حين أسمعهم يتحدثون عن المرأة اليمنية في زمن الحرب أتأمل المرأة في اللاحرب، من قال إن المرأة اليمنية تحيا بلا معارك؟! فحتى في حالة السلم العام تواجه المرأة اليمنية أكثر من جبهة. تواجه المرأة جبهة العادات والتقاليد التي ترى في أخطاء المرأة خطيئة لا تغتفر، بينما أخطاء الرجل بطولة. كما تواجه جبهة رجال الدين الذين يشغلون خطب المساجد بطاعة الزوج وفتاوى الحجاب وعقوبة السفور والعطور، ينذر بعض رجال الدين حياته لتقصي أخطاء النساء وتوجيه اللوم والوعيد لهن في كل مناسبة، وكأنهم متخصصون في فقه النساء والولادة، في حين يصمون آذانهم أمام شكاوى النساء من جبروت أزواجهن أو آبائهن أو إخوتهن. إذا اشتكى زوج من زوجته لأحدهم أفتاه بهجرها في المضجع والضرب غير المبرح، كما أن أول خطبة جمعة ستكون عن طاعة الزوج، وحين يصل إليهم أي شكوى من إحداهن فكل ما يفعلونه هو أن يعدوهن الجنة على صبرهن وخطبة الجمعة أيضاً ستكون حول طاعة الزوج. لا يكلفون أنفسهم خطبة واحدة عن فضل الإحسان للنساء أسوة بالرسول -عليه الصلاة والسلام- الذي لم يوصيِ بشيء في خطبة الوداع غير النساء، مات وهو يوصيهم بالنساء خيراً، ويموتون وهم يوصون المرأة بالسجود للزوج، يعلمون عن ظلم الكثير من الرجال لنسائهم في الميراث دون أن يهز لهم ذلك أي مشاعر تكلفهم خطبة واحدة عن خطيئة حرمان المرأة من ميراثها. تواجه المرأة جبهة الاسترزاق بها في الكثير من الجهات التي رأت في قضية المرأة القضية المدرة للمال والبقرة الحلوب لتستثمرها في مشاريع لا تعود على المرأة بخير. تواجه جبهة الزواج بـ"متاريسها" المتعددة إما "زواج مبكر" تتحمل تبعاته الصحية بدنية ونفسية واجتماعية وحيدة، أو "تأخر زواج" يجعل منها مشكلة يستوجب حلها على وجه السرعة دون أن تعلم الفتاة ما الخطر الذي تشكله على المجتمع، ينظر إليها وكأنها قنبلة موقوتة، يخشى الرجال انحرافها وترى فيها النساء تهديداً لأمنهن واستقرارهن، مما يضطرها للقبول بزواج محكوم عليه بالفشل سلفاً ثم تواجه المرأة مسؤولية "فشل الزواج"، فعليها وحدها تقع الملامة مع أنها المتضرر الأكبر إن لم تكن الوحيد. تواجه المرأة الازدراء بما اختارته، فهذا يمقتها بلا حجاب، وذاك يمقتها بالحجاب أو النقاب، هذا يزدريها ربة بيت، وذاك يزدريها عاملة، يضعون لها ما يروق لهم من أولويات تتوافق مع نفسياتهم وطموحاتهم دون أن يسألها أحد عما تحتاجه، وأي الاحتياجات أولى من سواها. تواجه جبهة الأدعياء، ففي المجتمع مَن ينذر عمره كله في تبني قضية تحرير المرأة، وكثيراً ما ترى الفتيات في هؤلاء طوق النجاة من استبداد المجتمع، ولكن التعامل معهم يصيبهن بخيبة أمل حينما يجدن تناقض الكثير منهم بين القول والفعل، يظل أحدهم يقنع الفتاة بأن الحجاب أو النقاب إهانة لإنسانيتها، حتى إن بعضهم قد يستشهد بأنه عندما يريد المجتمع إهانة الرجل فإنه يحلق له شعره، وتغطية شعر الفتاة يحمل نفس المعنى! وعندما تسأله الفتاة عما إذا كانت قريباته يلبسن الحجاب أم لا؟ يرد عليها أنه يؤمن بالحرية الشخصية، وقد حاول إقناع أخواته وأمه بخلع الحجاب، لكنهن رفضن فلم يرد أن يجبرهن على فعل شيء ضد رغبتهن! جبهات لا يسهل حصرها ثم تأتي الحروب ولا تخصم من رصيد المرأة تلك الجبهات التي سبق أن واجهتها، لا تؤمن الحروب أن "حظ الذكر كحظ الأنثيين"، ولا تعترف حتى بـ"المساواة" بين الرجل والمرأة، بل تضع المرأة في صدارة المعاناة وتقسم لها نصيب الأسد كصاحبة خبرة في المعارك. لا تتحمل المرأة ألم الموت والجروح وحسب، بل يقع في أول مخاوفها هي وكل مَن حولها "الستر"، عليها أن تموت "مستورة" وتجرح "مستورة"، رأينا حالات الفخر بنساء مِتن وهن في ملابس الخروج مع أنهن مِتن وهن نيام، وهكذا أصبح "ستر" المرأة أقدس من حياتها! يعمد بعض الرجال إلى إرسال نسائهم إلى القرى بحجة أن الحياة في الحروب بدون نساء أخف، رغم علمهم أن معاناتهن خارج منازلهن أكبر بكثير، لكن الرجل يرى أن المرأة في الحرب قيد كبير على حريته. تتحمل المرأة عبء المعاناة الاقتصادية وتبتكر وسائل مختلفة لاستمرار الحياة في جلب الماء والوقود، تضطر المرأة إلى العيش في مجموعات تنتج منها معاناة إضافية لعدم الاستقرار. تفقد الزوج والولد والقريب في الحرب، تُقتَل وتصاب وتعوز، كل هذا وعليها أن تحافظ على صحتها النفسية وردود فعلها مع الجميع وإلا فإنه سيتم "تخريدها" بينما يصاب الكثير من الرجال بأزمات نفسية لمجرد فقدانهم أعمالهم، وتتحول حينها المرأة إلى "ممرضة نفسية"، وعليها أن تجد وسيلة تعول بها نفسها وأولادها دون أن تخدش مشاعر الزوج. كل هذا ثم تشتاق المرأة للسلام ولا تكترث كثيراً لشعارات النصر أو المباحثات السياسية، فكل ما يهمها أن تنتهي حرب الأسلحة الخفيفة والثقيلة لتعود للمعارك التي اعتادت الانهزام فيها مبتسمة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :