حياة الإرهابي في «غرابيب سود»

  • 6/22/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

قد لا يحمل «غرابيب سود» للمشاهد معلومات لا يعرفها عن «داعش» أو عن الجماعات الإرهابية عموماً، فتلك تطفح بها نشرات الأخبار في الفضائيات العربية على اختلافها، لكنّ الأهم في تقديرنا ما تتيحه الدراما من فرصة لرؤية تلك الممارسات الإرهابية الشاذة وغير المسبوقة في سياقات حدثية اجتماعية تغفل عنها النشرات الإخبارية بحكم طبيعتها ووظيفتها. هكذا يمكن رؤية «غرابيب سود» من حدقة واقعية تستعيد موقع الإرهابي في المجتمع ومجموع علاقاته ونظرته الى الآخرين والعوامل التي تحكمها. من الأهمية ملاحظة «العالم الآخر» لحياة الإرهابي في «الخطوط الخلفية»، أعني في البيت ومع الأصدقاء أو إن شئنا الدقة الشركاء في النشاط الإرهابي. أتحدث هنا عن «المجتمع الصغير» الذي يؤلفه الإرهابيون كأفراد في اجتماعهم وفي حضور عائلاتهم وكيف يعيشون تلك الحياة «القلقة»، التي تتأرجح بين حدّي تقديس الموت من جهة والنهم المحموم لإشباع رغبات بشرية دنيوية تقع في المعلن من خطابهم في الحيز المرذول والمنهي عنه، بل والذي يشكل اقتراب الآخرين منها سبباً كافياً لإيقاع أقسى العقوبات بهم كما هي الحال بالنسبة الى الجنس والمال . تبدو «بشرية» الإرهابي وحتى «إنسانيته» في حالتي الجنس والمال، وقد تمّ تصعيدها الى الحدود القصوى التي تجعلها فعلاً بالغة القسوة وممزوجة بما يشبه القتل ويقاربه. نعثر في «غرابيب سود» على علاقات هي أقرب الى اللذة منها الى الحب، فاللذة سريعة، زائلة وتسهل استعادتها في صورة مستمرة، فيما الحب «إكسير» بالغ الخطورة بل هو نقيض الإرهاب القادر على خلخلة «إيمان» الإرهابي بما يقوم به. هي حياة تبدو فيها المرأة جارية للذة وما يفيض يمكنها صرفه في الأعمال المنزلية وشؤون خدمة الزوج. «غرابيب سود» أضاء جوانب مهمة من ذلك، وهي جوانب غير مرئية في نشرات الأخبار وما يتصل بها من برامج إخبارية تحليلية تذهب عادة نحو الفعل الإرهابي، الساخن والناضح بالدم. لكنّ الدراما، إذ تلتقط تلك الجرائم، تعيدها الى «حاضنتها» الإنسانية الشاذة، المثقلة بالقسوة الى حدود الفجيعة. قد تأتي المشاهد الدرامية قوية حيناً وقاصرة حيناً آخر. لكنها نجحت عموماً في إشراك المشاهد في تشكيل صورة حياة لبشر نندهش حين نتذكر كل مرة أن كثراً منهم عاشوا بيننا ولم نحدق فيهم جيداً.

مشاركة :