حوكمة الخطاب الديني في مواجهة الإرهاب

  • 6/22/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

تستوجب محاربة ظاهرة الإرهاب في العالم العربي فهم طبيعة التحولات الكبرى التي تحدث إقليمياً ودولياً، ناهيك بالأوضاع الداخلية المتردية اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، في العديد من البلدان العربية والإسلامية. وغير خافٍ أن الاستراتيجيات الأمنية لمكافحة الإرهاب، نجحت في تحقيق الكثير من أهدافها على المستوى الوطني، لكنها تحتاج إلى ما يدعمها في مواجهة فكرية عالمية ملائمة، وهو الغائب في الاستراتيجيات العربية مجتمعة. وأكد أنطوني كوردسمان أن قيام ما أطلق عليه النظام العالمي الجديد أدى إلى ظهور جيل جديد يتسم بدرجة شديدة من الانحراف الفكري. وتكاد تتشابه حال التطرف في منشأ واحد هو الإحساس بالاغتراب الذي يمهد للانحراف الفكري، وهو ما تتعدد منطلقاته ومظاهره بالتشدد والابتعاد من الوسطية وصولاً إلى التطرف، ومن أهم مظاهره المؤدية إلى الإرهاب: التكفير، الغلو في الدين، التشبع بثقافة مضللة للجهاد، تنزيل الأحكام الشرعية في غير مواضعها، تبني أو ترويج الفتاوى التحريضية، والتجرؤ على الفتوى بغير علم وغير ذلك من المظاهر. ويمكن التعرف الى طبيعة العناصر المنضمين الى التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «داعش»، من خلال رصد مراحل تشكيلها الأولى. وهم في غالبيتهم من الذين لم يكونوا تعرضوا سابقاً للأفكار الجهادية العالمية، فضلاً عن قدامى المتشبعين بأيديولوجية النشاط الجهادي المسلح والتنادي إليه سابقاً في أفغانستان أو الشيشان أو البلقان وترويجه في سورية وليبيا. ولا يمكن إرجاع نجاح «داعش» في العراق وسورية إلا إلى سببين، الأول حال الفوضى الخلاقة، والثاني الدعم الإقليمي من بعض الدول للتنظيمات الإرهابية. ومن حيث المرجعية الفكرية، وهي بيت القصيد، يعتمد متطرفو التيار السلفي الجهادي على كتب معينة، من أهمها «معالم على الطريق» لسيد قطب، «الفريضة الغائبة»، «ملة إبراهيم» لأبي محمد المقدسي، «الجهاد والاجتهاد»، «تأملات في المنهج»، لأبي قتادة الفلسطيني، «دعوة المقاومة الإسلامية العالمية»، لأبي مصعب السوري، «العمدة في إعداد العدة» لسيد إمام، «الولاء والبراء» لأيمن الظواهري، «آيات الرحمن في جهاد الأفغان»، لعبدالله عزام. وأخيراً، المنهج التنفيذي في كتاب «إدارة التوحش»، ومؤلفه مجهول يدعى أبو بكر ناجي. واقعياً، لم تجر دراسات حول العائدين من «داعش» حتى يمكننا وضع توصيف علمي لإرهابيي «داعش» الذين مارسوا القتل والسبي وتدمير كل صور القيم الإنسانية والأخلاقية، لكن من واقع كتابات علماء الاجتماع، ومنهم جيمس فريزر ولان فلتون James Fraser Lan Fulton في تحديدهم مفهوم الإرهاب من بنية شكل المجموعة Group Structure يظهر أن شكل الجماعة الإرهابية ينقسم على النحو الآتي: القيادة التي تضع السياسة وتخطط أثناء تقديمها للتوجيهات العامة، والكادر النشط وهم الإرهابيون الذين يتولون مسؤولية تنفيذ المهمات التي توكل إليهم، ثم يأتي المؤيدون النشطون وهم من يقومون بمد الإرهابيين في الميدان بالمأوى، والمعلومات، والاحتياجات اللوجيستية من خلال قنوات الاتصال السرية، ثم يأتي المؤيدون السلبيون، وهم يصعب التعرف إليهم ولكنهم يمثلون عنصراً ميدانياً في المناخ السياسي، ونظرياً أدعم الرأي الذي يوصف العائدين بثلاث حالات هي: العائد المحبط/ العائد المتردد/ العائد المنتقم. الأول والثاني يمكن الحوار معهما، أما الأخير فقد يكون بدأ ممارسات إجرامية جديدة على غرار ما عايشه في سورية والعراق وليبيا. وجميعهم ينبغي أن يراعوا لجهة حاجتهم إلى معالجة مختلفة عن ذي قبل في إطار الخطاب الديني المأمول، ناهيك بمتطرفي العالم الافتراضي الذين يحتاجون إلى مواجهة مختلفة في عالمهم الشبكي. ومنذ عامين تقريباً، أطلق الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي مبادرته لتجديد الخطاب الديني لإدراكه أن المواجهة الفكرية ضرورة إلى جانب المكافحة الأمنية للتطرف والإرهاب. وكرر السيسي مبادرته في أكثر من لقاء، ثقة منه بعلماء الأمة، لكنها ظلت لا تبارح موضعها يتداولها المسؤولون في المؤسسات الدينية بين مؤيد ومعارض ومسارع ومعوق، ويفتح ملف الخطاب الديني كلما وقع حادث إرهابي سواء كان كبيراً أم صغيراً، وآخرها أحداث طنطا والإسكندرية والمنيا المؤلمة. وعادة ما تكون الفترة الزمنية التي يشغلها فتح الملف مرتبطة بحجم الجريمة الإرهابية الواقعة ونتائجها. فقد ظل الملف مفتوحاً بعد الحادث الإرهابي ضد كنيسة العباسية وبدأ يخفت تدريجياً إلى أن توارى، أما عن الممارسات فهي أقل كثيراً من حماسة المبادرات، يقيناً بأن تحديث الخطاب الديني هو اجتزاء للقضية الرئيسة، لأن أسبابه كثيرة، منها غياب العدالة الاجتماعية وتراجع الحريات السياسية وفرض الوصاية على كل من يمارس السياسة بمعناها الأوسع، وبالتالي فإن أطراف المعادلة تعددوا في المسجد والمدرسة والجامعة والأسرة والحزب والأسواق والمسرح والسينما والتلفزيون، ناهيك بوسائل التواصل الاجتماعي في الفضاء الافتراضي. إن مسؤولية تجديد الخطاب الديني لا تقع على المؤسسة الدينية فقط، بل هي مسؤولية مجتمعية، كما أن الرؤية ينبغي أن تكون استراتيجية وشاملة في ما يتعلق بتجديد الخطاب الديني، ولتكن البداية مع التعليم عموماً والديني بخاصة بتنقية مناهجه من شوائب كثيرة. إلى جانب اختيار دقيق لقيادات تنفيذية واعية حتى تحقق استراتيجية تجديد الخطاب الديني أهدافها، وفي مقدمها حماية الشباب من «الانحراف الفكري»، حفاظاً على الأمن الوطني.     * كاتب مصري

مشاركة :