على مدار مقالين سابقين تناولنا قوة ومتانة الاقتصاد القطري وقدرته على الصمود في وجه أزمة المقاطعة والحصار ، كما تطرقنا إلى القطاع المصرفي وما يقوم عليه من ركائز وتشريعات ومعايير تجعله بمنأى عن تأثير مثل هذه الأزمات ويحافظ على قوة أدائه بعيداً عن أية تقلبات ليستمر في القيام بدوره كقاطرة للتنمية. واليوم في المقال الثالث من هذه السلسلة نسلط الضوء على بورصة قطر ومدى صمودها في ظل أزمة المقاطعة. فعلى عكس التوقعات، من دول المقاطعة بتعرض البورصة للانهيار أو المزيد من الهبوط في ظل هذه الأحداث، فقد أظهرت بورصة قطر مزيداً من التماسك والثبات في وجه الأزمة وأن هذا الصرح المالي والاستثماري الكبير لديه من الصلابة ما يجعله لا يهتز بمثل هذه الإجراءات كما لم يتأثر بما هو أشد منها من قبل. حيث تمكنت البورصة القطرية في أكثر من مناسبة أن تثبت أنها قادرة على تجاوز الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم ومن بينها الأزمة المالية العالمية عام 2008 إذ تمكنت من امتصاص تداعيات الأزمة دون أن تتكبد خسائر فادحة، وكذلك الحال عندما انخفضت أسعار النفط، وعلى مستوى المنطقة فقد استطاعت تجاوز أزمة سحب السفراء عام 2014. وتعتبر بورصة قطر مرآة للأداء الاقتصادي والمالي في البلاد بما تضمه من شركات مدرجة، تمثل القطاعات النشطة اقتصادياً في الدولة، وتعد السوق عنصرا رئيسيا في عملية النمو والتطور ودعم الاقتصاد الوطني كما تعد مركزاً لتحويل المدخرات إلى استثمارات. وبناء قاعدة اقتصادية منظمة ومتطورة وفعالة. وقد عرفت بورصة قطر كواحدة من أكبر أسواق المنطقة بالقوة والاستقرار والثبات. كما تتميز بعدة عوامل ومميزات تجعلها سوقاً جاذبة للاستثمارات الأجنبية وتستقطب رؤوس الأموال الراغبة في تحقيق أرباح حقيقية، منها أنها من الأسواق المهمة في المنطقة كما تتميز بقلة المخاطر وقوة الملاءة المالية للشركات المدرجة إلى جانب معدلات النمو الجيدة لها، والتوزيعات الكبيرة التي تقدمها والتي عرفت بأنها الأفضل على مستوى المنطقة، وهو من أهم المعايير التي تدخل بها الصناديق الاستثمارية إلى أي سوق. فمع نهاية عام 2016 بلغ إجمالي أرباح الشركات المدرجة 38.351 مليار ريال وفي الربع الأول من العام الجاري حققت هذه الشركات 10.698 مليار ريال أرباحاً. وبلغ حجم توزيعات الشركات القطرية المدرجة عن عام 2016 مستوى 5.32 مليار دولار (19.36 مليار ريال قطري)، فيما بلغ العائد النقدي لكامل السوق القطري 3.6 % في العام 2016، وبلغت نسبة الأرباح الموزعة من الأرباح الصافية في البورصة القطرية مستوى 44 % من صافي الأرباح المجمعة لإجمالي الشركات، فيما بلغ عدد الشركات التي وزعت أرباحاً نقدية نحو 38 شركة من إجمالي 44 شركة مدرجة بالسوق، بنسبة 86%. وفي نهاية عام 2016 ارتفعت القيمة السوقية لأسهم الشركات المدرجة في السوق (رسملة السوق) بنسبة 1.86% لتصل إلى 563.466 مليار ريال قطري، مقابل 553.176 مليار ريال في نهاية السنة السابقة. كما سجل المؤشر ارتفاعا بمقدار 7.40 نقطة، أو ما نسبته 0.07% ليغلق في نهاية السنة على عند 10.436.76 نقطة. وكانت نسبة تعاملات القطريين من الأفراد 35.8% للشراء و38.6% للبيع، أما على مستوى المؤسسات فكانت النسبة 18.7% للشراء و24.9% للبيع. وبالنسبة لتعاملات الأجانب كانت 13.1% للشراء و13.4 للبيع على مستوى الأفراد، أما على مستوى المؤسسات فكانت 32.2% للشراء و22.9% للبيع. وفي نهاية الشهر الفائت (مايو 2017) بلغت رسملة السوق 528.550 مليار ريال. وسجل المؤشر انخفاضا بلغ 162.97 نقطة بنسبة 1.62% مقارنة بشهر أبريل 2017 ليغلق في نهاية الشهر عند 9.901.38 نقطة.وارتفعت القيمة الإجمالية للأسهم المتداولة بنسبة27.10% لتصل إلى 5.936 مليار ريال، مقابل 4.670 مليار ريال، كما ارتفع عدد الأسهم المتداولة بنسبة 27.54% ليصل إلى 231.144.746 سهما مقابل 181.233.619 سهما. وبلغت نسبة تعاملات القطريين على مستوى الأفراد للشراء 41.8% وللبيع 44.9%، أما على مستوى المؤسسات فكانت نسبة الشراء 30.3% والبيع 21.7%. وبالنسبة للأجانب كانت نسبة التعاملات للأفراد 8.5% شراء و9.2% بيع، وعلى مستوى المؤسسات كانت 19.2% بيع و23.9% شراء. وفي نهاية الاسبوع الماضي وهو الاسبوع الثاني من أزمة المقاطعة ارتفع المؤشر العام للبورصة بنحو 20 نقطة إلى مستوى 9258 نقطة، ورغم انخفاض إجمالي التداولات بنسبة 34% إلى 1.9 مليار ريال، إلا أن الرسملة الكلية قد ارتفعت إلى 500 مليار ريال. ونمت مشتريات المحافظ القطرية بما مجموعه 340 مليون ريال. وأوضحت البورصة استقراراً ملحوظاً على غرار ما يحدث عادة في مثل هذه الفترة من السنة. ، ولم يتأثر الأداء بانخفاض أسعار النفط دون 45 دولاراً للبرميل. وتعزى قوة البورصة إلى عدة عوامل في مقدمتها مناخ الاستثمار المشجع داخل الدولة، ومرونة تداول الأسهم وحركة البيع والشراء وقوة الاقتصاد الوطني الذي يواصل ارتفاع مؤشرات النمو وهو ما تؤكده توقعات البنك الدولي بزيادة نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدولة قطر من مستوى بلغ 2.2 % في 2016 إلى مستوى بلغ 3.2 % في 2017، مشيراً في ذلك إلى أن دولة قطر تبذل جهوداً حثيثة لتنويع اقتصادها بعيداً عن الاعتماد على النفط كمصدر وحيد للدخل مع الاهتمام باقتصاد المعرفة، فضلاً عن احتياطياتها المالية الضخمة وتمتعها بواحد من أعلى مستويات حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. هذا إضافة إلى أحدث الآليات التقنية والتنظيمية التي اعتمدتها الجهات المختصة والمطابقة لأفضل الممارسات والمعايير المعترف بها دوليا لأسواق رأس المال من أجل تحسين جودة الخدمات المقدمة للمستثمرين بما يحقق عدة محاور استراتيجية هي: حماية المستثمري، وضمان أسواق مالية تتسم بالنزاهة والكفاء، تعزيز الشفافية والفعالية فضلا عن الوعي و نزاهة الأسواق. وهكذا نؤكد أن البورصة القطرية وبما لديها من عوامل قوة ومناخ مالي واستثماري قوي تستطيع عبور أزمة المقاطعة. وأن المستثمرين في بورصة قطر في حالة ترقب للنتائج المالية للنصف الأول من العام الجاري، وذلك من اجل إعادة ترتيب الخارطة الاستثمارية لكل مستثمر. وعليه فإن ما يجري يؤكد قوة ومتانة بورصة قطر في مواجهة الأزمات وأنها ليست معرضة للانهيار كما يروج له بعض ضعاف النفوس ووسائل الإعلام غير المهنية. وعليه نردد قول الله تعالى: (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين). باحث اقتصادي www.halsayed.com
مشاركة :