عنوِنوها بما شئتم.. أعزائي القراء

  • 6/24/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أيها السادة.. يا مَن تتولون أمورنا نحن الرعية.. شكراً لكم. يا من تسعون لتغليب مصلحة العامة على كل شيء.. يا من نلمح في قراراتكم دوماً واو الجماعة.. واونا جميعاً نحن الشعب المغلوب على أمره.. أصحاب "الكرافتات" والمعالي شكراً جزيلاً لكم.. أما بعد: فلا أدري من أين أطفق في امتناني هذا.. فليكن من مربط قوله صلى الله عليه وسلم: "من غشنا فليس منا". شكراً لأنكم تدرأون الغش بكل ما أوتيتم من قوة، نحن نقدِّرُ مجهوداتكم الجبارة في دحض ما يشين الأمة، ويرميها بين أطراف الذل والمهانة، ثم لا نملك إلا أن نقدِّرَ ذلك؛ إذ لا حول لنا ولا قوة، أما القوة فقد تطايرت مع ريح أتت عواصم عقولنا ذات يوم فلم تشأ إلا أن تهلك حرثها ونسلها، يوم التقى الجمعان هذا جاهل وذاك ناهض، فكانت الغلبة للأقوى "جمع الجهل العظيم". منذ ذلك اليوم ونحن نتخبط في غياهب جهلنا وغيابات انحطاطنا.. المهم لكم كل الشكر. لكم شكر خاص؛ إذْ استطعتم الاستخفاف بعقولنا، جعلتمونا نقف على مسارح الكوميديا التي تبكي بدل أن تضحك، لكننا نتفرج بدهشة ثم نضحك ونقهقه حتى.. ما يُحسب لكم أيها السادة أن الواقع لدينا تحول إلى نكت بفضلكم. إليكم جمهور القراء نكتة جديدة أقرب إلى القرف منه إلى الضحك أو إلى شيء آخر.. السابعة صباحا.. يوم رمضاني حار ومشمس، بمجرد أن تطأ قدمك الأولى الحافلة حتى تسارع اليدُ إلى الجيب قاصدة الهاتف الخلوي، هو وحده من يتيح للمرء الاختلاء والهروب من هذه الوجوه الشاحبةِ ملامحُها الناعسةِ أعينُها المتجهمةِ تفرساتها والصاخبة أصواتها، الأصوات بلا فائدة، والكلام بلا معنى. العقدة رقم 01: لا وجود لشبكة الإنترنت في البلاد، من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها. غريب.. لا ليس غريباً، فقد تعودنا.. عشنا هذا الحدث مرتين.. قيل لنا مرة إن سمكة القرش أكلت "الكابل" المركزي الذي يعتبر مصدر الإنترنت في البلاد.. هههههه لماذا تضحك؟ أقسم بالله هكذا قالوا لنا. لا علينا نعود إلى الحافلة.. عليَّ الاستعانة بأحدهم لمعرفة الأسطورة الجديدة. سألت الجالس أمامي فردت فتاة متذمرة مستاءة من هذه القطيعة المفاجئة، فهي الأخرى وفية لعادتها الصباحية، وهي أيضاً لا تحب تلك الأصوات التي تتحدث في الحافلة بصخب عن أسعار البطاطا وأخبار الجرائم ولاعبي الكرة وقوم تبع... إلخ. الحبكة: تقول الفتاة: لقد تم قطعها؛ لأن اليوم أول يوم من البكالوريا، وستعود إلى الخدمة على الخامسة مساءً. أومأت برأسي متفهماً، لكنني لم أكن قط متفهماً ولا موافقاً، لم أرد التعليق حتى لا يدخل ذاك الكهل على الخط بتعليقاته التافهة، إنه يفقه في كل شيء، منذ إقلاع الحافلة وهو يحلل ويفتي ويمدح ويهجو ويطعن ويفتخر، لقد جمع كل الأغراض في كلامه. من الجهة المقابلة ينطق شاب استيقظ لتوه فقد كان غاطاً في شوط نومه الثاني: ليس من حقهم قطع "النت" فنحن ندفع التكاليف، هل سيعوضوننا يا ترى حق الأيام الضائعة؟ مسكين لم يهتم إلا للناحية المادية ولم يعلم أن الأمر أبعد من ذلك. "نم يا عزيزي نم، فلا أرى لك خيراً من النوم" قلت في نفسي. شاب مهندم يضيف: "بفففف كل شي عْوَجْ، الناس تتقدم وحنا نرجعوا اللور". يقطع كلام عجوز قائلاً: "الله لا يردُّوا هاذ الإنترنت هو اللي فَسَّدْ لي جون"، أي قطعه الله هذا الإنترنت فهو من أفسد الناس. يرد الشاب ثم ترد هي، ثم يتدخل آخر، ثم يصغي رجل آخر بإمعان.. تركت بعضهم يموج في بعض، وذهبت إلى لب الموضوع، سافرت إلى ذاكرة عمرها عامان، مشاهد لتحقيق صحفي أنجزته رفقة زميل لي اقتحمنا من خلاله شبكة مجندة بكافة الوسائل للغش في الامتحان المصيري، تلك الشبكة كانت راعياً رسمياً لنجاح المترشحين المدوي، وافتكاك المنطقة دائماً المراتب أولاها.. كان ذلك صدمة كبيرة بالنسبة لي، فلأول مرة أرى مصداقية البكالوريا تهز بشكل فاضح جهاراً نهاراً.. بعد بث ذاك التحقيق خرجت وزيرة التربية من جحرها تصرح للصحافة بأن الأمر دُبر بليل لإسقاطها، لكن الإسقاط الحقيقي لمستوى العلم والتربية في البلد لم تتحدث عنه، لا هي ولا تابعوها بغير إحسان. مر عام آخر وجاء موسم 2016، سبقته تهديدات ووعيد للغشاشين، لكن بلا جدوى فالقوم باتوا ضُلُعاً محترفين. المفاجأة.. المواضيع تسرَّب ليلة الامتحان، والطالب في جلسة ليلية مع الحلول والحفظ، وجلسة صباحية لإفراغ ما في الجعبة. أما العام هذا فلم تجد الوصاية رأياً أنجع من قطع الإنترنت كلية، لكي لا تتسرب المواضيع من وإلى ثقوب أقسام الممتحنين، ولكي لا يستعمل التلاميذ وسائلهم التكنولوجية في الغش. بعد سماعك مباشرة لهذه الذرائع الواهية تراودك أسئلة كالسيل العرم.. بدل قطع حق العنكبوت (الشبكة العنكبوتية) الذي بات بلا شك حقاً مشروعاً يكفله الدستور للمواطن، لماذا لم تنصب أجهزة تشويش في مراكز الإجراء؟ لماذا لم يتم استخدام جهاز "سكانير" لمنع وصول ترسانة التكنولوجيا وجيوشها إلى الأقسام؟ والأهم لماذا تقهقر المستوى التعليمي كما يتقهقر شيخ هرم من علا جبل إذا ما تعثر؟ لماذا غدت المنظومة التربوية فاشلة بكل المقاييس، وبمسؤولية الجميع، هذا الجميع الذي تنصل من ثقافته وأخلاقه، طالب يغش في أهم امتحان؛ ليصبح طبيباً ومهندساً وطيار الغد، ووصاية بدل أن تعالج الجراح الحقيقية بحكمة تزيد من عمق هذه الجراح، ونحن على المرأى نخال أنفسنا في قرية من قرى الرسوم المتحركة.. وأولياءٌ يـ.. على ذكر الأولياء، تفضلوا معي لأفشي لكم سرا أيها القراء الكرام، سراً أجدني لحد الساعة محتاراً في فك طلاسمه: وأنا أعد تحقيقي ذاك، صورت خفية أولياءً يتواطأون مع أبنائهم في الغش، أحدهم يملي الإجابة في الهاتف، والآخر يتهافت للظفر بموضوع الامتحان المسرب.. والله ربي على ما أقول شهيد. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :