعة، أو تؤدي إلى طا

  • 6/17/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الأخلاق الحسنة - وهي التي تكون في ذاتها طاعة، أو تؤدي إلى طاعة - من الدين، بل هي الدين، وقد أثنى الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأنه على خلق عظيم، وفسر ابن عباس الخلق هنا بالإسلام. قال تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم)، قال ابن عباس رضي الله عنهما: أي: «إنك على دين عظيم، وهو الإسلام». رواه الطبري في «تفسيره» (12/‏ 179). فالصحيح أنه لا انفكاك للخلق عن الدين، قال الفيروزآبادي في كتابه «بصائر ذوي التمييز» (2/‏ 568): واعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين. انتهى. ومما لا شك فيه أن للعقيدة ارتباطًا وثيقًا بالسلوك والأخلاق، سلبًا وإيجابًا، ويتبين ذلك من خلال أمور، منها:1. أن المسلم الذي يعتقد أن الله تعالى يسمعه ويبصره ويطلع على سريرته، ويقوى هذا الجانب فيه لا يصدر منه من الأخلاق والأفعال ما يفعله من ضعف اعتقاده في هذه الأمور. ومما يدل على ذلك: أ. قوله تعالى: (وإن تحسنوا وتتقوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا) النساء:128. ب. وقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيًا أو فقيرًا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرًا) النساء:135. ج. وقوله تعالى: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعًا بصيرًا) النساء:58. 2. ومنها: أن المسلم الذي يؤمن بوعد الله تعالى ووعيده يدفعه اعتقاده ذاك للقيام بما هو محبوب لله تعالى، والابتعاد عن كل ما هو مبغوض له عز وجل. قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: ومن المعلوم أن أحب خلقه إليه المؤمنون، فإذا كان أكملهم إيمانا أحسنهم خلقًا: كان أعظمهم محبة له أحسنهم خلقًا، والخلق الدين كما قال الله تعالى: (وإنك لعلىٰ خلق عظيم)، قال ابن عباس: على دين عظيم، وبذلك فسره سفيان بن عيينة، وأحمد بن حنبل، وغيرهما، كما قد بيناه في غير هذا الموضع. «الاستقامة» (ص 442). وقال المباركفوري - رحمه الله -: قوله: (أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا) بضم اللام ويسكن، لأن كمال الإيمان يوجب حسن الخلق والإحسان إلى كافة الإنسان). تحفة الأحوذي (4/‏ 273). 3. ومنها: أن قوة الإيمان تدفع للقيام بالأعمال الصالحة، وتمنع من التدنس برجس المعاصي والآثام. ومما يدل على ذلك: أ. عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن). رواه البخاري (2334) ومسلم (57). ب. عن أبي شريح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، قيل: ومن يا رسول الله؟ قال: الذي لا يأمن جاره بوايقه). رواه البخاري (5670). ج. عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعه فإن الحياء من الإيمان). رواه البخاري (24) ومسلم (36). قال مالك بن دينار رحمه الله: الإيمان يبدو في القلب ضعيفًا ضئيلاً كالبقلة، فإن صاحبه تعاهده فسقاه بالعلوم النافعة والأعمال الصالحة وأماط عنه الدغل وما يضعفه ويوهنه، أوشك أن ينمو أو يزداد ويصير له أصل وفروع وثمرة وظل إلى ما لا يتناهى، حتى يصير أمثال الجبال. وإن صاحبه أهمله ولم يتعاهده جاءه عنز فنتفتها، أو صبي فذهب بها، وأكثر عليها الدغل فأضعفها، أو أهلكها أو أيبسها، كذلك الإيمان!! 4. ومنها: أن الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره يمنع من أخلاق سيئة كثيرة، ومعاصي توعد الشرع عليها أشد الوعيد، كالتسخط، وشق الثياب، وتمزيق الشعر، والنياحة، كما أن هذا الإيمان يدعو صاحبه للتحلى بفضائل الأخلاق ومعاليها، كالصبر، والرضا، والاحتساب. فعن صهيب الرومي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له). رواه مسلم (2999). 5. ومنها: أن الشرع حث على كثير من الطاعات، مؤكدًا عليها بارتباطها بالإيمان بالله واليوم الآخر، وحرم معاصي وموبقات مذكرًا بالإيمان بالله واليوم الآخر. ومما يدل على ذلك:أ. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت). رواه البخاري (5672) ومسلم (47). ب. عن عبدالله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة ثلاث ليالٍ إلا ومعها ذو محرم). رواه البخاري (1036) ومسلم (1338) - واللفظ له . ج. عن أم حبيبة قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا). رواه البخاري (1221) ومسلم (1486). 6. ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم بين في سنته أن فساد الاعتقاد - كالنفاق - يؤدي إلى فساد الأخلاق والأعمال. فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان). رواه البخاري (33) ومسلم (59). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (المخالفون لأهل الحديث هم مظنة فساد الأعمال، إما عن سوء عقيدة ونفاق، وإما عن مرض في القلب وضعف إيمان، ففيهم من ترك الواجبات واعتداء الحدود والاستخفاف بالحقوق وقسوة القلب ما هو ظاهر لكل أحد، وعامة شيوخهم يرمون بالعظائم، وإن كان فيهم من هو معروف بزهد وعبادة، ففي زهد بعض العامة من أهل السنة وعبادته ما هو أرجح مما هو فيه!! ومن المعلوم أن العلم أصل العمل، وصحة الأصول توجب صحة الفروع، والرجل لا يصدر عنه فساد العمل إلا لشيئين: إما الحاجة وإما الجهل، فأما العالم بقبح الشيء الغني عنه فلا يفعله، اللهم إلا من غلب هواه عقله، واستولت عليه المعاصي، فذاك لون آخر وضرب ثانٍ!!) مجموع الفتاوى (4/‏ 53).

مشاركة :