أعلنت الكويت عن قيامها بدور الوساطة إثر وقوع الأزمة الحالية في الخليج، لإصلاح ذات البين بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي. وذكرت وكالة الأنباء الكويتية عن وزير خارجية الكويت، الشيخ صباح الخالد الصباح، تأكيده أن قطر مستعدة «لتفهم حقيقة قلق أشقائها في مجلس التعاون». وحتى هذا الوقت ينبغي أن يكون جلياً بالنسبة للدوحة، ما الذي يقلق دول الخليج، وهي الأسباب ذاتها التي أدت إلى تفجّر أزمة عام 2014. وهي تتمثل بما هو أبعد من مجرد دعمها لـ«الإخوان المسلمين»، وجميع أنواع الميليشيات الإسلامية. وإذا أخذنا اليمن على سبيل المثال، وبالضبط قبل 10 سنوات، أدى اتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة والحوثيين إلى وقف ما يعرف بحرب صعدة الرابعة، على اسم محافظة صعدة التي يعتبرها الحوثيون موطنهم. وكانت قطر هي التي توسطت لحل النزاع، إذ إن أميرها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني ذهب إلى اليمن بنفسه، حيث إن علاقته القوية مع إيران التي تتهمها الحكومة اليمنية بدعم الحوثيين، لعبت دوراً قوياً كي تمارس قطر هذا الدور. قطر تبدد ثروة أجيالها تحظى قطر بنفوذ لدى (الإخوان والحوثيين)، بفعل ما تبذله لكليهما من أموال. وتقول مصادر إن «الدعوات إلى اتخاذ موقف موحّد تجاه ما وصف باتهامات دول خليجية لقطر بدعم (الحوثيين والإخوان) في اليمن، بهدف زعزعة أمن دول الخليج والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، تؤكد صلة قطر بما يجري من محاولات لجمع القوى المعادية للمملكة على طاولة واحدة». سياسات قطر ألحقت أضراراً فادحة باليمن واليمنيين، وتسببت في إراقة الدماء وإزهاق الأرواح اليمنية بأموال قطرية. وأضافت المصادر أن «دولة قطر سخّرت أموال شعبها ومدخرات أجيالها لإثارة وزراعة الفتن في البلدان العربية، وفق أجندات مشبوهة». وحذرت من أن القضية تحتاج إلى وقفة حازمة من قبل كل القوى الحيّة ودول المنطقة، بما فيها الدول المتضررة من سياساتها وفي مقدمتها اليمن. وقالت المصادر إن «الخطوات الشجاعة التي اتخذتها السعودية والإمارات والبحرين، جاءت استشعاراً لخطورة السياسات المشبوهة لقطر على أمن المنطقة». وطالبت بوضع حد لمشروع تفتيت النسيج الاجتماعي والوطني للبلدان العربية، الذي بات يمثل أبرز التحديات الراهنة. وبحلول عام 2007 أخذت خطة السلام القطرية شكلها النهائي، وتضمنت نفي زعامات الحوثيين، أمثال عبدالملك الحوثي، وعبدالكريم الحوثي، وعبدالله الروزامي، إلى قطر بصورة مؤقتة، وتشكيل لجنة مشتركة قطرية يمنية وحوثية. ويبقى دعم الدوحة لـ«تنظيم القاعدة» في اليمن وسورية، وجميع أنواع الحركات المتطرفة في ليبيا و«الإخوان المسلمين»، وحتى حزب الله، مجرد جزء بسيط من الحكاية. ولم تستمر الاتفاقية القطرية كثيراً، وألقت مجموعات يمنية كثيرة، إضافة إلى الحكومة، باللوم على اتفاق قطر، لأنه ساوى بين المتطرفين والحكومة. وانسحبت قطر من الاتفاقية ولم تلتزم بوعودها التي قطعتها، والمتمثلة بالاستثمار في المناطق الأكثر تضرراً من الحرب. وكانت السياسة الخارجية لقطر إبان حكم الشيخ حمد توصف بأنها «الصداقة مع جميع اللاعبين»، قبل أن تبدأ الأمور تتكشف عندما فشلت العديد من مراهناته في منطقة الربيع العربي، وذلك عندما أقامت قطر اتفاقاً مع «الاخوان المسلمين» والمجموعات المتشددة المشابهة له، بعد خشيتها من تأثير هذه الجماعات على الداخل القطري. واستناداً إلى الاتفاق قدمت قطر الملاذ الآمن والمساعدات السخية لهذه المجموعات، مقابل أن تقدم لها ضمانات بعدم التدخل في شؤون قطر الداخلية. ومن بين المجموعات الإسلامية المتشددة التي وجدت الراحة لها في الدوحة «حركة طالبان» التي افتتحت مكتباً لها هناك، إضافة إلى يوسف القرضاوي، وخلال تسعينات القرن الماضي جاء خالد شيخ محمد، العقل المدبر لأحداث 11 سبتمبر. وخلال الربيع العربي راهنت قطر على الإطاحة بالعديد من الحكومات العربية، مفترضة أنه سيحل محلها المجموعات الإسلامية الأكثر تنظيماً من بقية الكيانات المعارضة الضعيفة وغير السياسية، وربما كان في ذهن القيادة القطرية ثورة الخميني التي أطاحت بشاه إيران، وأحلت مكانه ملالي إيران. وأما في اليمن فقد تمت ترجمة هذا الأسلوب بدعم كبير لجماعة الإصلاح، الذين يسيطر عليهم الفرع المحلي لـ«الإخوان المسلمين»، والذين شكلوا مجموعة إسلامية متطرفة لها تداخلات كثيرة مع «تنظيم القاعدة». ولاتزال مجموعة الإصلاح هي المعارضة الأكثر قوة في اليمن. ونتيجة الدعم المالي والسياسي والإعلامي القطري، لعبت مجموعة الإصلاح دوراً مهيمناً في الانتفاضات ضد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح. وقال صالح في خطاب شهير له عام 2011 قبل بضعة أشهر من توقيع الاتفاق الذي رعته دول مجلس التعاون الخليجي، لنقل السلطة: «نحن نحصل على شرعيتنا من الشعب اليمني وليس من قطر التي نرفض مبادراتها». ووجدت قطر نفسها في علاقة وثيقة مع قيادة ميليشيا الحوثيين، وفي الوقت ذاته كانت تدعم مجموعة الإصلاح، إضافة إلى «تنظيم القاعدة». وعندما اندلعت الأزمة الدبلوماسية الحالية سارعت قيادة الحوثي إلى الإعراب عن دعمها لقطر. ولطالما اتهم المخلوع صالح بأنه يغضّ الطرف عن «القاعدة» في الجزيرة العربية، في الوقت الذي يحصل فيه على الكثير من التبرعات الأميركية المخصصة لمكافحة الإرهاب، لكنه أعرب ذات مرة عن أن قطر طلبت منه ألّا يحارب «القاعدة»، ويترك للدوحة مجالاً للتوسط مع المجموعات الإرهابية. واستناداً إلى ما تقدم من علاقات قطر مع المتطرفين والمتشددين، وما يمكن ان يجره ذلك إلى المنطقة الخليجية، وقعت الأزمة الأخيرة التي تبدو فيها الدول الخليجية الأخرى قد طفح الكيل بها ولم يعد هناك مجال لأنصاف الحلول، الأمر الذي دفع دولة الإمارات إلى زيادة الضغوط على قطر، مؤكدة أن قرار الدول العربية بقطع العلاقات الدبلوماسية وعلاقات النقل مع الدوحة يمثل «فرصة ذهبية» للتعامل مع ما وصفته بأنه «الراعي الرئيس» للتطرف في المنطقة. وقامت كلٌ من السعودية والبحرين ومصر بما فعلته الإمارات منذ نحو أسبوعين، واتهمت قطر برعاية الإرهاب وافتعال أسوأ أزمة تحدث في الخليج منذ عقود. وقال وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، إن الإجراءات «القاسية» التي فرضت على قطر التي تنكر دعمها للإرهاب، كانت ضرورية لإرسال «دعوة لها لتستيقظ من غيّها وتغير سلوكها»، ولم ترسل الدول الأربع أي مطالب لقطر، لأنها أرادت أن تتلقى أولاً التزاماً منها بأنها ستغيّر من سلوكها. وقالت السعودية إن التحقيقات التي أجرتها تؤكد تورّط قطر في محاولة اغتيال الملك السعودي الراحل عبدالله، بمشاركة الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي الذي قرر عملية الاغتيال. من جهته، قال وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، إن الرياض تعتقد أن أحد الرجلين المتورطين في عملية الاغتيال التي دعمها القذافي تلقى التمويل من قطر، إضافة إلى تمويل ليبي. وأضاف: «هناك تفاصيل أخرى لا أستطيع الإفصاح عنها في الوقت الحاضر»، وقال الجبير إن الرياض وحلفاءها عاكفون على إعداد قائمة بالمظالم التي سترسل إلى الدوحة قريباً. ولطالما استخدمت قطر، التي تعتبر أكبر مصدر للغاز في العالم، ثروتها الضخمة لتنفيذ سياستها الخارجية ولدعم المجموعات المتطرفة جهاراً نهاراً، بمن فيهم «الإخوان المسلمين» وحركة حماس. وهي تستضيف أكبر قاعدة أميركية عسكرية في الشرق الأوسط هي قاعدة العيديد التي تضم نحو 11 الف جندي أميركي، إلا أن قطر كانت تؤكد دائماً أنها وسيط محايد. ولكن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انضم إلى الدول العربية قبل أيام عندما اتهم قطر بأنها تمول الإرهاب «على أعلى المستويات». وقال قرقاش إن أحد أسباب توقيت اتخاذ قرار لعزل قطر يرجع إلى وجود إدارة أميركية في البيت الأبيض تعتبر محاربة الإرهاب من أهم أولوياتها.
مشاركة :