البدر الشيعي يكتمل قريبا والأنبار ضحيته الجديدة هارون محمد استغرب رئيس الحكومة حيدر العبادي في لقاء مع إعلاميين وأكاديميين، الأحد الماضي، عزوف قوات الحشد الشعبي عن إكمال تحرير مناطق محيط قضاء تلعفر، وتوجهها إلى مناطق أخرى، يقصد الحدود العراقية السورية، قائلا “لقد أصدرت أمرا إليها قبل أربعة شهور وطلبت منها إنجاز تطهير تلك المناطق، ولكنها لم تستجب للخطة الموضوعة وانتقلت إلى محاور أخرى”. والمثير في الأمر، أن هذا التصريح المعلن رغم خطورة ما جاء فيه، وما تضمنه من اعتراف بوجود شرخ بين القائد العام للقوات المسلحة وبين قوات الحشد التي تخضع رسميا وقانونيا له، لم تلتفت إليه وسائل الإعلام المحلية ولم تتناوله بشيء من التحليل أو العرض، ويبدو أنها باتت تخشى الميليشيات المتنفذة في بغداد التي وقف أحد قادتها، قيس الخزعلي، وأعلن في احتفال عام أن الحشد لن يغفر لمن يسيء إليه أو ينتقص من دوره ورموزه، معترفا بملء الفم أن العصائب التي يرأسها هي التي اختطفت الإعلامية أفراح شوقي ومن بعدها النشطاء السبعة، وكان بمقدورها تصفيتهم ولكنها أفرجت عنهم بعد أن حققت معهم وحذرتهم مما أسماه التطاول على الحشد المقدس مستقبلا، بينما تسابقت الصحف والقنوات الفضائية في نقل تصريحات مرتبكة أطلقها القيادي في الحشد معين الكاظمي ردا على تساؤلات العبادي قال فيها إن تأخر اقتحام قضاء تلعفر دفع الحشد الشعبي إلى تحرير القيروان والحضر والبعاج، وصولا إلى الحدود السورية، رغم أن رئيس الحكومة لم يقصد اقتحام مركز القضاء، وإنما ركز على محيطه الذي يخترقه من الجنوب، الطريق البري الدولي الرابط بين الموصل والحدود السورية، وهو ما أوضحه العبادي في تصريحه الذي قال فيه بالنص “إن قوات الحشد الشعبي لم تنفذ الخطة المتفق عليها التي تتضمن تحرير المناطق المحيطة بقضاء تلعفر حيث صدرت إليها الأوامر بذلك منذ أربعة شهور لقطع إمدادات داعش من سوريا”. وواضح أن قرار تحرك فصائل الحشد نحو منـاطق الحدود العراقية السورية، لم يأت من بغـداد ولم يكن من ضمن الخطة المتفق عليها باعتراف رئيس الحكومة العراقية، وإنما جاء من مكان آخر، لا يحتاج المرء إلى عناء أو تفكير لمعرفته، وهنا تبرز حقيقة الحشد الشعبي وأجندته الإيرانية، في إيجاد طريـق أو ممر سـالك، ليست فيـه مشاكل كثيرة مثل طريق الموصل- تلعفر- سنجار- سوريا الذي ما زال مسلحو داعش يسيطرون على أجزاء منه، فالخطة الإيرانية التي بدأت ملامحها تتضح تقوم على مسك الحدود مع سوريا انطلاقا من أراضي قضاء البعاج التابع للموصل، نزولا إلى قضـاء القائم في محافظة الأنبـار، وعند السيطرة على هذا القضـاء المواجـه لدير الزور السورية، فإن الطريق يصبح مفتوحا إلى عكاشات (مدينة الفـوسفات والكبريت)، والاستيـلاء على معبري الوليد مع سوريا وطريبيل مع الأردن، وصولا إلى شمال السعودية، وهذا يعني أن إيران ستكـون ليست المتحكمة بالمثلث العراقي السوري الأردني فقط، وإنما جارة شمالية للسعودية أيضا. وبالتأكيد فإن إيران وهي تراقب تخبط واشنطن في سوريا وتفرجها في العراق، استغلت ذلك وأوعزت إلى قوات الحشد بتغيير مسار المعركة من جنوب تلعفر، إلى التوجه للمدن الرخوة على خط الحدود العراقية السورية، مما يسهل عليها إحداث اختراق جغرافي عريض وآمن نسبيا، بين محافظتي الموصل والأنبار، والسيطرة على المعابر والمنافذ الحدودية مع سوريا والأردن، وهو ما يتيح لها ربط غربي العراق بشرقي سوريا، دون وجود عوائق حقيقية على الأرض، فقوات الحدود العراقية مشلولة ووحدات الجيش السوري والميليشيات في الجانب الآخر نشطة، وباتت قريبة من خط الحدود مع العراق. وعندما حذرنا في أكثر من مناسبة وقلنا وكتبنا، بأن الحشد الشعبي ليس عراقيا إلا بالاسم، وأن فصائله جميعها، باستثناء سرايا السلام الصدرية وهي صغيرة ومحدودة الانتشار في سامراء تحديدا ومهمتها حماية زوار الإمامين العسكريين حصرا، تخضع لخطط وتوجيهات الجنرال الإيراني قاسم سليماني، فإننا كنا نتابع تحركات قوات الحشد ميدانيا، ولاحظنا أنها لا تستهدف قتال داعش في المقام الأول، بقدر قتلها أكبر عدد من سكان المدن والمحافظات السنية وتخريبها وتحويلها إلى مناطق لا تصلح للعيش الآدمي والزراعة والصناعة مستقبلا، وهذا ما حدث في بيجي والدور وسامراء والصينية والبوعجيل والشرقاط في محافظة صلاح الدين، وكما حصل في القيارة وحمام العليل والحضر، ويحصل حاليا في الموصل التي دمر جانبها الأيمن وهو الأكبر سكانا بالكامل، والبيت أو المرفق الذي ينجو من تخريب داعش، تُجهز عليه قوات الشرطة الاتحادية والرد السريع بقذائفها الثقيلة، والمأساة مستمرة وهي في طور الانتقال إلى الأنبار. تخرب أكبر محافظتين عراقيتين، الموصل حاليا والأنبار قريبا، وقبلهما شطبت محافظتا ديإلى وصلاح الدين من الخارطة العربية في العراق، مع تحول بغداد العباسية إلى بؤرة عصائبية وبدرية وكتائبية وتسميات أخرى لا نذكرها لأنها تشوه الأئمة، ويتحكم في هذه الحاضرة وسيدة المدن، أشباه رجال ولا رجال، كل ذلك من أجل سواد عيني خامنئي الدامعتين دوما من رماد الحقد على العرب والإسلام المحمدي، لتحقيق حلمه في البدر الشيعي الذي يمهد لعودة الإمبراطورية الكسروية، ويتم سحق عرب العراق وسوريا ولبنان واليمن، وتحاصر الجزيرة العربية والخليج، ونحن لا نملك غير التوجع وإطلاق الحسرات، بينما قاسم سليماني يحتقرنا ويتجول في كربلاء مزهوا، وقبلها سرح ومرح في ديإلى وصلاح الدين وغربي الموصل واثق الخطوة يمشي ملكا، وغدا سنشاهده في القائم والرطبة وطريبيل في نزهة ليلية ومنظاره العسكري المكبر مصوب نحو دول الجوار العربي، ولا أحد يقول له قف أو يسأله “سر الليل”؟ كاتب عراقي
مشاركة :