عادل إمام يبيع الوهم للمفلسين رابعة الختام أن تحب فتاة رائعة الجمال وتهيم بها شوقا فهذا حقك وحقها، حاجة بشرية للآخر حتى تكتمل المعادلة الإنسانية في أسمى صورها، الحب غريزة إنسانية ومشاعر سامية تعلو بنا نحن بنو البشر وسلالة آدم عن باقي المخلوقات، ما أجمل أن تعشق بنت الجيران أو زميلة دراسة أو زميلة عمل أو صديقة أختك المقربة، تتبادلان الخطابات والنظرات في زيارة خاطفة. ولكن أن تعشق جنية “عفريتة” تأتي مصحوبة بهالة ضخمة من الدخان وترحل كزجاج تحطم للتو فهذا ما لا يصدقه عقل. كانت الجنية التي تخرج من بطن البحر لتلفظها مياهه على رمال جففت أشعة الشمس عرقها، في حواديت جدتي، براقة مشوقة وبها من الألق والأناقة ما يجعلها مستساغة لأطفال في براءة السنوات الأولى، ولكن حتى هذه الجنيات الأنيقة في حواديت جدتي وجدت العقل الذي يتمرد عليها حين تقدم العمر بطفولتنا نحو المراهقة، أما عفريتة عدلي علام، الجميلة سلا بملابسها الجريئة الكاشفة للجسد في القرن الواحد والعشرين من يستسيغ وجودها؟ من يتقبل وجود جنية من عالم الخيال تتعلق بإنسان في العصر الحديث، كاتب ومفكر ومترجم، قرأ أمهات الكتب، وترجم أعظمها إلى العربية، مثقف من العيار الثقيل تلعب بفؤاده جنية من لهب مشتعل في خيالات حمقاء! رجل في نهاية العمر يستقبل قلبه العجوز حبا في عالم الخيال من قلب غض! كيف لنا أن نصدق هذا الهراء حتى ولو كان بضمان شهرة ونجومية نجم كبير بحجم عادل إمام؟ هو رهان أصبح خاسرا قبل أن يبدأ، فاستغلال نجومية عادل إمام وحدها لم تعد تكفي لنجاح عمل يروج للخرافة ويدعو إلى التحليق في الخيال بعدا عن واقع مرير، رهان المؤلف يوسف معاطي في مسلسله الرمضاني الجديد “عفاريت عدلي علام”، والمخرج رامي إمام على نجومية عادل وحدها واسمه دون تقديم عمل جيد يحترم عقلية المشاهد لهو أمر في غاية الاستخفاف بعقلية المشاهد. واقع الشباب في عصرنا الحالي في ظل ظروف اقتصادية طاحنة، تفرم أحلامهم تحت عجلات قطار الزمن، وكون حلم الحب والزواج ضربا من الخيال، يساعدهم على تصديق الوهم الذي يبيعه الفنان الكبير، فيشترون “العتبة الخضراء، والقطار” معا. مما غذى لدى البعض منهم وهم “العفريتة سلا” التي قد تخرج لأحدهم من بين دفات كتاب قديم يحمل تعويذة من زمن بعيد، أو مصباح معطل يحمل ذرات غبار الزمن، أو تقبع في آنية فخارية قديمة في ميراث الأجداد، واقع ساعد على العيش في الخيالات، ومؤلف يدس السم في العسل باسم الكوميديا التي نبحث عنها نحن المشاهدين مكتوفي الأيدي أمام شاشة منزلية تضجر من مشاهد مفتعلة لا تحترم عقلية المشاهد ولا ثقافة جيل يشاهد الحروب وأخبار أقصى نقطة في الكرة الأرضية على الهواء مباشرة. هل كان يريد المؤلف يوسف معاطي بإطلاق عفاريته أن يفتح الشباب أيديهم إلى السماء في غرف مظلمة ينتظرون “عفريتة” عارية من معظم ملابسها، كما هو حال الجنية سلا، أم يجلسون على المقاهي في شوق للقادمة من عالم الخيال لتحقيق المعجزات، بقصر منيف، ورومانسية في جزيرة معزولة وموسيقى يعزفها أنصاف أجساد معلقة في الهواء لإضافة بريق على عمل فقد مصدقيته وهوى بنجمه المتربع على عرش الكوميديا منذ خمسين عاما إلى مرمى سهام النقد اللاذع، وخرج به من سباق نسب المشاهدة. كنت أنتظر، ومعي كثيرون، من المؤلف الشهير استثمار نجومية وقيمة عادل إمام في بث قيم إيجابية تدعو إلى الإنتاج والإبداع، وتحث الشباب على العمل ونفض التواكل والتكاسل، بدلا من عمل باهت يبيع الوهم للمفلسين. كاتبة مصرية سراب/12
مشاركة :