سلط باحثون ومهتمون بقضايا وشؤون جماعات الإسلام السياسي في مائدة مستديرة بدار الثقافة بمدينة الدار البيضاء الضوء على الاسباب الاجتماعية والسياسية والثقافية للتطرف. ودعا الباحث في الدين والسياسة الدكتور بوبكر الونخاري خلال اللقاء الذي نظمه مركز الدراسات والأبحاث الإنسانية (مدى) إلى التمييز في الحديث عن التطرف في الواقع بين حالتين للظاهرة، ظاهرة متكاملة الأركان، وظاهرة محدودة في الزمان والمكان. وأكد أن المجتمع المغربي مسالم بطبعه والتنوع الذي يزخر به مجتمعنا يغنيه ولا يدعوه إلى التطرف. واشار في مداخلة له إلى أن التطرف موجود في كل دين وعصر والجميع مارسه، غير أن الأميركيين يسعون إلى ربط الظاهرة بالإسلام والمسلمين. واكد الباحث المغربي على قصور الاستراتيجية المتبعة في دول عربية على محاربة التطرف والمتطرفين. واعتبر ان ذلك يعود إلى الخلط بين التعامل مع الحركات الإسلامية المعتدلة والتعاطي مع الحركات الإسلامية المتطرفة. وأشار إلى أن الشعوب فقدت الثقة في هذه الأنظمة التي تضع الجميع في سلة واحدة بدعوى محاربة التطرف، وبالتالي فإن من يمارس الظلم ويدعمه لا يعول عليه في محاربة الإرهاب والتطرف. واعتبر بوبكر الونخاري ان "الأنظمة الأوروبية والأميركية والغربية عموما" تخلط بين "المقاومة المشروعة" وبين التطرف وهذا ما يفقدها ثقة الشعوب العربية. وحسب الباحث في شؤون الدين والسياسة، فإن التطرف جاء نتيجة للاستبداد الذي تمارسه أنظمة غير ديمقراطية غير شرعية، ذلك أن الشعوب لم تخترها عبر انتخابات حرة ونزيهة... ومن هنا تصبح أغلبية الشعب حاضنة للمتطرفين. واعتبر ان الأنظمة الدكتاتورية ليست غير شرعية لدى أغلبية الشعب فقط، بل لدى المتطرفين أنفسهم. وشدد الخبير في شؤون الدين والسياسة أن النظام الديمقراطي وحده الكفيل بكسر شوكة التطرف والمتطرفين والقضاء عليهم. وانطلق الباحث في الحركات السلفية الدكتور عبدالحكيم أبواللوز من خلال دراسة ميدانية للتأكيد على أن الحرمان الاقتصادي والاجتماعي اصبح يعتبر من بين أحد العوامل الرئيسية في التطرف، متسائلا إن كان هذا الحرمان يقود دائما إلى التطرف؟. وأشار المتدخل إلى ضرورة التمييز بين "التطرف" و"التطرف العنيف". وشدد على ان السلفية الجهادية تقدم خطابا يجعل المتطرف يسعى إلى الخلاص من هذا العالم وتقديم نفسه كفداء". الباحث الدكتور عبدالإله الكلخة والمتخصص في الدين والسياسة قال في نفس اللقاء، بأن التطرف في معناه العام اتخاذ موقف معادي لفكر الآخر المخالف أو المختلف عنا، وأسبابه ودواعيه لها علاقة بالتاريخ كما السياسة والأخلاق. وبين الكلخة ان التطرف هو الظاهر في اليومي والمعيش، إذ ما يعتبره الآخر تطرفا وإرهابا، يعتبره الأول مقاومة ودفاعا عن النفس. وأشار إلى "الحرب المقدسة" في العراق لبوش، وللعمليات التي قام بها "شارون" تحت مسميات مقدسة. وبسط الباحث خلال مداخلته مجموعة من الأطروحات والتصورات الفلسفية التي تعالج موضوع التطرف، انطلاقا من هوبز وحنا أرندت في تعريفهم للعنف، وما يرتبط بالمفهوم من البحث عن صاحب الشرعية والمشروعية في اللجوء إلى العنف. واعتبر أن الدولة لدى العديد من المفكرين هي صاحبة "العنف المشروع"، وغيابها يعني ضياع حرية الأفراد والمجتمعات. وأضاف "إن العنف قد يستحيل إلى قوة وهي وسيلة للإكراه، وفي غياب للإكراه على الفعل تصبح القوة هي الضامن لاستقرار الوضع. والعنف هو إحساس بدائي، غريزي وحيواني وما يبدده هو إخضاع العواطف والانفعالات للعقل، التأمل والمساءلة". وأكد رئيس مركز الميزان للوساطة والدراسات والإعلام والباحث في الدراسات الإسلامية محمد عبدالوهاب رفيقي أن الحافز الديني هو الذي يشجع على التطرف، ذلك أن المتطرف يتصور أن العملية الجهادية فيها الخلاص الكامل، مبينا أن هذا هو ما يفسر غياب الدافع الاقتصادي والاجتماعي في أسباب لجوء عدد كبير من الأشخاص إلى التطرف. وتحدث أبوحفص كذلك عن عامل آخر أطلق عليه اسم "عامل التاريخ: تاريخ الماضي وتاريخ المستقبل". وقال في مداخلة له "يتسرخ في الوجدان والعقول التاريخ الإسلامي بطريقة طوباوية مليئة بالامجاد ويخلو من نقاط سلبية". واضاف "نجد دائما أن التاريخ يرتبط بالمعارك والحروب في مخيلة الاطفال، مما يجعل البعض منهم عندما يكبرون يسعون لاستعادة هذا التاريخ بشتى الوسائل والسبل".
مشاركة :