النص الشعري ولعبة الانزياح الخجول في شعر عبدالحميد القائد

  • 6/24/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

رسم التاريخ الأدبي مراحل تحولات الشعرية في البحرين على وفق التيارات الأدبية التي سادت في الوطن العربي متجهًا في هذا المرسم الى المنظور الزمني المرتبط بالمرحلة التاريخية التي ظهر فيها الشعراء، وكان رائد هذا الاتجاه الدكتور علوي الهاشمي الذي أصدر كشافًا عن شعراء البحرين المعاصرين من عام 1925 وحتى 1985، إذ جاء في مقدمة ذلك الكشاف ما نصه: «حاولنا في هذا الكشاف التاريخي -التوثيقي- التحليلي، الجمع بين طرفي التاريخ والفن عند كل شاعر». ووجد الهاشمي أن الصف الثاني المجدد في الحركة الشعرية البحرية يتمثل في ثلاثة شعراء هم: (يعقوب المحرقي، وعلي الشرقاوي، وعبدالحميد القائد)، وبهذا جعل الهاشمي الموجة الثانية من عملية التجديد مقتصرة على الشعراء الثلاثة والتجديد في موجته الثانية يكمن في قصيدة التفعيلة بعد موجتها الستينية الأولى. وبفحص نصوص الشعراء الثلاثة يجد المتابع أن هؤلاء الشعراء من الذين أكدوا بنية قصيدة التفعيلة في الشعر البحريني، فعلى الرغم من تفاوت الاهتمام بالايقاع بين شاعر وآخر، إلا أن الصفة المشتركة بينهم تكمن في التأكيد على نمط التفعيلة في كتاباتهم الشعرية كما يجد المتابع اختلافًا في سعة المساحة الأدبية التي يكتب فيها كل شاعر من هؤلاء الشعراء فهناك من كان إنتاجه غزيرًا وهناك المقل في نتاجه. ولكي لا تتداخل الرؤى فإننا سنسلط الضوء في هذه المقالة على الشاعر عبدالحميد القائد وتجربته الشعرية منطلقين من الخصائص البنيوية لقصيدته، ففي مجال الإنتاج اتصفت تجربة القائد بمحدوديتها لأنه لم يصدر منذ بداية اهتمامه بالشعر في مطلع السبعينات وحتى منتصف الثمانينات سوى مجموعتين شعريتين الأولى بعنوان «عاشق في زمن العطش»، ومجموعة أخرى بعنوان «صخب الهمس»، وهذه القلة في شعره لا تشكل عيبًا في شعرية النص عنده، خاصة إذا كانت تلك النصوص متجاوزة ومجددة، ولكي نفحص هذه المسلمات النقدية، نبدأ من الإيقاع في شعر القائد، إذ تشير الإحصاءات التي ثبتها الدكتور علوي الهاشمي أن معظم قصائد القائد تنتمي الى بحور (المتدارك والرجز والرمل والخبب)، ولكن الدكتور الهاشمي لم يحلل دلالة اعتماد القائد على هذه البحور، والحقيقة أن هذه البحور تعد من البحور السريعة في القصيدة العربية لأنها تبدأ بالسبب الخفيف (حركة سكون) الذي يؤدي الى جعل الايقاع قافزًا وهي سمة القصيدة العربية الستينية والسبعينة. لذلك غلبت صفة السرعة على شعر القائد، وهذه السرعة انسجمت مع موضوعاتها المباشرة ذات الطابع السردي، وهذا الإطار الذي يكاد يغلب على قصائد القائد ربما يكون سببا في توجهه الأخير نحو الرواية، إذ قدم القائد في المدة الأخيرة رواية «وللعشق رماد»، التي تتحدث عن تحولات الحياة في البحرين في مرحلة الاحتلال البريطاني، ويبدو أن هذا التوجه السردي وجد مقدماته في شعر القائد كما في قصيدة (تلويحة الغريب) التي يقول فيها: «سألني الواقف جنبي /‏ أيها الغريب /‏ لمن تلوح بيديك كل هذا الوقت /‏ حتى كاد الموج يمل من وقفتك /‏ فأنا لا أرى أحدًا /‏ قلت ولن ترى /‏ ولن أرى /‏ غير أني سأستثمر هذا التلويح...»، وبتحليل هذه القصيدة نجد أن النص لم يعتمد الصورة في بنائه وكانت لغة السرد هي الطاغية فيه واعتمد الشاعر على لعبة المفارقة التي تنماز بها قصيدة النثر، ولكن حتى هذه المفارقة في مقصديتها أضاعها النص في بنيته السردية التقريرية. أما بشأن بنية الايقاع القافز فيمكن ملاحظة ذلك في قصيدة (أحزان ليل شتائي) التي يقول فيها: «عن أي الأحزان أحدثك؟ /‏ يا امرأة الظل /‏ فالحزن الراجف في قلبي /‏ يحمل وجه الموت ولون الماء /‏ طفل حزني /‏ رجل.../‏ امرأة عذراء /‏ شلال يسقط في نهر العالم...»، ينسجم الايقاع السريع هنا مع حركة الصورة الشعرية، لأن تحولاتها الداخلية تنتقل من علاقة الى أخرى من دون مقدمات، فالتحول في الخطاب الى المرأة انماز بتفصيله في صفاتها، (امرأة الظل، امرأة عذراء) لتتكون علاقة بين الحزن والمرأة وذلك من خلال علاقة الأنا بالآخر. بعد أن توجه النص اليها بخطابه، وعلاقة بين الأنا والحزن ويتضح ذلك في علاقة الحلول، كما يتضح ذلك في: «طفل حزني /‏ رجل /‏ امرأة عذراء..»، وقد أسهم الانتقال في تكوين متوالية الصور في هذه القصيدة بانتاج ثنائية العلاقة بين الحزن من جهة والمرأة والأنا من جهة أخرى، وتوالي الصور يعني بالضرورة حاجة النص الى الإيقاع القافز. وكان (الخبب) أفضل مخرج لمواءمة الإيقاع مع الدلالة، في ضوء هذه المزية الخاصة بشعر القائد، لم يستطع النص إشباع الصورة وعلاقاتها بما يؤدي الى انتاج عوالم متخيلة ورموز عميقة، لذلك غلبت صفة المباشرة على نص القائد، وهذا هو السبب الذي جعل الهاشمي يطلق تقويمه النقدي على شعر القائد من دو أن يدخل في التفاصيل، إذ يقول الهاشمي في معرض تقديمه للقائد ما نصه: «هو أكثر محافظة على شكل القصيدة التفعيلية وتراكيب اللغة وانطلاق الخيال»، ولكن هذا التقويم النقدي لا يمكن أن يكون نهائيًا، خاصة إذا اتجه الى البنيات الأخرى في نص القائد، وهذه البنيات يمكن قراءتها في نصوص جديدة نشر بعضها القائد، واتخذت من نمط النثر تشكيلة لها كما يمكن مقاربة التحولات الشعرية الجديدة في نص القائد مع قصيدة التفعيلة التي كتبها في العقود السابقة لبيان مستويات الشعرية في نصه المنبني على التفعيلة والنثري، وهذا ما سنبحثه في المقال القابل.

مشاركة :