يبدو أن وضع العملات العربية ليس أحسن حالا من ذي قبل في الوقت الراهن، ولا سيما تلك الدول التي تشهد صراعات ونزاعات داخلية ألقت بظلالها على الوضع الاقتصادي فيها، وأعادته عقودا إلى الوراء. وفقا لمصرفيين، فإن تحسن وضع العملات العربية التي تأثرت بأحداث ما يسمى بـ "الربيع العربي" قد تحتاج إلى عقد من الزمن لتتمكن من تجاوز ضعفها ووهنها الذي أصابها في مقتل. ويرى المصرفيون أنفسهم أن سنوات عجافا تنتظر اقتصاديات هذه الدول بسبب تراكم الديون الداخلية والخارجية، وزيادة تكلفة الاقتراض، إلى جانب انخفاض سعر عملاتها لمستويات متدنية. عدنان يوسف وأوضح لـ "الاقتصادية" عدنان أحمد يوسف رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا، أن انخفاض سعر العملات العربية خصوصا الدول التي شهدت حراكا سياسيا وعدم استقرار يعود إلى فقد هذه العملات لمصداقيتها، إلى جانب تأثر الاقتصاد بالمشكلات والحراك السياسي الذي يعد طاردا للاستثمارات الخارجية. وتوقع يوسف، الذي سبق أن تنبأ بالأزمة المالية العالمية أن تشهد هذه العملات انخفاضا أكبر خلال الفترة المقبلة، مبينا أن الجنيه المصري قد ينخفض بمعدل 10 في المائة بنهاية العام الجاري 2014، وبداية 2015. واستبعد الحديث عن "انهيار" في أسعار العملات لدول ما يسمى "الربيع العربي"، وإنما انخفاض ــ على حد قوله. وأضاف "الانخفاض في العملات العربية ــ لا يمكن الحديث عن انهيار ــ بالذات في الدول العربية التي شهدت حراكا سياسيا مثل العملة التونسية، المصرية، السورية، السودانية، هذه نزلت وحتى تركيا انخفضت عملتها نحو 20 في المائة". وعلل ذلك قائلا: "مع الأسف إن عملاتنا في الدول العربية لا يمكن أن تكون قوية أو تعود إلى ما كانت عليه قبل النزول، وهذا يعود لسببين: الأول فقد المصداقية، والثاني مشكلة الاقتصاد عندما يكون هناك حراك سياسي ومشكلات في الأمن، ما يؤثر في الثقة وفي حركة الاقتصاد والاستثمارات الخارجية، بدل أن تأتي فيحدث العكس وتغادر الاستثمارات الموجودة". ويرى رئيس اتحاد المصارف العربية سابقا، أن الجنيه المصري سينخفض أكثر ــ وإن كان هناك خريطة طريق حاليا ــ سيهبط في حدود 10 في المائة بحلول أواخر 2014 وبداية 2015. أما توقعاته بالنسبة للعملة التونسية، فأشار يوسف إلى أنها لن تنخفض، وبخصوص العملة السورية تحسنت قليلا عما كانت عليه في السابق لكنها لن تعود للأسعار لما قبل بداية الانتفاضة أو الحراك السياسي هناك. وعن مستقبل اقتصاد الدول العربية خلال الفترة المقبلة، يشير يوسف إلى أن دول الخليج لن تتعرض لأي مشكلات اقتصادية خلال السنوات الخمس المقبلة، وسيظل اقتصادها يتحسن في حدود 4 ــ 5 في المائة تقريبا. أما بقية الدول العربية خصوصا دول النزاعات ــ بحسب عدنان يوسف ــ سوف تشهد مشكلات اقتصادية بلا شك، وأضاف "الديون الداخلية والخارجية ارتفعت، تكلفة الاقتراض على هذه الدول، أعتقد أن هذه الدول ستحتاج إلى خطة طريق من سبع إلى ثماني سنوات وستكون سنوات عجافا وصعبة". ونبه المصرفي المعروف إلى أن "السياسيين مع الأسف لا يعرفون شيئين في الحياة، الوقت وقيمة المال"، وتابع: "هذا الأمر له تأثيرات سلبية في اقتصادات الدول". وبشأن وضع عملات دول ما يسمى بـ "الربيع العربي"، قال عدنان: "أعتقد أنه حتى في حال تحسنت الأوضاع سياسيا وعادت الاستثمارات الخارجية إذا لم تنخفض العملات أكثر ستظل على المستوى الذي وصلت إليه". من جانبه، قال عادل ملطاني شيخ الصيارفة في مكة المكرمة: إن عودة سعر صرف العملات العربية لسابق عهدها مرهون بتحسن الأوضاع السياسية والاقتصادية في تلك البلدان. متوقعا عودة تلك العملات لقيمتها الأساسية كما كانت قبل الأحداث. وأشار إلى أن سعر صرف عملات مثل الدينار التونسي، الدينار العراقي، الجنيه المصري، والدينار الليبي، من المرجح أن يبقى كما هو حتى نهاية العام الجاري في مستويات منخفضة. واستدرك: "إلا إذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية الداخلية في هذه الدول بشكل سريع خلال العام الجاري، لكن الارتفاع وإن حصل سيكون ضعيفا على المستوى القريب، ولن يتجاوز 10 في المائة إذ تعد العملات العربية هي الأقل طلبا على مستوى العالم". وأضاف: "الدينار العراقي كان يباع قبل أيام غزو الكويت بنحو خمسة ريالات سعودية للدينار الواحد، أما الآن فإن 100 دينار عراقي لا تساوي سوى ريال وبضع هللات، كما أن الجنيه المصري فقد 25 في المائة من قيمة صرفه في السعودية بالرغم من توافر تلك العملات خلال الفترة الماضية". إلى ذلك، يرى الدكتور وديع كابلي، أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز، أن أسباب انخفاض أسعار العملات العربية يعود إلى قلة الطلب عليها في المقام الأول، واعتبر أن التنبؤ بمعدلات زيادة الطلب عليها في الفترة المقبلة سابق لأوانه. وقال: "عدد من تلك الدول عانى لسنوات طويلة كسادا اقتصاديا بفعل الأحداث السياسية التي شهدتها المنطقة العربية أخيرا وأثر ذلك في اقتصادها بشكل عام". ولفت إلى أن ذلك يستلزم "الانتظار لسنوات أخرى مماثلة لفترة الكساد حتى يستعيد الاقتصاد عافيته، ولا سيما أن التغيرات الاقتصادية الإيجابية تحدث ببطء شديد على عكس الانهيارات الاقتصادية التي تحدث فجأة". واستبعد تحسن أسعار صرف العملات العربية مثل المصرية والسودانية والسورية في الوقت القريب، وعلل ذلك بقوله: "الثورات والمشكلات الاقتصادية التي مرت بها تلك الدول لم تؤثر في اقتصادها في اليوم الأول من اندلاع تلك النزاعات، إلا أنها ألقت بظلالها السلبية على حياة المواطن بشكل بطيء". وتابع: "الأمر نفسه سيحدث في حالة الإصلاح الاقتصادي، إذ إن أثر التحسن لن يظهر بسرعة وقد يتطلب ثلاث سنوات على حد أقصى فالعملية الاقتصادية تتحرك ببطء، حتى تتمكن الدولة من جذب الاستثمارات وتوفير الفرص الوظيفية للمواطنين والبدء في الاستيراد والتصدير وجذب السياح وتشغيل الفنادق والمنتجعات". وبحسب أستاذ الاقتصاد بجامعة الملك عبد العزيز، فإن العملة المصرية ــ على سبيل المثال ــ انخفض الطلب عليها في السنوات الثلاث الماضية بفعل أحداث الثورة والتوتر الأمني، وصاحب ذلك قلة الإنتاج والتصدير، في مقابل بقاء طلب المصريين على العملات الأجنبية كما هو مرتفعا. وأردف: "كان المصريون مستمرين في استيراد القمح وكافة السلع الغذائية الأساسية والكمالية، إلى جانب السفر لأداء الحج والعمرة، في مقابل قلة الطلب على العملة المصرية من قبل السياح وغيرهم، واستنزفت الحكومة المصرية كما كبيرا من احتياط الدولارات التي كانت بحوزتها لشراء هذه السلع".
مشاركة :