وثيقة التحالف الشيعي لا تصلح للمصالحات الوطنية بقلم: هارون محمد

  • 11/3/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أثبتت الأحداث السياسية على امتداد أكثر من 13 عاما، أن معاداة القوى السنية المناهضة للاحتلال، والمعارضة لتفرد الأحزاب الشيعية بالسلطة، واستمرار حظر حزب البعث، لن تسفر عن استقرار للبلاد حتى لو قدمت العشرات من وثائق المصالحة الورقية. العربهارون محمد [نُشرفي2016/11/03، العدد: 10444، ص(8)] منذ شهرين، يلوّح رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم بمبادرة سياسية يصفها أنصاره وحلفاؤه، بأنها تمثل “تسوية تاريخية” بين المكونات العراقية الثلاثة (الشيعة والسنة والأكراد)، ستكون الأولى من نوعها منذ عام 2003، مع إشارات إلى أن الأمم المتحدة مستعدة لحمايتها وضمان تنفيذ بنودها، ومعاقبة أي طرف داخلي أو خارجي يحاول عرقلتها، والفقرة الأخيرة تثير الشكوك، لأن المنظمة الدولية غير قادرة على معاقبة إيران أو منع تدخلها في أي تسوية أو مبادرة سياسية، يكون التحالف الوطني (الشيعي) طرفا فيها. ووفق مـا سمعنا وقرأنا، فإن الوثيقة التي يسعى عمار الحكيم إلى تسويقها، تعتمد على وثيقة سابقة، كان مجلسه قد أصدرها في العـام المـاضي، يقـال إنهـا تحظى الآن بقبول من كل الأطراف الشيعية، بما فيها التيار الصدري الذي قاطع اجتماعات التحالف الشيعي مؤقتا وعاد إليها مؤخرا. والغريب في الوثيقة الشيعية، أنها أوْكلت إلى الأمم المتحدة مهمة تقديم جهة أو جبهة (سُنية موحدة) للتوقيع عليها، وتعهد المنظمة الدولية في الحصول على موافقة دول إقليمية سُنية بشأنها، وهذا لغم طائفي جديد، يجمع بين “التقية” المعروفة في العقائد الشيعية (تظهر خلاف ما تخفي)، وبين الإصرار على تهميش السنة العرب سياسيا واجتماعيا، وسلب إرادتهم ومصادرة خياراتهم، بقوانين الاجتثاث وعقوبات “4 إرهاب” التي شرعها نوري المالكي وخصصها للإيقاع بالسنة العرب فقط، بحيث صار كل سني متهما حتى لو ثبتت براءته. واضح أن ربط السنة العرب وحدهم بشباك الأمم المتحدة بحيث تكون هي الممثلة لهم، والمسؤولة عن جمع ممثلين عنهم ليوقعوا على الوثيقة الشيعية، يحمل دلالات غير نزيهة قطعا، تلحق أضرارا بالغة بالجمهور السني في العراق، وخنق تطلعاته وتكريس التسلط عليه، لأن الأمم المتحدة كمنظمة دولية اعترفت بالحكومات العراقية المتعاقبة من ضمنها حكومة التحالف الشيعي الحالية برئاسة القيادي في حزب الدعوة حيدر العبادي، وتتعامل معها رسميا وسياسيا ودبلوماسيا، وهذا يتيح لقادة الأحزاب والكتل الشيعية وهم أصحاب النفوذ والقرار في الحكومات المشكلة منذ أبريل 2003، فرض آرائهم على الأمم المتحدة، الملزمة دوليا بتنفيذها واتخاذ التوصيات والقرارات بشأنها. نعم مطلوب أن تلعب الأمم المتحدة دورا حيويا وجادا ونزيها في العراق، في كل العراق، ولا ضير من تدويل القضايا العراقية الملتبسة والخلافية، ولو كانت الوثيقة التي يروج لها عمار، صافية النية وصادقة الأهداف، لكان صاحبها ومن يقف وراءها، قد حولها إلى المنظمة الدولية بالكامل، لتكون مظلة لها وضامنة لتنفيذ بنودها بعد تهذيبها من عيوبها السياسية وثغراتها الطائفية، عبر مشاركة خبراء دوليين نجحوا في مناسبات سابقة، في وضع أسس مقبولة لمصالحات وتسويات في دول شهدت صراعات وحروبا وأزمات داخلية. لا نغالي إذا توقعنا الفشل لـ”مبادرة” التحالف الشيعي، ومصيرها سيكون مثل مصير سابقاتها التي كانت على شاكلتها، لسبب بسيط جدا يتمثل، في أن التحالف (صاحبها) غيـر مـؤهل سيـاسيا لتبني مبادرة وطنية عراقية سليمة في طبيعتها وأهدافها، وأن مروجها الحكيم لا يصلح أصلا لقيادة مشروع مصـالحة ينخرط فيه الشيعـة والسنة العرب والأكراد، بتوازن وتكافؤ، لأنه مازال رئيس مجلس طائفي بامتياز مهما حاول تجميل صورته، خاصة بعدما أضاف إليه مؤخرا رئاسة تحالف هو الآخر طائفي النزعة والسلوك والخطاب، يرتهن للإرادة الإيرانية التي تتحكم في شؤون العراق، وتحتضن البيت الشيعي بأحزابه وكتله وميليشياته، وتعلن على الدوام أنها مسؤولة عن الشيعة في العراق وكل مكان على الكرة الأرضية، مقلدة بذلك إسرائيل التي تعدُّ اليهود في جميع دول العالم من رعاياها. إن تصريحات الحكيم الأخيرة بـ“ضرورة إعادة الثقة بين المكونات والقوى السياسية وصولا إلى تسوية وطنية وفق مشروع سياسي جامع”، كلام لا معنى له غير ترسيخ المحاصصة السائدة منذ عام 2003 وخاصة في إشارته إلى “القوى السياسية” التي يقصد بها الأطراف والكتل الحالية المشاركة في العملية السياسية، وهي على كثرة عناوينها، لا تمثل في الواقع كامل الشعب العراقي وإنما جزءا منه، وثبت ذلك في نسب المشاركة في الانتخابات النيابية التي جرت على مدى السنوات الـ12 الماضية. وفي التقييم الموضوعي لوثيقة عمار، لا بد من ملاحظة أنها تعبر عن رؤية ومنهج الأحزاب والكتل الشيعية، وهو ما اعترف به النائب عن المجلس الأعلى فادي الشمري، الذي قال إن المبادرة، أقرت داخل الهيئة القيادية والسياسية للتحالف الوطني (الشيعي) كمـا تم عرضها على اجتماع لهيئته العامة، وليس صحيحا ما صرح به النائب عن الحزب الإسلامي عبدالعظيم العجمان في معرض تعليقه عليها، بأن الكرة الآن في ملعب السُنّة، فمثل هذا الكلام مجرد نفاق لقادة الأحزاب الشيعية، في حين كان زميله الشيعي الشمـري أفصح منه، عندما أكد أن الوثيقة المقترحة تستثني حزب البعث وما أسماها بجماعات الإرهاب، والعبارة الأخيرة يستخدمها التحالف الشيعي ضد الأطراف السياسية السنية المعارضة وضمنها الفصائل التي قاومت الاحتلال الأميركي. لقد أثبتت الأحداث السياسية على امتداد أكثر من ثلاثة عشر عاما، أن معاداة القوى السنية المناهضة للاحتلال، والمعارضة لتفرد الأحزاب الشيعية بالسلطة، واستمرار حظر حزب البعث، وإبعاد القادة العسكريين الأكفاء عن الجيش والشرطة، وتغييب دور المثقفين والمفكرين والعلماء الوطنيين في البناء والتنمية، لن تسفر عن استقرار للبلاد حتى لـو قدمت العشرات مـن وثـائق المصالحة الورقية والمئات من المبادرات الصوتية، ما دامت قوانين الاجتثاث سارية وتشريعات تهميش السنة قائمة، والميليشيات الشيعية فاعلة وتفرّخ قتلة ولصوصا في المحافظات السنية، والتداول السلمي للحكم مات وشبع موتا، وبالتالي فإن وثيقة البيت الشيعي وحاملها الحكيم، لن تجد من يعترف بها أو يتعاطى معها من ممثلي السنة العرب الفعليين، ونصيحة لوجه الله ندعو عمارا إلى تنقيعها في ماء فاتر وشربه على الريق. كاتب عراقي هارون محمد :: مقالات أخرى لـ هارون محمد وثيقة التحالف الشيعي لا تصلح للمصالحات الوطنية, 2016/11/03 إعادة الصدر إلى بيت الطاعة.. الهلال الشيعي يتقدم, 2016/10/27 مرحلة ما بعد تحرير الموصل.. الضمانات والتداعيات, 2016/10/20 العبادي بين مطرقة المالكي وسندان الميليشيات , 2016/10/13 القزويني والحمامي نموذجان لسيادة الخرافة وهزيمة الثقافة بالعراق, 2016/10/06 أرشيف الكاتب

مشاركة :