يخالجني شعور بأنه ضحك علي وأن هناك قواعد لعبة تكون مكشوفة ومعلنة وهناك متزامنة معها قواعد أخرى غير معلنة لم أبلغ عنها بل اكتشفها اكتشافًا. أو بمعنى آخر هناك أنظمة وقوانين من ناحية وتجاوزات واضحة وصريحة تحدث بكل هدوء لهذه الأنظمة من ناحية أخرى. انني إنسانة تقدر النظام لما يحمل معه من عدل يطبق على الجميع، فحتى إن لم يعجبني النظام مجرد معرفتي وتأكدي أنه مطبق على الجميع يطمئنني كثيرا. وإن لم ألتزم بالنظام (عندما أتجاوز السرعة مثلا) أتحمل تبعات تجاوزي بكل أريحية. فالشرطية التي أمسكت بي في ولاية نيويورك لا أعتقد أنها رأت أحدا يبتسم لها مثلي عندما كتبت المخالفة وإن كانت ابتسامتي تعبيرًا عن فرحتي لها بأنني أعطيتها سببا لتتباهى لدى زملائها في العمل كونها أمسكت سائقة سعودية. يا لحظها أن شهدت شيئا نادرا كهذا. تعلمت مبكرا معنى كلمة «لا» وأرى الآن أن معناها يتغير أحيانا ولا أحب هذا التغيير. فمتى ما تم رفض طلب أو كان الجواب لا، لا ينتهي الأمر عند هذا الحد. بل إن كلمة «لا» لها سحر تبدأ معها ماكينة من الاستراتيجيات والتحركات المناوئة من وساطة - أو إن أردنا تمليحها شفاعة وفزعة ونخوة - ولا يقتصر الأمر على وسيط واحد فقط بل يزيد عددهم حسب أهمية الشخص المتوسط له. بالتزامن يبدأ الزن والحن والتكرار بالسؤال والتوسل أحيانا. ازعاج مرهق يعرفه كل مسؤول. وإن كان الماء الذي يتساقط قطرة بعد قطرة ينحت الصخر فما بالنا بمسؤول يشتري راحته بالتلبية ويستفيد من هذه «الخدمة» أحيانا. ميزة النظام أنه ليس شخصيا ولا ينظر لاسم العائلة ولا الدخل والمكانة الاجتماعية. فالنظام يطبق حسب الشروط والمعايير الموضوعة. ولكن هل يتم ذلك فعلا أم أن بعض الأنظمة حبر على ورق ومساحة للتنظير؟ كلنا يعرف أشخاصًا وصلوا لما وصلوا إليه لأن فلانا أو علانا «ساعدهم» وإن نظرنا لهذا الجانب من الصورة فقط نراه على أنه مساعدة لإنسان ولكن الواقع المرير هو أن عن كل شخص استفاد بالواسطة هناك مستحق مظلوم. التزامه بالنظام وصمته أو عدم وصوله للمسؤول قد يبعده عن الصورة ولكنه موجود. تفشي الواسطة جعل منا شعبًا يهمه من يعرف وليس ما يعرف، فأفشل الفاشلين يصبحون أنجح الناجحين من خلال المعارف. وإن كان هذا مخجلًا ومحزنًا في نفس الوقت أجد أن الأَمَر من ذلك أن مستفيدي الواسطة في الغالب معروفون والكل يتكلم عنهم دون أن يتغير شيء. الحل الطبيعي لتفادي تفشي الواسطة هو زيادة الشفافية والتواصل المستمر في حال كان الأمر يتعلق باختيار أو نتائج فعندما تعلن على الملأ يسهل الاعتذار عن التوسط. كذلك تفويض صلاحيات الأشخاص للمجالس أمر مفيد لتفادي أي حرج. والحل الذي كنت أظنه الأسهل ولكنه ليس كذلك هو أن نقول لا. وبما أننا ما زلنا في العشر الأواخر نتضرع لله عبادة دعاء فإنني أطالب الأئمة بإضافة دعوة أسأل الله أن تجاب وهي «اللهم ثبت مطبقي النظام».
مشاركة :