واشنطن: فاليري شتراوس قال مارك تاكر، رئيس المركز الوطني الأميركي للتعليم والاقتصاد، في أحد المقالات بالرسالة الإخبارية الشهرية التي ينشرها مركز معايير التعليم الدولي، مؤخرا، إنه على الرغم من أن المملكة المتحدة تجمع بين إنجلترا وأسكوتلندا، فإن التعليم بينهما غير مشترك، ويبدو أنهما يسيران في اتجاهين مختلفين تماما. وذكر تاكر أن مايكل غوف، وزير التعليم الإنجليزي، يرى أن إنجاز أطفال المدارس الإنجليزية - على غرار إنجاز أطفال المدارس الأميركية - ليس أفضل من المتوسط على مستوى جداول الرابطات الدولية.. ويرى أن المعايير تشهد تدنيا. ويقول غوف إن مستويات «A (الامتياز)» لم تعد المعيار الذهبي الذي يجب أن تكون عليه، وهو لا يقتنع بما يتباه البعض من تأكيد حول أن أداء الطلاب الإنجليز تحسن في ظل حكومة حزب العمال السابقة، موظفا على عكس ذلك هذا الارتفاع في درجات الطلاب الإنجليز دليلا على أن المعايير انخفضت. ويقول إن مهارات التهجئة واستخدام علامات الترقيم والقواعد النحوية انهارت، فالطلاب لا يستطيعون إعداد جداولهم الزمنية، بل إنهم لا يدرسون حتى الكلاسيكيات؛ أو بالأحرى الكلاسيكيات الصحيحة. ونظرا لأن المعلمين يعلمون أي المشاهد من أعمال الكاتب المسرحي الشهير ويليام شكسبير ستكون في الاختبارات، فبالتالي يعرف طلابهم بهذه المشاهد، ولكن المسرحيات بأكملها لا يعرفونها بشكل كبير. وللغرابة، فإن الاهتمام بالدراسات والمهارات متعددة الاختصاصات حول شيء معين انتقصت من أهمية معرفة الشيء الأساسي ذاته لدى الطلاب بشكل جدي.. وهو ما يسعى غوف لإصلاحه. ويقول غوف إن هناك عملية إصلاح رئيسة للمنهج الإنجليزي، وفيها يسعى للتصرف بحزم مع المدارس الإنجليزية والمعلمين والطلاب، وهذا المنهج الجديد أكثر تحديدا من الذي يحل محله حول ما يجب أن يعرفه الطلاب؛ ما يعرف الآن باسم «المعرفة الأساسية». كما سيتم تقييم التهجئة والإملاء والقواعد النحوية في كتابة الطلاب، وسوف يمثل جزءا مهما من الدرجات التي يحصل الطلاب عليها. وسيكون المتوقع من الطلاب أن يفهموا كيفية استخدام صيغة الشرط والاستخدام الصحيح للفاصلة العليا. وستكون هناك قائمة بالمفردات التي من المتوقع أن يتهجونها بشكل صحيح. شكسبير يمثل ظهور مطلوب في المنهج الإنجليزي في مرحلة مبكرة عما سبق، ويتم في العموم سحب الكلاسيكيات من المناهج بحكم قدمها وسيتم رفع المعايير على طول الخط. ويشير تاكر إلى أن كثيرا من الاختصاصيين في التعليم الإنجليزي غير راضين عن هذه التغييرات في السياسة. وفي خطوة استثنائية، قامت الجمعية الوطنية لمديري المدارس في الولايات المتحدة أخيرا بتمرير تصويت عدم ثقة في سياسات التعليم الخاصة بالحكومة. إنهم يعتقدون أن النخبة المتبنية للسياسات الجديدة قلقة من احتمال أن يفشل العديد من الطلاب في النظام الجديد، لا سيما هؤلاء الذين يأتون من أسر منخفضة الدخل ومنتمية لأقليات. وهم يرون أن التركيز على المعرفة المتعلقة بالحقائق والتعلم بالحفظ عن ظهر قلب، يأتيان بنتيجة عكسية، وبتقديم تجاهل متعمد لما هو مطلوب فعليا من البالغين في هذا الواقع الاقتصادي الجديد. وفي النهاية، لا يروق لهم أن الحكومة تحمل المعلمين المتخصصين مسؤولية الانهيار المتوالي في المعايير، ومستعدة لأن تملي تفصيليا موضوعات المناهج التي يرى معلمو إنجلترا أنها يجب أن تترك حرية التصرف فيها لمتخصصيهم في مجال التعليم. ولا تفيد حقيقة أن عددا كبيرا من المدارس في إنجلترا معفى من متطلبات المناهج المفصلة هذه، بوضع تلك غير المعفاة في مقابل المعفاة.. إنه من الغريب أنها ستعفى بأكملها في نهاية المطاف. وتختلف الأمور إلى حد ما شمالا في حدود أسكوتلندا عنها في إنجلترا، فلفترة طويلة ساور الأسكوتلنديين القلق لأن مدارسهم أقل من المستوى المتوسط، لكن تشخيصهم أسباب الأداء الضعيف لمدارسهم كان أشبه بالنقيض لتحليل غوف في حالة إنجلترا. قرر الأسكوتلنديون أنه كان هناك كم هائلا من الاختبارات، وأن المنهج كان توجيهيا على نحو مفرط، ولا تتعدد فيه التخصصات بشكل كاف.. كما يرون أن الاختبارات لا تقيم سوى جزء صغير من أكثر الجوانب أهمية في نظام تعليمي، وخلصوا إلى أن الاعتماد المفرط عليها قد قلص المنهج بشكل غير مقبول، وهم أرادوا منهجا يكون كثير المطالب جدا ولكن أيضا مرن، ويمتلئ بمسارات من شأنها أن تمكن الطلاب من البيئات المختلفة من التفوق. وكان النتاج ممثلا في منهج للامتياز، تم طرحه لأول مرة عام 2004 ولم يتم تطبيقه بالكامل بعد، وتؤكد مواصفات المنهج على أهمية الإمكانيات الأربع: المتعلمون الناجحون، والأفراد الواثقون، والمواطنون المسؤولون، والمساهمون الفاعلون.. وهم يستشهدون بالمبادئ السبعة لتصميم المناهج: التحدي والمتعة والاتساع والتقدم والعمق والتشخيص والاختيار والتماسك والارتباط. يدهش الزائرون للمدارس الأسكوتلندية التي تطبق المنهج الجديد من مشاركة طلاب الثانوي الذين يرونهم، الأمر الذي يعتبر جزئيا وظيفة العمل التطبيقي الموجه للمشروع وتفهم المشكلات، الذي يشاهدونه يجري مجراه داخل الفصول الدراسية وخارجها. يركز الأسكوتلنديون على حمل الطلاب على تقييم أنفسهم في ضوء المعايير الموضوعة وإضفاء الصفة الذاتية على المعايير، وذلك بدلا من زيادة الضغط على التقييم الخارجي كما في إنجلترا. ويتحدثون عن مساعدة الطلاب في العمل داخل مجموعات بهدف تطوير تقييم الأقران، بحيث يتسنى للمجموعات والأفراد في المجموعة تحديد مواطن ضعفهم والوصول إلى مستوى أفضل. وينظر إلى التقييم بوصفه أكثر أداة مفيدة بالنسبة للطلاب، حينما يتم وضعه بحيث يتوافق وخطة تعلمهم الفردية.. ويشار إلى التقييمات التلخيصية بوصفها ملفات شخصية، متضمنة بيان إنجازات بصيغ متنوعة، ويمكن جمعها على أنها محفظة إلكترونية. كما تم إلغاء الاختبارات الإجبارية للطلاب البالغين من العمر 16 عاما. ولا يمكن إدراك أهداف مثل هذه برفع القواعد وتكثيف الضغط على المدارس والمعلمين، وذهب الأسكوتلنديون في الاتجاه المضاد محاولين ضمان التطبيق المخلص لسياساتهم عن طريق إدراج معلمين بأعداد كبيرة في عملية التطوير الأكبر للمنهج. وبدلا من رسم خطة مفصلة شاملة بأسرع ما يمكن، ثم وضع جدول تنفيذ قاس جدا، قرر الأسكوتلنديون أنهم سوف ينفذون سياساتهم الجديدة تدريجيا، على مدار فترة تصل لعدة سنوات، دافعين المعلمين للمشاركة في توضيح تفاصيل الخطة بأنفسهم، من خلال تجربة الأفكار الجديدة، ثم تعديل الخطة بشكل مكرر استجابة لما اكتشفه المعلمون مع مضي عملية التطبيق قدما، بعبارة أخرى؛ لم يكن من المفترض أن يصبح المعلمون المتلقين، وإنما قائدو عملية التطبيق. وتشير القراءة الخاصة لتاكر حول الأسلوبين المختلفين تماما في المناهج داخل بريطانيا العظمى إلى تجربة الدول التي تملك أكثر الأنظمة التعليمية نجاحا، وإلى أنه يزداد احتمال أن يحقق الأسكوتلنديون إنجازات طلاب أعلى بشكل عام من الإنجليز، باستخدام الاستراتيجيات المشار إليها، وأيضا أن التعليم أكثر من مجرد تدريس. إن الأنظمة المعتمدة على تحديد مستوى أداء مرغوب فيه، ثم تحاول توصيل أكبر عدد ممكن من الطلاب إلى ذلك المستوى، يزداد معها احتمال أن تصل بمزيد من الطلاب إلى معايير عالية بدرجة تفوق الأنظمة المصممة لفرز الطلاب بناء على افتراض أنه بوسع عدد محدود فقط الوصول إلى معايير عالية. وينطبق الأمر بالمثل على الأنظمة المصممة لتشجيع المعلمين على إيجاد وسائل مختلفة لمشاركة الطلاب بحيث يمكنهم جميعا الوصول إلى مستويات عالية. «لا مشاركة، لا تعلم».. من هذا منطلق يبدو أن التعلم النشط، وتحديدا التعلم التطبيقي، لديه القدرة على إشراك مزيد من الطلاب في توجيه الفصول الدراسية التقليدية. وتعتبر النظم التقليدية أداة لتمكين التعلم، لا هدفا التعلم. وتشير الأدلة بقوة إلى أن خطط إصلاح التعليم المصممة لتفرض على المعلمين مقدر لها الفشل. ويشك تاكر في أجندة غوف، ويوضح أنه في الولايات المتحدة الأميركية، وفي الدول الأخرى التي كان يجري بها أبحاث، ثمة أدلة متزايدة على أنه مع ضغط الحكومات - من أجل زيادة حصص الطلاب للحصول على مؤهلات أكثر وأعلى - تنخفض المعايير الخاصة بتلك المؤهلات، فالطلاب يتلقون قدرا أكبر من التدريس، لكنهم لا يتلقون بالضرورة تعليما أكثر أو أفضل، وليس من السهل الحفاظ على المعايير في الدول الديمقراطية، حيث يطالب الناخبون بمزيد من المؤهلات لأنفسهم ولأطفالهم. ويرى تاكر أنه يجب توخي الحذر قبل التخلي عن الموضوعات المعيارية في المناهج – الأنظمة - والتأثير على منهج متعدد الاختصاصات. توفر النظم أكثر الهياكل المقنعة التي طورها الإنسان لتنظيم المعلومات. ويقول تاكر: «إننا نجد في النظم الهياكل المفاهيمية التي تمكننا من إدراك العالم من دون معرفة عميقة في إطار النظم، ويصبح من الصعوبة تطوير أي منها بخلاف أكثر المعلومات سطحية فيها. ولا أعرف كيف يتجلى هذا في أسكوتلندا، ولكن مايكل غوف ربما يكون له رأي في هذا الشأن أيضا». ثمة معلمون عدة يتبنون وجهة النظر القائلة بأنه «على مستوى أوسع نطاقا، تعتبر المعرفة أمرا عفا عليه الزمن، ويتم إنتاج المعرفة بسرعة فائقة، وسرعان ما تضحى قديمة غير قابلة للتطبيق.. ويمكن في أية حالة العثور عليها بسهولة على شبكة الإنترنت، بحيث لا يصبح من الممكن أو اللازم بعد الآن ملء رؤوس الطلاب بالحقائق والمعارف. الأمر الذي يشكل أهمية كبيرة هي المهارات». ولكن لا يعترف تاكر بهذا الأمر، ويعلل قائلا: «إن من يملكون مهارات تفكير، ولكن لا يملكون معرفة، لا يملكون ما يفكرون فيه.. ومن يستحقون الإعجاب هم هؤلاء الذين يعرفون الكثير ويمكنهم التفكير بشكل جيد، سواء أكان الموضوع متعلقا بالنجارة أم بالفيزياء النووية». ويضيف تاكر: «ربما لا يكون مايكل غوف قد توصل إلى القرار الصائب فيما يتعلق بأفكاره عما يشكل المعرفة الأساسية، لكن في رأيي، تحتاج الحكومات لتحديد ماهية المعارف الأساسية والتحقق من أن جميع الطلاب لديهم إمكانية الوصول إليها». ويستطرد تاكر: «الدليل قوي جدا على أن متخصصي التعليم ينبغي أن يشاركوا بشكل متعمق في إصلاح التعليم، إن كان له أن يجدي نفعا، لا كعناصر إصلاح؛ لكن كشركاء كاملين فيه.. ولكن هذا أمر يسهل قوله ولكن يصعب فعله.. حينما يختار المعلمون والنقابات التي تمثلهم التصرف على أنهم عمال يدويون من الطبقة الكادحة - لا متخصصين - فيمكنني فهم لماذا يفعلون ذلك عادة، لا سيما عندما تكون درجة ثقتهم في أن الحكومة ستتعامل معهم على أنهم مختصون أقل من درجة ثقة الحكومة في تصرفهم كمختصين.. لكن يجب أن تبدأ الثقة من موضع ما، وبالطبع هناك مسائل مؤلمة وسيكون من الجذاب رؤية كيف تجدي هذه الاستراتيجيات المتناقضة تماما نفعا بشكل عملي». قرر الأسكوتلنديون بدء تطبيق النظام الجديد في المجموعة بادئين التدريس ذلك العام، ثم إضافة مجموعة جديدة كل عام، مع مضي الأعوام، وسوف يطبق الإنجليز نظامهم الجديد كله فجأة، ومن ثم بعد بضع سنوات فقط، يمكن مقارنة الأسلوبين بشكل عادل على طاولات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وبرنامج تقييم الطلاب الدولي. * خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»
مشاركة :