الانتظار في محطة القطار

  • 6/11/2014
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - سعودي من أهم المطالبات التي نادى بها الإعلاميون، وصدح بها المغردون للرئيس مرسي غداة اعتلائه سدة الرئاسة المصرية بانتصار ساحق العمل على إعادة تأهيل «ميترو القاهرة وشبكة سكة الحديد»، وإصلاح ما تعرض له أجزاء منها من تخريب متعمد أثناء «خريف مصر» الكالح. هذه الدعوات جاءت استشعاراً لما تمثله من أهمية حيوية قصوى لشعب قوامه 86 مليون وفق آخر إحصاء يعاني من أزمة خانقة في طرق السير والمواصلات، فهي الحل الأمثل وعصب المواصلات الحي لأي دولة متحضرة، فهي ليست ترفاً يُتباهى بها بقدر ما هي ضرورة ملحة. أما في الرياض مدينة الحلم والمستقبل فقد أُعلن العام الماضي عن «ميتروها» العظيم، بكلفة تبلغ 22.5 بليون دولار، ومدة تنفيذية تصل إلى 48 شهراً (أي أربعة أعوام من بدء التنفيذ). المهم أن المشروع سيسلم مكتملاً في عام 2018. يبدو أن اللغة البلاغية التفضيلية التي لا تزال تُستخدم بيننا قد تسللت أخيراً في ذهنية الرئيس التنفيذي لشركة الستوم الفرنسية للنقل هنري لافارج، وكأنه بذلك يداعب عقلية السعودي التقليدية العاشقة لصيغ المبالغات عندما قال في تصريح له: «إن مترو الرياض يعتبر ثاني أكبر مشروع تأسيسي للمترو في العالم، وينطلق عام 2018، وسيحظى بمقطورات من دون قائد، ستكون هي الأسرع على مستوى العالم. وأن تصميم العربات سيكون مناسباً للمناخ الحار في المملكة، وستبنى العربات بمواصفات خاصة لتتحمَّل درجات حرارة تتفاوت بين 5 درجات تحت الصفر و50 درجة مئوية، مع الحماية من الرمال وبسرعة قصوى تصل إلى 80 كلم بالساعة». لم يعد الأمر سوى تصاريح طيارية في الهواء الطلق، ومع هذا لم نسأل باستنكار أو تعجب لهذه التصريحات البلاغية، فما دمنا لم نستنكر رقم المشروع الضخم الذي يكفي لبناء مدينة برمتها ويغطِّي افتقار أكثر من 70 في المئة من ذوي الدخل المحدود العاجزين عن تملك سكن لهم ولأسرهم، «يمكن» وهذا من باب التماس الأعذار أن يكون ثمن السكوت يتمثل في أن هذا المشروع سيحل من أزمة أكثر من 50 ألف شاب عاطل عن العمل في الفترتين التنفيذية والتشغيلية، نحن أيضاً بصفتنا مواطنين صالحين نفتخر بكل إنجازات وطننا. كنا على موعد مع انطلاقة ورشة العمل الضخمة التي يُفترض أن تدشن أعمالها في كل أنحاء الرياض في الربع الأول من 2014، لذلك لا يزال التوجس والترقب يسكننا ويستفز أعصابنا كل صباح نفيق فيه لتوصيل أبنائنا إلى مدارسهم، ثم نذهب إلى أعمالنا في رحلة شاقة، من أننا سنفاجَأ بالرياض وقد تغيرت معالمها هدماً وحفراً، وقد وضعت حواجز التحويلات الأسمنتية، حتماً سنلتمس لهم العذر؛ لأن ما يقومون به سيغير من معالم مدينتنا، وسيريح أكثر من 3 ملايين مواطن ومقيم من عناء ازدحام طرقات الرياض، لكن السؤال المقلق هو: هل ما تبقى من الأعوام الأربعة المقررة كاف لإنجاز هذا الحلم؟ لأننا في الواقع لا نرى أي شيء يحدث، فما تبقى من الفترة المحددة يعد وقتاً قصيراً على هذا المشروع الأضخم والأكبر والأغلى في العالم، وليس سراً إذا قلت ما هو معلوم للجميع أن مشروع توسعة مكتبة الملك فهد الوطنية -مثلاً- الذي أشرفت عليه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض ونفذته أكبر مجموعة مقاولات هي مجموعة بن لادن قد تأخر عن موعد تسليمه قرابة العامين، فهل نتوقع لمشروع يعد الأضخم في حجمه من بين كل مشاريع الوطن أن يتم إنجازه في أربعة أعوام؟ سنترك هذا للزمن ونردد المثل القائل: «الميّة تكذب الغطاس». أقول ربما لأنني أقطن حياً يقع في طرف من أطراف مدينة الرياض البعيدة عن وسط المدينة المنذورة لتبعات هذا المشروع الأضخم، فقد غاب عني ما يجري هناك. فيا ترى هل هي تحت طائلة حفر الأنفاق الأرضية وهي النسبة المقدر بـ41,7 في المئة من إجمالي أطوال المسارات، التي قالت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض إنها ستتركز وسط المدينة، والمناطق ذات الكثافة الأكثر في المباني والحركة المرورية. أتصور عمق مأساة قاطني هذه المناطق ذات الأحياء الصغيرة والدروب الضيقة التي يكفيها حفر حفرة صغيرة لتغلق كل الطرقات المحيطة بها. وكما يقال: «أهل مكة أدرى بشعابها»، وكذلك أهل الرياض الذين رأوها رأْي العين تصطحبهم الذاكرة أينما يمموا وجوههم شطر أجزائها يعرفون كيف نمت وتوسعت؟ كيف عانوا من حفريات مد خطوط الصرف الصحي وشبكات المياه والكهرباء والاتصالات التي تقتص لها من باطن الطرقات حيزاً خاصاً بها، ولا يجمعها أو يوحد بينها خطوط واسعة رئيسة، وهذه وحدها ستشكل حجر عثرة كبيرة للشركات العشرين المنفذة، إذ ستواجه عشوائية التمديدات الأرضية المفتقرة إلى شبكة خدمات عامة،. نحن نتذكر جيداً مشروع أنفاق طريق الملك فهد وكيف كاد يتعثر بسبب المياه الجوفية والتمديدات الأرضية، ولاحقا مشروع طريق الملك عبدالله الذي عانى أيضاً من مشكلات من هذا القبيل، ومشاريع أخرى كثيرة لا تزال متعثرة اليوم كلفت الدولة نحو 100 بليون ريال، منها ما قد سُحب من الشركات المنفذة وعُمدت شركات أخرى به، ومنها ما يزال قيد التعثر، بما تسبب بهدر مالي لا مبرر له، كان المواطن المسكين هو الأولى بها. ومع هذا فالمواطن الطيب الصالح عليه أن يقف إلى جانب الوطن وكل ما يخدمه فهو أمام كل العالم المتخيل الذي رآه من خلال التصميمات الهندسية والخدمات الراقية التي سيوفرها «مترو الرياض» سيتمسك بحلمه، لن يترك لشبح المشاريع المتعثرة والخسائر الفادحة من ورائها أن تتسلل إلى ضميره الحي، وسيقتلع كل التصريحات المحبطة من ذهنه تلك التي تشكك في استكمال مشروع الأنفاق في وقته، بمثل ما صرح به سابقاً وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية الدكتور حبيب زين العابدين الذي شكك في وقت سابق باكتمال مشروع مترو الرياض في موعده المقرر، ليظل المواطن السعودي كعادته حالماً في أن يصله ذات يوم قطار الحظ بلا تبعات مؤذية.     * كاتب وروائي سعودي. almoziani@

مشاركة :