الصمت الذي قوبل به رحيل الشاعر الكردي الكبير شيركو بيكه س بدا غريباً بالمقارنة مع المكانة المرموقة التي احتلتها قصيدته. رحل بيكه س قبل أيام في العاصمة السويدية استوكهولم من دون أن يثير أي ضجيج إعلامي باستثناء أخبار قليلة وعاجلة ظهرت هنا وهناك بيد أنها لم ترتق، في أي حال، إلى مستوى التجربة العميقة والغنية لشاعر تميز بنزعته الانسانية الرفيعة، وبإحساسه الشعري المرهف الذي انتقل إلى لغات عدة، لا سيما اللغة العربية التي استقبلت، تقريباً، كل ما كتبه هذا الشاعر بلغته الأم. إيقاع اسمه الثقيل صار خفيفاً ومألوفاً بمختلف اللغات، وقصيدته، المشغولة بإظهار الخصوصية القومية لشعبه الكردي والغارقة في همومه وأوجاعه، عانقت رحابة العالم... ومعنى اسمه «أسد الجبال بلا أحد» انقلب، كذلك، الى النقيض، إذ كان الشاعر يتمتع بصداقات كثيرة وخصوصاً في سورية ولبنان، وثمة من استعان به لإنجاز أفلام وثائقية، فضلاً عن دراسات وأبحاث تناولت جماليات قصيدته، بيد ان كل ذلك لم يشفع له كي يجذب انتباه الفضائيات. هذا التجاهل الفضائي لا يبرر بالملفات الساخنة والمستجدات اليومية التي تشهدها المنطقة، فقبل نحو أسبوعين، مثلاً، وحين ولدت الأميرة كايت ميدلتون زوجة الأمير وليام مولودها الملكي استنفرت الفضائيات العربية عن بكرة أبيها، إذ تناست قضايا المنطقة لتتفرغ لتغطية الحدث الجلل، وخصصت مساحات واسعة لخبر لا يعني المشاهدين في العالم العربي. ينبغي ألا يفهم من هذا الكلام باعتباره لوماً لفضائيات عربية تجاهلت خبر رحيل مبدع كردي، ذلك أنها لم تأبه، في مناسبات مماثلة، لقامات فكرية وإبداعية عربية رحلت، بدورها، بصمت بينما كانت هي منشغلة بأخبار نافلة من قبيل المولود الملكي. في الواقع، الفضائيات العربية تثبت على الدوام أنها وفية في تقليدها الفضائيات الغربية، وحريصة على الانسياق وراء مواضيع ومسائل تهتم بها تلك الفضائيات من دون أن تطرح أسئلة حول مزاج المشاهد العربي واهتماماته. لكن هذه المقارنة لا تعني أن تلك الفضائيات الغربية قاصرة عن معرفة توجهات مشاهديها وميولهم، بل على العكس، هي تطرح مواضيع تعلم أنها تتناسب مع ما يريده المشاهد في تلك الدول المرفهة، بل تتفوق في تغطية أخبار هذه المنطقة على الفضائيات العربية، ذاتها، التي تعتمد حتى في تقاريرها المحلية على وكالات أنباء غربية معروفة. لن يضير بيكه س كثيراً هذا العقوق الفضائي، فالقصائد والدواوين التي تركها ستخلّد اسمه كشاعر يقارن بشعراء كبار من أمثال بابلو نيرودا وناظم حكمت ومحمود درويش الذي تحل ذكرى رحيله الخامسة هذه الأيام، وستمضي هذه الذكرى، على الأرجح، خفيفة كـ «أثر الفراشة»، عنوان أحد دواويـــنه، من دون أن تترك أثراً على الشاشات المنــهمكة بعناوين رديئة، ومستهلكة وكأن ثمة خصومة غير معلنة بينها وبين كل ما يمت إلى رموز الجمال والفن والابداع بصلة.
مشاركة :