فتح عينيه على الحياة ليرى أسرة مسيحية محافظة جداً، تسمع أذناه أجراس الكنيسة القريبة من بيتهم، تأخذه جدته كثيراً إلى الكنيسة، حتى نشأ في مجتمع مسيحي خالص لا يسمع فيه أحداً من غير ملته، فكره الكنيسة في طفولته حتى أحب المسيحية في صدر شبابه ثم شاء الله له أن يعمل عقله في العهد القديم والجديد، ويمشي في طريق النور. إنه جاشوا، قس أميركي سابق يحكي لنا نشأته وقصة إسلامه التي بدأت مع كرهه للكنيسة؛ إذ لم تكن الكنيسة مشجعة لطفل يحب اللعب، بل كانت منفرة له، فهو فيها كثير الوقوف، أو يجلس على كراس خشبية متعبة جداً، ويمارس طقوساً كانت مملة في نظره، لأن الكنيسة تتبع المثيودية، والمثيودية لمن لا يعرفها هي إنها تقليدية جداً، إنها ليست كما تتخيل .. صراخ وتقليد وترنيم، وما إلى ذلك. تستمع إلى الواعظ ثم تقف وتغني ثم تجلس مرة أخرى، ثم تستمع للواعظ ثم تقف وتغني ثم تجلس، ثم تستمع للواعظ وهذا كل ما يحدث.هذا كل ما يذكره عن الكنيسة في طفولته، أما الشيء الذي لا يستطيع نسيانه فمدرسة يوم الأحد التي كانت متعته، حيث كانوا يرسمون الصور مثل نوح وهو يبني الفلك وبعض الصور الأخرى مثل موسى وهو يعبر البحر. كانوا يتعلمون القصص عن تحرير موسى لبني إسرائيل من مصر وقصة داوود وجالوت وغيرها من القصص في مدرسة الأحد، وهذه القصص أساس ما تعلمه في المسيحية. وعندما بلغ من العمر 14 عاماً التحق بمدرسة الشباب المسيحي، وفيها مارس الرياضة والأنشطة، وكان يستمع إلى مواعظ جعلته يبدأ في حب المسيحية ويقبل عليها متعلماً، حتى التحق بالجامعة، ثم بدأت لحظة فارقة في حياته عندما قابله صديق له وطلب منه أن يقرأ الإنجيل، وكان هذا الصديق متخصصاً في نقد النصوص، وهذه تحتاج إلى مهارات خاصة، حيث تتطلب أن يتعلم صاحبها اللغات اليونانية والعبرانية وغيرها، مما يعين على فهم النص، وقد تعلمها جاشوا، وفي يوم ما دار هذا الحوار بينهما: الصديق: هل قرأت الإنجيل جاشوا: لا، فقط في الكنيسة، أعني كلنا قرأنا الإنجيل في الكنيسة، عندما يطلب منك والدك أن تقرأ في الإنجيل، أو أن تعرف شيئاً عن المسيح، وكنا نأخذ بعض المقاطع من الإنجيل. الصديق: لا، لا، أعني هل قرأته يوماً كما تقرأ كتاباً من البداية إلى النهاية جاشوا: ولا أعرف أحداً قرأه من سفر التكوين إلى النهاية. الصديق: هذا آخر كلام الرب لنا بينما نحن نتحدث الآن، وهذه تعليماته لنا ونحن على الأرض، لماذا لا تقرؤه؟ لماذا لم تقرأ هذا الكتاب جاشوا..هذا سؤال جيد الصديق: دعنا نقرأ معاً ونرى ماذا قال الرب لنا أخذ جاشوا نسخة من الإنجيل، وكان هذا الأمر يمثل تحدياً بالنسبة له، وخلع كل قناعاته عن المسيحية ليرى خطاب الرب له، فهو لا يحتاج بعد إلى الواعظ كي ينقل له كلام الرب، وليفترض أنه وجد الكتاب في الصحراء، وعليه أن يعرف ما فيه، فكيف كانت رحلته مع القراءة والهداية؟ هذا ما سنعرفه في الحلقة القادمة إن شاء الله. بدأ الفتى يقرأ من الإنجيل مباشرة، فكيف قادته هذه القصص للتفكير في المسيحية وصواب ما فيها من معتقدات. يقول جاشو: بدأت ألاحظ القصص التي كنت أدرسها في مدرسة الأحد، وقد قرأنا قصة آدم ونوح، وبدأنا نقرأ سفر التثنية، وسفر الخروج، وقصص موسى، وقصة نوح، ولوط، وإبراهيم، ولكني تفاجأت وصعقت بشكل مذهل ببعض القصص التي قرأتها عن هؤلاء الناس المقدسيين، والذين قد تعلمت عنهم في مدرسة الأحد، وعلى سبيل المثال فقط، إذ قرأت أن نوحاً في الإنجيل مدمن خمر، وهو الذي تعلمت عنه أنه أنقذ البشرية من الطوفان، وهذه لا يعلمها كثير من الناس إلا الذين أطالوا القراءة في الإنجيل. التعليق: بدأ جاشوا يفكر ويحسّ بالضيق، كيف كان نوح سكيراً مدمن الخمر، وكيف استطاع بناء سفينة أنقذت البشرية، لقد درس في علم الأمراض العقلية أن مدمن الخمر لا يستطيع العمل والإنجاز، حيث إن كثيراً من وظائفه العضوية لا تعمل، وهو غير قادر على العمل في مطعم مثل ماكدونلز فكيف ببناء سفينة، ولكنه لم يعر القصة اهتماماً كبيراً، وقرر أن يواصل القراءة حتى وصل لقصة لوط عليه السلام. يقول جاشو: انتقلت إلى قصة لوط عليه السلام، وجميعاً نعرف قصة سدوم وعمورة وهذه القصص، ولكن هناك قصة أخرى محرفة تحريفاً شديداً في الإنجيل عن لوط وبناته، حيث يذكر الإنجيل أن بناته في إحدى الليالي جعلته يسكر ثم أغوتاه وقمن بزنا المحارم معه والعياذ بالله، وهذه تصورات الإنجيل عن أنبياء الرب، إنه الشخص االذي أنقذ عائلته من سدوم وعمورة. بدأ الأمر يزداد سوءاً مع جاشوا، ويتكرر بكثرة، فبدأ يسرع في قراءة الكلمات المصفوفة والكلام الإنشائي حتى يصل إلى قصص الأنبياء، فوجد أن هناك قصصاً كثيرة خادشة للحياء. وأكثر ما ضايقه قصة داوود، فالإنجيل ذكر فيها حكايا رائعة، ولكن قصة واحدة صدمته، حيث صورت داوود متآمراً على رجل زنا داوود بامرأته، ثم أرسل زوجها إلى الجيش كي يموت، وكان داوود مثله الأعلى. يقول جاشو: داوود قاتل جالوت تحول إلى زانٍ متآمر وقاتل، وعند هذا الحد توقفت بجدية مع نفسي وقلت: توقف الآن، هناك شيء غير صحيح، هناك شيء لا بد أن تقر به، لأن أنبياء الرب في عقلي قدوة للبشر أناس تستطيع أن تقتدي بهم وتتبعهم، واتضح أنهم أسوأ من بعض الناس برامج المطلوبين للعدالة. بدأ جاشوا يفكر بجدية، ثم بدأ في الخطيئة الكبرى في المسيحية، بدأ يسأل، فالسؤال محرم مجرم، وذهب إلى القسيس ليسأله عن الأحداث السيئة التي وقعت لهؤلاء الرجال ويرويها الإنجيل، فقال له إن المسيحية إيمان وليست معرفة ثم نصحه أن يترك العهد القديم لينتققل لقراءة العهد الجديد، وسيجد الأمور أفضل. يقول جاشو: فتحت الكتاب، وقلت: هنا نبدأ من جديد، سأبدأ كل شيء من الأول، ولكن كانت هناك بضعة أمور كنت قد تعلمتها من العقد القديم، وكنت آخذها في الحسبان عندما كنت أقرأ العهد الجديد، الأمر الأول الذي تعلمته هو أن الله واحد في كيانه، وهذا ما تعلمته من العهد القديم أن الله هو واحد وليس كمثله شيء، هذا مذكور مراراً وتكرراً في العهد القديم، وبشكل واضح، وتكون لديّ مفهوم محدد عن طريقة معاملة الرب لأبناء بني إسرائيل الذين يعاقبهم الرب عندما يخطئون. لكن قراءة العهد الجديد أظهرت له مفاجآت أخرى، ولا يزال يسير في الطريق يحاول أن يتلمس النور. بدأ جاشوا في قراءة العهد الجديد بعد أن نصحه القسيس، ولكنه لاحظ ملاحظة غريبة، حيث لاحظ اختلاف النسخ، واختلاف العناوين والمؤلفين، فبدأ يبحث في أسماء إنجيل لوقا ويوحنا ومرقص، وليس أحد من علماء الإنجيل يستطيع أن يؤكد أن هؤلاء الأشخاص هم من كتبوا الإنجيل، لكن جاءوا، تجاوز هذا ليدخل إلى النص مباشرة، وهناك شيء عجيب اكتشفه. يقول جاشوا ذكر المسيح مرات عديدة أن الله واحد فرد، بل لقد كان يردد آيات العهد القديم، ففي إنجيل مرقص: اسمع يا إسرائيل إن الرب إلهنا هو الرب الواحد، ولما سئل المسيح عن أعظم وصية، وكل مسلم سيفهم هذه الوصية جيداً، قال السيد المسيح في إنجيل متى: قال أعظم وصية: «أحب الرب بكل قلبك، وكل نفسك وكل ذهنك،» ثم قال: «أحب قريبك مثلما تحب لنفس، وعلى هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها وتعاليم الأنبياء، وفي الإسلام لدينا حق الخالق والمخلوق، كذلك ما جاء على لسان المسيح في إنجيل يوحنا الإصحاح السابع عشر. وكان ذلك واضحاً لي أكثر من أي شيء آخر: «والحياة الأبدية هي أن يعرفوك أنت الإله الحق، وحدك، ويعرفوا الذي أرسلته يوسع المسيح»، وإن نظرت إلى هذه العبارة باليونانية أو الآرامية تجدها مماثلة تقريباً لعبارة: «لاإله إلا الله محمد رسول الله». هنا بدأ جاشوا يستخدم مهاراته التي تعلمها في نقد النصوص، حيث درس اللغات اليونانية والآرامية، وألم بالقانون وعلم النفس، ورأى أن العبارات المحكمة تحكم العبارات المجازية المتشابهة، وقد رأى عبارة أن الله واحد محكمة، فإذا جاء تعبير مجازي في الإنجيل يفيد بغير ذلك فإننا نأخذ بالعبارة المحكمة: الله واحد. أما عن فكرة الخلاص في المسيحية فيقول عنها جاشوا: الخلاص الذي أرشد إليه المسيح هو طاعة الله واتباع الوصايا، هذا هو طريق الخلاص الذي علمه لرجل سأله عنه فقال: «ماذا أعمل لإرث الحياة الأبدية؟ فأمره باتباع الوصايا، وفي إنجيل متى كان واضحا جدا حيث قال: «وأما من عمل وعلم الناس هكذا فهذا يدعى عظيما في ملكوت السموات. خلص جاشوا إلى أن التصور الذي فهمه عن الإله نفسه هو التصور الذي فهمه من العهد القديم، أن الله إله واحد، وهذا خلاف ما تعلمه في المسيحية من عقيدة التثليث وأن الله واحد في ثلاثة أو ثلاثة في واحد، الاب والابن وروح القدس، وذهب ليسأل القس مرة أخرى، فقال له: لقد بدأت تسأل عن العهد الجديد إنك ممسوس. يقول جاشو:أخذني صديقي إلى أستاذه في النقد النصي، وما قاله لي هذا الرجل هو ربما الذي حطم عندي عقيدة المسيحية، وأشك أن يكون هذا البروفسور سعيدا وأنا أجوب العالم لأقول إن أستاذا من جامعة بوب جونز كان سببا في تحطيم عقيدة المسيحية لكن هذا ما حدث. قرر جاشوا أن يترك المسيحية تماما بعد أن أخبره ذلك الأستاذ أن هذا الكتاب قد دخلته الزيادة وطرأ عليه النقصان بما يوافق أهل كل عصر ومصر، وأن عليه أن يؤمن به على هذا الحال، لكن جاشوا لم يقتنع وقال إن الله كامل ولا بد أن يأتي بشيء كامل، لا كتاب مليئ بالأخطاء والمتناقضات، لكنه خلص من قراءته إلى جملة من الدورس في المسيحية. يقول جاشو: تركت المسيحية بالكامل، لكن تعلمت بعض المفاهم يمن الكتاب المقدس، أن الله واحد ولا يمكن لأحد أن يخدعني بخلاف ذلك، وأنه لاينبغي لأحد أن يكون واسطة بيني وبين الله ولا أحتاج لإذن كي أتوجه إلى الله. بدأ جاشوا يقرأ في الأديان ويدرسها، فدرس اليهودية والهندوسية والبوذية والطاوية والكونفوشسية والوكين والبوشيدو، وكل ما وقع تحت يده من عقائد وأيدولوجيات، وكان لديه اختبار يعرضه على كل دين يقول جاشو: كلما رأيت أحد أتباع تلك الديانات كنت أسألهم دائما: ألديكم كتاب مقدس؟ لأن الأمر الآخر الذي خرجت به من تجربتي: أنه إن كان دينكم هو الحق فلا بد أن تقدموا دليلا ملموسا يثبت ذلك. لقد وجد جاشوا أن لديهم نفس التعاليم الفلسفية الموجودة في كتب الأديان الكبرى، جميعهم يتحدث عن الله وطبيعته، وأغلبهم يميل إلى أن الله واحد وبعث رسلا لإرشادنا، لكن هذا لاينفي أنها مليئة بالتراهات، ومن ثم لم يستطع جاشوا تقبلها أو الإيمان بها، وأوقف البحث عن الله في سن الثامنة عشرة، وقرر أن يبعد عن الدين كليا ويشرب الخمر ويفعل الموبقات حتى أصيب بحادث سيارة لا ينجو منه أحد ثم نجا من حادث سرقة وقتل، فأخبرته جدته أنه ما نجا لأن الله يريد منه شيئا، ولكنك تقاوم. يقول جاشو: لم تدعني للمسيحية أوقراءة الكتاب المقدس كل ما قلته لك إن الله لم يعرض عنك ولكنك لم تبحث عنه من الطريق الصحيح، ذلا قررت أن أستجمع نفسي وأعيد النظر مرة أخرى، حادثة تدمير السيارة، المسدس، والقبض علي لكثرة العراك، كل ذلك جعلني أفكر وأعيد النظر في حياتي مرة أخرى ، أصبحت لا أدريا، أؤمن بالله دون اتباع دين معين، كنت أصلي لله على الأرض على ركبتي ويدي؛ لأن هذه هي صفة العبادة التي يحبها الله في الكتب المقدسة التوراة، العهد الجديد. وصادف يوم قرأ فيه جاشوا كتابا عن الإسلام ولكنه كان يشوه صورة المسلمين بأنهم ظلاميون يعبدون إلها موجودا في صندوق أسود بالصحراء، حتى التقى بأحد أصدقائه المسلمين ولم يكن يعرف أنه مسلم، وفي سياق حديث عام سخر جاشوا من الإسلام ومن تعدد الزوجات، فأخبره صديقه أنه مسلم وأنه استمد معلوماته عن الإسلام بطريقة غير صحيحة ودعاه إلى صلاة الجمعة في المسجد الذي كان قريبا من بيته ولكنه لم يكن يعرفه وكان يتخيله صالة رياضة. دخل جاشوا المسجد وسمع الخطيب وكأن الكلام موجها له، وكان يترجم ما يقول، وحانت لحظة الصلاة وشاهدهم يصلون على الصفة التي قرأ أن الله يحبها، ثم قابل الإمام بعد الخطبة. يقول جاشو: لا أريد منك أن تحدثني عن الإسلام، هل لديكم كتاب مقدس، فأجابني نعم وأعطاني نسخة مترجمة باللغة الإنجليزية، وبدا متعطشا لقراءة هذا الكتاب الجديد، فقرأ الفاتحو البقرة وآل عمران ووجد أسماء الأنبياء الذين عرفهم ولكنهم مذكورون بطريقة جيدة في القرآن. إبراهيم داوود موسى عيسى زكريا. سيطرت قصة المسيح على كيانه، إذ وجد دفاعا عنها في القرآن لم يقرأه في العهد القديم والجديد، قرأ ترجمة القرآن كله في ثلاثة أيام، وحينها قرر أن يكون من أتباع القرآن، وذهب ليعلن إسلامه الاثنين، ولكن المسجد لم يكن يفتح إلا في العشاء والجمعة، فانتظر في الجمعة وأعلن إسلامه، وبدأ يطوف في الآفاق ليحكي عنها.;
مشاركة :