التسوق القهري.. عندما يتحول الشراء إلى إدمانتفحُص الأجهزة الإلكترونية الجديدة، البحث في رفوف الملابس وشراء الأشياء عبر الإنترنت من خلال بضع نقرات، قد يجعل التسوق أمرا مسليا وهو ليس مضرا لأغلب الأشخاص، إلا أنه يمكن أن يؤدي بالبعض إلى الإنفاق المتهور الذي يخرج عن السيطرة.العرب [نُشر في 2017/06/22، العدد: 10671، ص(21)]الإدمان على التسوق يصعب التخلص منه برلين - يشتري مدمنو التسوق أشياء لن يستخدمونها وينتهي بهم الحال إلى جمع كميات هائلة من مفردات ليست ذات نفع. وتحدث مشكلة أكثر خطورة عندما تتراكم عليهم الديون وينتهي الحال بهؤلاء الأشخاص بالانكفاء على أنفسهم، دون وظيفة أو شريك أو أصدقاء. ويحتاج الأشخاص الذين يعانون من سلوك تسوق مرضي إلى الدعم، بحسب البروفيسور نينا رومانتشوك-زايفرت، كبيرة الأطباء النفسيين في مستوصف الطب النفسي والعلاج النفسي في مستشفى شاريته الجامعي في برلين. غير أنه قبل أن ينالوا المساعدة، يحتاج المرضى إلى الاعتراف بأن انغماسهم السابق غير المضر يوما في التسوق أصبح إدمانا. ويعد الشراء القهري أحد عدة أشكال من الإدمان ليست ذات صلة بمواد معينة. وعلى عكس إدمان المخدرات مثلا، لا يشتهي الشخص المصاب مادة مثل الكوكايين أو الكحول، ولكن بالأحرى نشاطا. غير أن الآليات مماثلة إلى حد كبير، بحسب الأستاذ أستريد مولر من عيادة الأمراض النفسية الجسدية والعلاج النفسي في كلية طب هانوفر. وفي الحالتين، ينشط نظام مكافآت عندما يواجه المدمن ما يدمنه، سواء أكان قنينة نبيذ أو حذاء جديدا. وحتى الآن هناك شكل واحد من أشكال الإدمان غير مرتبط بمادة معترف بها رسميا كمرض وهي إدمان القمار.المصابون بالشراء القهري في حاجة إلى تعلم كيفية السيطرة على الاندفاعات واستدامة هذه السيطرة طوال حياتهم ومن الصعب تحديد عدد الأشخاص الذين يعانون من هذه المشكلة، نظرا لأنه بين أشياء أخرى من الصعب تحديد اللحظة التي يصبح فيها من يعاني من الشراء القهري مدمنا. وأظهر تحليل مستند إلى دراسات من عدة دول أن هناك في المتوسط نحو 5 بالمئة من السكان يعانون من الشراء القهري. ويقول الأستاذ كارل كولمان الذي أجرى بحثا عن الشراء القهري لصالح غرفة العمل النمساوية (أربياتركامر)، إن الكثيرين يسعون لتخفيف الضغط الذي يتولد في نهاية يوم عمل مجهد بمكافأة أنفسهم بشراء سترة جديدة. ويضيف أن الاستهلاك هو أبسط شكل من أشكال الدواء عندما يتعلق الأمر بالتعويض عن إحباطات الحياة اليومية. هذه ليست المشكلة في حد ذاتها ولكن الأشخاص المصابين بالشراء القهري يفقدون السيطرة على هذه الآلية. وتتعزز هذه الظاهرة بالخيار الإضافي للتسوق عبر الإنترنت، دون أن يراك أحد وبنقرة على الفأرة ودون دفع نقدي. يجعل التسوق عبر شاشات التلفزيون وتصفح الكتالوغات والبيع عبر الإنترنت المنتجات متوفرة في أي وقت وفي موعد تسليم قصير للغاية. ويقول مولر إنه “على عكس مدمن المخدرات، المصاب بالشراء القهري لا يبدو عليه أبدا أنه في هيئة سيئة”. وعادة ما يكون العكس تماما، فإنهم يميلون للتأنق في الملبس، ولكن هؤلاء المحيطون بالمرضى غالبا ما يعتقدون أنهم ضعيفو الإرادة وهي وصمة مؤلمة. وأول شيء يتعين على المدمنين فعله في العلاج هو رؤية ما هي المواقف التي تثير عمليات الشراء الخارج عن السيطرة. ويقول مولر إننا ننصح المريض “بالبحث عن طرق أخرى لمكافأة النفس غير شراء قطعة ملابس مثلا غير ضرورية”. وتماما مثل المدمنين الآخرين، لا يشفى المصابون بالشراء القهري بالكامل. إنهم بحاجة إلى تعلم كيفية السيطرة على الاندفاعات واستدامة هذه السيطرة طوال حياتهم. وأظهرت دراسة نرويجية ميول بعض الناس للإصابة بالإدمان على التسوق والاعتماد عليه لتحسين المزاج، وتعتبر هذه الحالة أكثر شيوعا لدى النساء. وقالت سيسيلي شوا آندرساسين من جامعة بيرغن في النرويج “لقد جعلت التكنولوجيا الحديثة التسوق متاحا للجميع بطريقة مريحة، مع فرصة كبيرة لتفاقم المشكلة لأبعاد أخرى، خصوصا بسبب العولمة مثل وسائل الإعلام الاجتماعي وبطاقات الائتمان والتسوق المتطور”. وأوضحت آندرساسين قائلة “يعتبر هذا النوع من الإدمان على التسوق أكثر شيوعا بين النساء، وغالبا ما يبدأ في مرحلة المراهقة المتأخرة وبداية النضوج، ثم يتراجع مع التقدم في السن”. كما توصلت الدراسة إلى أن الإدمان على التسوق يرتبط ببعض سمات الشخصية الأساسية. وذكرت آندرساسين أن “المنفتحين اجتماعيا يستخدمون التسوق للتعبير عن تفردهم وتحسين مركزهم الاجتماعي وجاذبيتهم الشخصية، بينما الأشخاص المصابون بالقلق العصابي، الذين يتميزون عادة بالقلق والاكتئاب والوعي الذاتي، قد يستخدمون التسوق لخفض المشاعر السلبية”.الأشخاص الذين يملكون ضميرا يقظا ومحفزات فكرية جديدة هم الأقل عرضة لخطر الإدمان على التسوق، لأنهم يعتبرون أن التسوق نشاط تقليدي في يختلف مع قيمهم غير التقليدية هذا وقالت الدراسة إن الأشخاص الذين يملكون ضميرا يقظا ومحفزات فكرية جديدة هم الأقل عرضة لخطر الإدمان على التسوق، لأنهم يعتبرون أن التسوق نشاط تقليدي في يختلف مع قيمهم غير التقليدية. ومن جانبها قالت الجمعية الألمانية للطب “النفسجسدي” والعلاج النفسي إن إدمان التسوق غالبا ما يكون مؤشرا على أحد الأمراض النفسية كالاكتئاب مثلا. وأوضحت الجمعية أن مدمني التسوق عادة ما يشعرون بالسعادة والنشوة لفترة قصيرة بعد التسوق، ثم ينتابهم بعدها مباشرة إِحساس بالندم وتأنيب الضمير، مع إهمال المشتريات في ما بعد. وفي الكثير من الأحيان تكون الرغبة القهرية في التسوق مسبوقة بإحدى مراحل الاكتئاب أو الشعور بالتوتر أو الملل، إذ يساعد التسوق على التخلص من هذه المشاعر لوقت قصير. وأضافت الجمعية أن الأمر يستغرق وقتا طويلا حتى يتم البدء في تلقي العلاج النفسي، وحينها يكون المرء قد تورط بالفعل في بعض المشاكل الاجتماعية والمالية والقانونية. لذلك شددت على ضرورة التوجه إلى الطبيب النفسي فور إدراك أن شغف التسوق يحركه سلوك قهري. وأكدت كيت يارو المتخصصة في علم نفس المستهلك في سان فرانسيسكو ومؤلفة كتاب “فك رموز العقل الجديد للمستهلك” أن الإنسان في اللحظة التي يقرر فيها الشراء، يشعر بالراحة، وتتدفق المشاعر الإيجابية لديه، ولكن بعد ذلك، وعلى غرار مدمن المخدرات أو الكحول، فالمشاعر العميقة بالذنب بعد الانغماس فيه، يكون من الصعب عليه التعافي منها.
مشاركة :