مفلين غودمان في مناسبات عدة جداً من تاريخ الولايات المتحدة، كان استخدام القوة يبرر إما بمعلومات استخباراتية محورة، وإما بمحض أكاذيب. وهذا ما حدث في الحرب الأمريكية - المكسيكية (1846 - 1848)، وحرب فيتنام، وحرب العراق في 2003. والضوابط والموازين اللازمة لمنع تحريف وإساءة استخدام المعلومات الاستخباراتية لم تكن تطبق. وكثيرون من رؤساء الولايات المتحدة عبر تاريخها خدعوا الشعب الأمريكي، والكونغرس، والصحافة. وفي عام 1967، كذب مسؤولون «إسرائيليون» على أعلى المستويات على البيت الأبيض بشأن من بدأ حرب الأيام الستة. بحكم كوني محللاً لدى ال«سي آي إيه» آنذاك، ساهمت في صياغة تقرير وصف هجوم «إسرائيل» على مصر صبيحة يوم 5 يونيو/حزيران 1967. وقد رصدت ال«سي آي إيه» اتصالات حساسة وثقت استعدادات «إسرائيل» لشن هجوم، في حين لم تكن هناك أي أدلة على خطة عمل عسكري مصرية. وقد أثار «الإسرائيليون» ضجيجاً بشأن «دلائل» على استعدادات مصرية ل«غزو «إسرائيل»»، ولكن لم تكن لدينا أي مؤشرات على أن مصر وضعت قواتها الجوية والمدرعة في حالة تأهب. واستنتجنا من ذلك أن «الإسرائيليين» كانوا يقومون بحملة تضليل من أجل كسب دعم الولايات المتحدة.وفي ذلك الوقت، كان رأيي الشخصي هو أن من المستبعد أن تبدأ مصر حرباً مع «إسرائيل»، في وقت كان نصف جيشها منشغلاً في حرب اليمن. والمستعربون في ال«سي آي إيه» كانوا يعتقدون أن الرئيس المصري جمال عبد الناصر لم يكن ينوي شن حرب، وقد استشهدوا على ذلك بالنوعية الرديئة للأعتدة العسكرية المصرية آنذاك. ولهذا صدمنا عندما رفض والت روستو، مستشار الرئيس ليندون جونسون للأمن القومي، تقييمنا الاستخباراتي بشأن استعداد «إسرائيل» لشن هجوم. واستشهد روستو ب«تطمينات»، و«تأكيدات» قدمها السفير «الإسرائيلي» في واشنطن بأن «إسرائيل» لن تكون البادئة بهجوم تحت أي ظرف. وعندما اندلعت الحرب، كذبت الحكومة «الإسرائيلية» على البيت الأبيض بشأن كيف بدأت الحرب، حيث قالت للرئيس جونسون إن المصريين بدؤوا إطلاق النار على مستوطنات «إسرائيلية»، وإن «إسرائيل» رصدت سرب مقاتلات مصرية متوجهاً نحو «إسرائيل». وكل ذلك لم يكن صحيحاً.وقد صدمنا عندما تلقينا من مجلس الأمن القومي (في البيت الأبيض) رداً عدائياً على تقريرنا الذي وصف هجمات «إسرائيلية» مباغتة على قواعد جوية مصرية وأردنية وسورية. وإضافة إلى الكذب على البيت الأبيض بشأن من بدأ الحرب، كذب قادة الجيش «الإسرائيلي» على السفير الأمريكي في «إسرائيل» والوورث بربور بشأن تحركات عسكرية مصرية لم تحدث في الواقع، بالرغم من أن الصور التي التقطتها أقمار صناعية أمريكية أظهرت أن الطائرات الحربية المصرية كانت رابضة جنباً إلى جنب في قواعدها الجوية، ما كان يدل على انه لم تكن هناك أي خطة مصرية لشن هجوم. وإضافة إلى كذبهم بشأن بدء الحرب، لجأ «الإسرائيليون» إلى الخداع بعد ذلك بثلاثة أيام، عندما برروا هجومهم الغادر على السفينة الأمريكية لجمع المعلومات الاستخباراتية «ليبرتي» بأنه كان «خطأ عرضياً». ولكن في هذه الحالة، كان «الخطأ العرضي» حسن التخطيط. فالسفينة الأمريكية كانت تتحرك ببطء، كما كانت ترفع في عز النهار علماً أمريكياً طوله 8 أقدام (2،43 متر) وعرضه 5 أقدام ( 1،52 متر). ومع ذلك، ادعى «الإسرائيليون» انهم اعتقدوا أن السفينة كانت سفينة حربية مصرية. لقد بدأ الهجوم «الإسرائيلي» على السفينة «ليبرتي» بعد ست ساعات من عملية استطلاع مكثفة قامت بها طائرات «إسرائيلية» حلقت على علو منخفض. وبدأت الهجوم طائرات «ميراج» استخدمت مدافع رشاشة وقذائف، بينما أخذت زوارق حربية «إسرائيلية» تطلق نيران مدافعها الرشاشة من مسافات قريبة على أولئك الذين كانوا يساعدون الجرحى. ثم أطلقت هذه الزوارق النار على قوارب نجاة كانت تقل ناجين. ونتائج تحقيق وكالة الأمن القومي الأمريكية في كارثة السفينة «ليبرتي» لا تزال سرية حتى يومنا هذا.* كاتب أمريكي. عمل محللاً لدى وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، ويعمل حالياً بروفيسور الحوكمةفي جامعة جونز هوبكنز. موقع «كاونتر بانش»
مشاركة :