في فترة حكم "الرئيس السيسي" التي دخلت عامها الرابع والأخير، كانت هناك حوادث دالة على طبيعة الرجل، وطبيعة النظام الحاكم الذي يديره ويحكم به، ويحكم من خلاله. فمثلاً قد كشفت معالجة النظام الإعلامية والسياسية لانقلاب الجمعة (15 يوليو/تموز) الفاشل الذي حدث في تركيا عن المعسكر الذي أوقف فيه "السيسي" مصر والشركاء الذين يشاركهم النظام أهدافهم بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط، ولكن الأهم الذي كشفه موقف السيسي من الانقلاب الفاشل الذي حدث في تركيا: هو أن اختيارات النظام في مصر ليست في صالح المصريين، وأنها في صالح الحلفاء الدوليين للنظام، وهو الأمر الذي يكشف التباين في المصالح والأهداف ما بين النظام الحاكم وعموم المصريين، وأن نظام الحكم في مصر لم يتغير منذ يوليو/تموز 1952 وحتى الآن. نفس المعالجات الدعائية فقط ولا تتجاوز هذا، ونفس الأهواء الشخصية والمزاجية في مواقف حاكم الدولة المصرية، في الهيئات والمحافل الدولية، ونفس المعالجات الأمنية والسطحية لمشاكل الدولة المصرية، فيما يخص تعامل السلطة مع مواطنيها، في الداخل وفي الخارج، رغم ما جرى من تطورات على الحياة السياسية والإنسانية والعلاقات الدولية، لكل دول هيئة الأمم المتحدة منذ تأسيس المنظمة الدولية في عام 1945 وإلى الآن. إن مصر تُدار الآن بعقلية مَن يوشك على الإغماء، وفي لحظات ما قبل فقدان الوعي تأتي القرارات، فبينما كان الرئيس السيسي يحظى باستقبال غير لائق في "رواندا" أثناء حضوره للمشاركة في القمة الإفريقية، مما كان يعكس تحولاً في مكانة مصر الإفريقية، ويكشف التأثير الإسرائيلي المتنامي على حساب مصر هناك، كان مندوب مصر منفرداً من بين الدول الـ15 أعضاء مجلس الأمن يعيق قراراً دولياً يدين أعمال الانقلاب ضد الحكومة المنتخبة في تركيا. وبينما يتوسع نظام الرئيس السيسي في إقحام مصر في عداوات دولية جديدة بالموقف المخاصم لنظام الرئيس التركي "أردوغان"، فلم يفلح النظام في معالجة أزمة ساخنة، مشتعلة بينه وبين الدولة الإيطالية، سببها مقتل الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني في القاهرة" في فبراير/شباط 2016، وقد عجز النظام كله عن تقديم تفسير مقبول للدولة الإيطالية والاتحاد الأوروبي المعني بالشأن أيضاً، حول ملابسات الجريمة، التي يفترض السيناريو "الإيطالي" أن الأجهزة الأمنية الرسمية المصرية متورطة في الحادث. إن كل يوم جديد في عمر نظام الحكم في مصر يصنع فيه النظام أزمة دولية جديدة أو تنازلاً عن السيادة المصرية عن جزء من أرض الوطن، أو يصنع اتفاقاً مجحفاً للدولة أو معاناة جديدة للشعب. وكل يوم جديد في إدارة السلطة الحالية، تصنع فيه هذه السلطة مزيداً من معاناة المصريين، بمزيد من إجراءات الجباية والتوزيع غير العادل للثروة المصرية، وبمزيد من ارتفاع الدين المحلي والخارجي للحكومة ليصل إلى أرقام غير مسبوقة، بما سينعكس على الخدمات المقدمة للمصريين، وربما تلجأ الحكومة لو استمرت في الحكم أكثر من هذا إلى إعلان إفلاس الدولة المصرية. وفي ظل ارتباك الأمر إلى حد المقامرة السياسية واستخدام الحيل والخداع الإعلامي، في مواجهة الأزمات، فإن النظام يسمح لمجموعة من المأجورين والعابثين بالتحرك من "حِجْره" وادعاء الحديث باسمه، بل والمشاركة في خطط النظام التي توئِد الحريات العامة والعدالة الاجتماعية، بل والسيادة الوطنية على أراضي الدولة المصرية. ومن العجيب أن يترك نظام الحكم في مصر مشاكل مصر، والمشاكل التي ترتبت على تفريطه في جزء هام من أرض مصر ويلجأ النظام، في محاولته التغطية على هذه الإخفاقات "الوطنية" بمكايدة دولة أخرى والادعاء بأنها وراء أزمات تحدث في مصر، وهذه المحاولات في صرف الانتباه وفي خلق عدو وهمي، ما نجحت في الماضي، عندما استخدمها الرئيس جمال عبد الناصر وعندما استخدمها الرئيس السادات. وقد كانت المحاولات الشبيهة خاسرة بالنسبة لمن قاموا بها من الحكام في مصر وبالنسبة للدولة المصرية، فمثلاً عندما استضاف جمال عبد الناصر في ديسمبر/كانون الأول 1966 الملك المخلوع "سعود بن عبد العزيز" نكاية في أخيه الملك "فيصل"، وقد كان سعود يناصب "عبد الناصر" العداء قبلاً، ولكن عندما خلعه أخوه "فيصل" عن العرش في نهاية عام 1964 فقد حاول عبد الناصر بعد ذلك الاستفادة من عداء "الأخوين" في عام 1967، وقد حاول جمال عبد الناصر عن طريق أموال سعود وتأثيره على القبائل في "جيزان ونجران" أن يقوم بعملية غزو عسكرية إلى الأراضي "السعودية"، ووفق مذكرات "صلاح نصر" رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية في ذاك الوقت، فقد كانت هذه المحاولات تبديداً لجهود وإمكانات الدولة المصرية، وقد أسهمت من ضمن أسباب أخرى في تعميق هزيمة عبد الناصر ونظامه في حرب يونيو/حزيران عام 1967. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :