قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، نهاية الأسبوع الماضي، إنه استيقظ فجأة على أزمة قطر من دون مقدمات، أما اليوم فيبدو أن سبحة المشاكل تكر. ولو أن الأزمات الطارئة لم تشغل باله وتزعجه لما كانت موضع شكواه. وأزمة قطر هبطت عليه من حيث لا يحتسب ولم يكن مستعداً لها. ووراء اهتمام أردوغان بهذه الأزمة دواع كثيرة. وليس وراء موقف أردوغان من قطر وقوف أميرها في جانبه ليلة الانقلاب الفاشل فحسب. وأزمة قطر وثيقة الصلة بمصالح تركيا في سورية. فها نحن نشهد اليوم، كيف أن مدينة الباب التي سالت في سبيلها دماء شبابنا في الجيش، يسيطر عليها «الجيش السوري الحر» الموالي لنا، في وقت بدأ الخلاف يدب بين فصائله التي تتناحر. وبعضها يغازل نظام بشار الأسد وبعض آخر يغازل «قوات سورية الديموقراطية». ومن جانب آخر، انطلقت معركة الرقة بدعم من قوات التحالف الأميركي، وفي ميدان المعارك الأكراد يتولون القتال، وتدعمهم روسيا في بعض الأحيان. وكل هذا في غياب أي دور تركي. بل إن الغياب هذا يمتد إلى معركة الموصل التي شارفت على نهايتها ولم يعد هناك أي دور لتركيا. فالموصل يحررها، اليوم، الجيش العراقي بمؤازرة الحشد الشعبي، وهو إيراني التمويل والدعم. وفي حرب تحرير الكويت قال الرئيس التركي الراحل، سندخل الحرب مع أميركا، ونخرج بغنائم كثيرة، وكل ما خرجنا به حينها كان تعزيز موقع حزب «العمال الكردستاني» في شمال العراق وتسليحه على يد قوات المطرقة الأميركية. فتفاقمت أزمة الإرهاب في تركيا. واستثمرنا في خطة الربيع العربي التي راهنا على الخروج منها ونحن نحكم المنطقة، بينما في الواقع نخرج اليوم من «الربيع» وحزب «العمال الكردستاني» يسيطر على شطر راجح من الشمال السوري ويعزز مواقعه في شمال العراق. وطبعاً لا أقصد أن هذه المشاكل كلها انهالت على تركيا بسبب الأزمة القطرية، ولكن ما وصلنا إليه اليوم في نهاية الربيع العربي لا بد وأن يذكرنا بشريكنا القطري في هذه المغامرة، في وقت كان أردوغان يغير وجهة سياسة تركيا الخارجية من أجل تقليل خسائر هذا المشروع. لكن انفجار أزمة قطر قد يحرمه فرصة تغيير سياساته. والأزمة هذه وثيقة كذلك بتدفق الأموال العربية على تركيا، وهو المال الذي كان يقيم أود الاقتصاد التركي في السنوات الأخيرة. وأغضب دعم أردوغان أمير قطر دول الخليج، وألغت السعودية صفقة تشييد أربع سفن بحرية عسكرية تركية قيمتها بليوني دولار، وكان هذا أكبر استثمار خارجي في مشاريع التصنيع العسكرية التركية. وخسارتنا دعم المملكة العربية السعودية ليست خسارة مالية واقتصادية فحسب، بل خسارة معنوية لأرض الحرمين. وباءت محاولات وزير الخارجية التركي خلال زيارته السعودية الأسبوع الماضي بالفشل. ومحاولات الوساطة التركية رفضت من بدايتها، والوساطة الكويتية لم تأتِ بنتيجة تذكر. ولكن يبدو أن ما ساهم في الإخفاق هذا هو دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب، على الخط واهتمامه بما يحصل. وفي وقت كان أردوغان يقلب أوراقه واحتمالات الأزمة، جاء من واشنطن خبر صفقة طائرات أميركية إلى قطر بقيمة 12 بليون دولار. وقد تعني هذه الصفقة أن أمير قطر باقٍ في منصبه ولن يسمح الأميركيون برحيله، ولكن مقابل ماذا؟ مقابل وقف دعمه تنظيم «الإخوان» في المنطقة ووقف دعمه «للجيش السوري الحر» وما يتشعب عنه من منظمات. وعلى المستوى الأوروبي، خفت حدة التصريحات والاتهامات بيننا وبين الاتحاد الأوروبي، واستُهلت خريطة طريق جديدة ترمي إلى إصلاح العلاقات، وطالب أردوغان الاتحاد بفتح فصول جديدة للتفاوض. لكن يبدو أن ذلك متعذر بسبب تدهور أحوال حقوق الإنسان والحريات في تركيا، وعدم معالجة أردوغان تجاوزات حال الطوارئ وحبس الصحافيين. وفي صباح آخر، استيقظ أردوغان على مشكلة جديدة، اسمها مسيرة العدالة التي يقوم بها زعيم المعارضة من أنقرة إلى إسطنبول، مشياً على الأقدام، مطالباً بإصلاح النظام القضائي. ولم يعلق أردوغان على المسيرة في وقت أول، لكنه بعدما شاهد الدعم الشعبي الكبير لها، غضب غضباً شديداً. ووصف الرئيس التركي زعيم المعارضة كمال كيليجدار أوغلو، بالانقلابي! وهو وصف لا يقنع حتى جزء كبير من أعضاء حزب «العدالة والتنمية» الحاكم نفسه. على رغم ذلك، هدد أردوغان مؤسسات المجتمع المدني التي تؤيد هذه المسيرة بالمحاكمة والتجريم. واستيقظ الرئيس التركي أخيراً كذلك على مشكلة جديدة: مطالبة أميركا باعتقال عدد من حراسه الشخصيين بعد اعتدائهم على مواطنين أميركيين على مقربة من السفارة التركية في واشنطن أثناء زيارته الأخيرة. وفي هذه المسألة تنتظره كذلك الخسارة. وبعد أن كنا نطالب واشنطن بتسليم الداعية فتح الله غولن، صارت تطالبنا بتسليم حراس أردوغان للمثول أمام عدالتها! * كاتب، عن «حرييات» التركية، 18/6/2017، إعداد يوسف الشريف
مشاركة :