أشار بنك الكويت الوطني إلى شروع السعودية في تطبيق خطة جذرية وطموحة، لتغيير اقتصادها بأسره، وإعادة هيكلة مواردها المالية، والابتعاد به عن الاعتماد الكلي على النفط، في ردة فعل من جانبها على تراجع أسعار النفط. وأوضح البنك في تقريره الاقتصادي، أن رؤية السعودية 2030 والبرامج التخطيطية المرتبطة بها في الوقت الحاضر، هي الأساس المعياري لقياس النمو الاقتصادي والتنمية، إذ سيتم توجيه الإنفاق العام والاستثمار نحو توطين الصناعات وتدريب السعوديين، ورفع القدرة التنافسية للاقتصاد.وأضاف التقرير أنه سيتم تطبيق الإصلاح المالي من خلال ترشيد الإنفاق، وتعزيز الإيرادات غير النفطية، وخصخصة الكيانات الحكومية، حتى تتمكن المملكة من تحقيق ميزانية متوازنة بحلول عام 2020.وأشار إلى رفع أسعار الوقود والمرافق العامة، وأنه سيتم إدخال الضرائب، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة في عام 2018، بينما تكشف السلطات عن حزمة تحفيز للقطاع الخاص، وتشمل برنامجاً للإسكان والانفاق المعيشي من أجل التخفيف من أعباء الأسر ذات الدخل المنخفض.وأكد التقرير أن المخاطر والتحديات جسيمة، ومن اكثرها إلحاحاً الحاجة إلى رفع أسعار النفط واستقرارها عند مستوى كافٍ، لتحفيز نمو الاقتصاد غير النفطي مباشرة، من خلال الإنفاق والاستثمار الحكومي في مشروعات رأسمالية قائمة تصل قيمتها إلى 1.4 تريليون ريال، وعن طريق غير مباشر من خلال تحسين سيولة النظام المصرفي والإقراض.وتوقع تباطؤ نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في 2017، على خلفية انكماش القطاع النفطي، بينما يتوقع تعافي أنشطة القطاع غير النفطي، مرجحاً أن يشهد النمو الاقتصادي السعودي مزيداً من التباطؤ مقارنة بالعام الماضي متراجعاً من 1.4 في المئة إلى 0.5 في المئة على أساس سنوي في العام 2017.وتابع التقرير أنه يكمن خلف تلك التوقعات انكماش القطاع النفطي بنسبة (-0.3 في المئة) على أساس سنوي، تماشياً مع التزام السعودية باتفاقية «أوبك» لخفض الإنتاج واستمرار ضعف القطاع الخاص غير النفطي.ولفت إلى تراجع نمو القطاع الخاص إلى أدنى مستوياته منذ 26 عاماً، وبلوغه 0.1 في المئة العام الماضي، بعد مرور عامين من التقشف المالي وتراجع الثقة في الأعمال الناجم عن تراجع أسعار النفط.ونوه التقرير بأنه على الرغم من ذلك، فإنه يتوقع أن يرتفع النشاط غير النفطي في العام الحالي بنسبة 1.1 في المئة على أساس سنوي، بفضل السياسة المالية التوسعية المعتدلة للحكومة، وما تتضمنه من إطلاق حزم تحفيزية خاصة بالإسكان والقطاع الخاص، وانتعاش النشاط الاستهلاكي والتصنيعي والانشائي.وشدد على أن حزمة تحفيز القطاع الخاص التي تبلغ قيمتها 200 مليار ريال، تهدف إلى تعزيز الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الخاص بحلول عام 2020 من خلال تحسين كفاءات الصناعات ذات الطاقة العالية والصناعات كثيفة العمالة، وسط التزام الحكومة أيضاً بتوطين الصناعات مثل النفط والغاز والدفاع.الدعوماتوتوقع التقرير أن يتم تطبيق الجولة الثانية من تخفيض دعوم الطاقة والمرافق، مع دفع الحكومة لخطتها المرحلية الهادفة لربط أسعار الطاقة والمياه والكهرباء بأسعار الأسواق الدولية بحلول العام 2020.ورجح ان تتمكن الحكومة من توفير 209 مليارات ريال سعودي بحلول العام 2020، أو ما يعادل 8.7 في المئة تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2016، وفقاً لما ورد في برنامج تحقيق التوازن المالي للحكومة.وأضاف أن هذا البرنامج يستهدف تحقيق موازنة متوازنة بحلول العام 2020، من خلال تحسين كفاءة الإنفاق تحت إشراف مكتب ترشيد الإنفاق الذي تم استحداثه أخيراً، وتنمية قاعدة الموارد غير النفطية.ورأى أنه بالنسبة لتحسين كفاءة الإنفاق، فإن اعتماد أفضل الممارسات على مستوى كافة الوزارات الحكومية من حيث تحسين الممارسات التعاقدية والشرائية على سبيل المثال، من شأنه ان يؤدي إلى تحقيق وفورات تراكمية تصل إلى 70 مليار ريال عام 2020، ووفورات سنوية تصل إلى 21.4 مليار ريال بعد ذلك.واعتبر التقرير أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة في عام 2018، إلى جانب عدد من الضرائب والرسوم الأخرى (المقابل المالي على الوافدين، و«ضريبة المنتجات الضارة» وغيرها)، من المتوقع أن يضيف إيرادات صافية للخزانة السعودية بنحو 152 مليار ريال بحلول عام 2020.وتوقع أن يعاود الإنفاق الحكومي الارتفاع بعد عامين من التشديد المالي، مع اخذ ما تقدم ذكره في الاعتبار، منوهاً بأن الحكومة قد اعتمدت موازنة توسعية هذا العام (عدا عن دفع الدفعات المتأخرة بقيمة 105 مليارات ريال سعودي للمقاولين بنهاية عام 2016)، ورفعت نفقاتها 8 في المئة بمحاولة منها لتخفيف أثر التقشف المتواصل للإنفاق الاستهلاكي وتحفيز الاقتصاد غير النفطي.سندات الدينوكشف التقرير أنه وفقاً للسلطات السعودية، سيتم إصدار سندات دين بنحو 120 مليار ريال سعودي على الأقل (32 مليار دولار أمريكي) خلال عام 2017، بما يعادل 60 في المئة من عجز موازنة 2017، على أن يكون أكثر من نصف تلك القيمة في صورة سندات دين محلية (70 مليار ريال سعودي)، والباقي إصدارات عالمية.وبين أن السلطات تطمح للاستفادة من النجاح الهائل الذي اتسمت به السندات السيادية، التي تم إصدارها في أكتوبر 2016 بقيمة 17.5 مليار دولار، والتي تعد بمثابة رقماً قياسياً للأسواق الناشئة، فضلاً عن الصكوك السيادية التي تم إصدارها بقيمة 9 مليارات دولار.ونوه بارتفاع قيمة السندات الحكومية لدى البنوك من 38.5 مليار ريال في عام 2013 إلى 190 مليار ريال تقريبا في مارس الماضي، إذ تمثل السندات 11.7 في المئة من إجمالي مطالبات البنوك.ورأى أنه من شأن إصدار سندات الدين أن يعمل على تخفيف الضغوط على حسابات الحكومة لدى مؤسسة النقد العربي السعودي (ساما) (الحساب الجاري واحتياطات الحكومة) والتي تراجعت بواقع 293 مليار ريال سعودي، أو ما يعادل 28.6 في المئة عام 2016، أي بمعدل سحب شهري يصل إلى 24.4 مليار ريال.وتابع أنه وفقاً لنشرة «ساما» الصادرة عن شهر ابريل، تم سحب 44.6 مليار ريال سعودي من الحساب الجاري الحكومي خلال الأشهر الأربع الأولى من عام 2017، من ضمنها 26.2 مليار ريال سعودي كانت مطلوبة لتغطية عجز موازنة الحكومة في الربع الأول من العام، إذ يبدو أن باقي المبلغ قد تم إيداعه في النظام المصرفي، ربما لتحسين السيولة أو تحسباً لمزيد من الإنفاق.وتوقع التقرير أن يرتفع الدين العام (الإجمالي) عن مستويات العام الماضي البالغة 13.2 في المئة، من الناتج المحلي الإجمالي ليصل إلى 17.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، وأن يصل إلى ذروته أو 24.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2018.وتابع أن تلك المستويات تعد منخفضة وفقاً للمعايير الدولية وبالمقارنة بالهدف المعلن للسلطات البالغ 30 في المئة للعام 2020، والذي يعد الحد الأقصى المسموح به من قبل الحكومة لنسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي.وأظهر تحول نمو الائتمان المصرفي الإجمالي وللقطاع الخاص إلى رقم سلبي في مارس، للمرة الأولى منذ ديسمبر 2009، إذ يدعو تقلص الائتمان الممنوح للقطاع الخاص بنسبة 0.8 في المئة على أساس سنوي في أبريل إلى القلق بوجه خاص، نظراً إلى أهمية مساهمة القطاع المصرفي في نجاح الرؤية السعودية 2030.ولفت التقرير إلى أن نمو الودائع المصرفية يعاني في الوقت الحاضر، على الرغم من تحسنه قليلاً حيث سجل 0.9 في المئة على اساس سنوي في أبريل، عن أدنى مستوياته في سبتمبر الماضي بنسبة 4.3- في المئة، على أساس سنوي.وكشف أنه من جهة أخرى، ارتفعت الودائع المصرفية التجارية لدى ساما وبلغت 235 مليار ريال سعودي (62.6 مليار دولار)، بما يوحي باحتمال قيام البنوك بتحويل بعض ودائعها الزائدة لاحتياطيات لدى البنك المركزي.ولفت إلى اتباع «ساما» خطى الاحتياطي الفيديرالي الأميركي، وقامت برفع أسعار الفائدة الرئيسية، لاتفاقيات إعادة الشراء المعاكس، بواقع 25 نقطة أساس من 0.75 إلى 1 في المئة خلال مارس، إلا انها ابقت على معدل إعادة الشراء عند مستوى 2 في المئة دون تغير، متوقعاً حدوث ارتفاع معدل الفائدة بواقع 25 نقطة أساس مرة أو مرتين خلال العام الحالي.واعتبر أنه من شأن ذلك أن يؤدي إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض في المملكة، في وقت يتسم بانخفاض النشاط الاستهلاكي، وضعف النمو الائتماني وتدني مستوى التضخم، الأمر الذي يتطلب من الحكومة اتباع نهج مدروس بعناية.وأفاد أنه على الرغم من ذلك، يبدو أن لدى السلطات مجالاً للمناورة، بحيث ان معدل الإقراض بين البنوك (سايبور لأجل 3 أشهر) قد تراجع بشدة بواقع 66 نقطة أساس عن المستويات المرتفعة لشهر أكتوبر 2016، والبالغة 2.38 في المئة لتنخفض إلى 1.72 في المئة، مع تراجع القيود على السيولة في أعقاب مبيعات السندات السيادية العالمية، موضحاً أن الضغوط التي شهدها الريال السعودي في الأسواق الآجلة تراجعت بشكل ملحوظ.التصنيف والبورصةوبين التقرير أن نظرة السوق للمخاطر السيادية السعودية تبدو معتدلة، على الرغم من قيام وكالة فيتش للتصنيف الائتماني بتخفيض التصنيف الائتماني على الديون طويلة الأجل والعملة المحلية والأجنبية ليصل إلى «A+» مقارنة بالتصنيف السابق وهو «AA-»، منوهاً بأن تراجع أسعار النفط وسلسلة المراجعات بتخفيض التوقعات الاقتصادية السعودية تؤثر على معنويات السوق.وأشار إلى أنه مع انقضاء نصف العام تقريباً، مازال مؤشر تداول للسوق السعودي متراجعاً بأكثر من 5 في المئة منذ بداية العام حتى اليوم عند مستوى 6822 نقطة، إذ تواصل البورصة معاناتها من جراء ضعف المعنويات على الرغم من تحقيق الشركات والبنوك لأرباح أفضل مما كان متوقعاً عن الربع الأول من العام 2017، وعلى الرغم من قيام الملك بإعادة البدلات لموظفي الدولة بنهاية شهر أبريل.ورأى أن تراجع أسعار النفط، وتخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعات النمو السعودي، بالإضافة إلى تخفيض وكالة فيتش للجدارة الائتمانية للمملكة، ألقت بظلالها على المؤشر.وأفاد التقرير أنه على الرغم من ذلك، تواصل البورصة السعودية، بالتعاون مع السلطات الرقابية، المضي قدماً في إصلاح وتحديث سوق الأوراق المالية، من أجل مواكبة المعايير الدولية وزيادة جاذبيتها للمستثمرين الأجانب، وتشمل التدابير الجديدة التي تم تطبيقها السماح بالبيع على المكشوف، في سابقة تعد الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، وتعديل آلية المقاصة لتسوية صفقات الأسهم بعد يومي عمل (T + 2)، وتطبيق أنظمة جديدة لصناديق الاستثمار العقارية (ريتس)، وفرض قيود أقل صرامة على استثمار المؤسسات المالية الأجنبية المؤهلة، وتخفيض ملكية الأصول تحت الإدارة بحيث لا تقل قيمتها عن مليار دولار فيما كانت في السابق خمسة مليارات دولار، كما فتحت التعديلات الباب أمام المستثمرين الأجانب، للاستحواذ على نسبة لا تزيد على 10 في المئة فيما كانت 5 في المئة سابقاً.وأضاف أن السلطات تأمل تطبيق تلك الإجراءات، ما سيساعد في انضمام البورصة السعودية لمؤشرات الأسواق الناشئة مثل مؤشر «مورغان ستانلي» للأسواق الناشئة ومؤشر فوتسي للأسهم العالمية، بحيث من المقرر ان يعلن «مورغان ستانلي» عن قراره بشأن انضمام المملكة للمؤشر خلال الشهر المقبل، في حين من المتوقع صدور قرار مؤشر «فوتسي» في سبتمبر المقبل.ولفت التقرير إلى الاستعدادات التي من الممكن ان يطلق عليها الحدث الفريد من نوعه، لتحقيق رؤية السعودية 2030، إلا وهو تخصيص شركة أرامكو السعودية، إذ يتوقع أن يتم طرح 5 في المئة من أسهم الشركة العملاقة في مجال الطاقة للاكتتاب العام أما خلال العام المقبل او بحلول العام 2019، ما سيؤدي لجمع 45 مليار دولار على الأقل من عوائد الاكتتاب (وفقاً لتقييم أرامكو بقيمة 900 مليار دولار ) لصندوق الاستثمارات العامة.قطاع التجزئة... نقطة ضعفذكر التقرير أن قطاع التجزئة والمستهلك مازال يمثل نقطة ضعف، بحيث ان أحدث المقاييس المتعلقة به مثل معاملات نقاط البيع وأجهزة السحب الآلي، ونمو ائتمان القطاع الخاص، ومؤشر مديري المشتريات، جميعها عوامل تشير إلى التحسن رغم ضعف الأنشطة.ورأى أنه من غير المتوقع أن يستمر انكماش الأسعار لما بعد النصف الأول من عام 2017، بحيث سيؤدي ارتفاع أسعار الطاقة وتطبيق الضرائب الانتقائية وضريبة القيمة المضافة (في عام 2018)، إلى دفع الأسعار نحو الارتفاع.تراجع التضخملفت إلى تراجع معدل نمو التضخم بشكل سلبي منذ بداية العام، إلى أن بلغ 0.6 في المئة على أساس سنوي في أبريل، إذ جاء هذا التراجع على خلفية ضعف الطلب الاستهلاكي وتراجع أسعار الأغذية العالمية والآثار القاعدية المتبقية من جراء خفض الدعوم في العام الماضي.وأفاد أنه كانعكاس إضافي على ضعف الطلب، اتجهت الأسعار العقارية أيضاً إلى الانخفاض وتراجعت بنحو 10 في المئة على أساس سنوي، إلا انه من المرجح ان يرتفع التضخم مستقبلاً بعد ان تقوم الحكومة بتفعيل الجولة الثانية من خفض دعوم الطاقة وقيام السلطات بفرض الضرائب الانتقائية على التبع والمأكولات والمنتجات السكرية في منتصف العام.وأفاد التقرير أن فرض ضريبة القيمة المضافة في عام 2018 بمعدل 5 في المئة، سيؤثر على الأسعار الاستهلاكية ويدفع بمعدل التضخم الرئيسي للارتفاع من المعدل المتوقع بنسبة 1.4 في المئة عام 2017، إلى 2.1 في المئة عام 2018.رجح التقرير أن يستمر عجز الموازنة السعودية الذي بدأ منذ عامين حتى عامي 2017 و2018، إلا أنه سيتراجع عن المستويات المرتفعة التي شهدتها موازنة العام الماضي بنسبة 16.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ليصل إلى 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2017، و3.7 في المئة عام 2018.وأضاف أن توقعات ارتفاع أسعار النفط خلال العامين المقبلين (بلوغ متوسط سعر مزيج برنت إلى 55 دولاراً للبرميل في 2017 و60 دولاراً للبرميل في 2018)، بالإضافة إلى استمرار برنامج التشديد المالي وتطبيق الإصلاحات الجديدة وفقاً لبرنامج التحول الوطني ورؤية 2030، تكمن جميعها خلف تلك الآفاق المستقبلية الإيجابية.وبين أنه استناداً على أرقام العام 2016، فقد تم تقليص إجمالي النفقات بواقع 16 في المئة من المستويات التاريخية التي بلغتها في العام 2014 بقيمة 1110 مليارات ريال، لتصل إلى 930 مليار ريال، لافتاً إلى تخفيض النفقات الرأسمالية من خلال إلغاء أو تأجيل مشروعات البنية التحتية غير الأساسية، ودعوم الطاقة والخدمات وإلغاء حوافز وبدلات موظفي الدولة، موضحاً أنه تمت إعادتها في أبريل الماضي بموجب مرسوم ملكي.
مشاركة :