واشنطن- بعد دخول العقوبات الأميركية ضد إيران بتاريخ 5 نوفمبر الجاري حيز التنفيذ، اعتبر مراقبون أن القرار لا يهدف إلى إسقاط النظام الإيراني إنما يريد إضعاف الاقتصاد في هذه البلاد، كمحاولة للضغط على طهران وثنيها عن دورها التخريبي الذي تصر على انتهاجه في المنطقة. واعتبر المراقبون أن الإدارة الأميركية تسعى من خلال العقوبات إلى إعاقة البرنامج النووي الإيراني، وكسر شوكة طهران في الشرق الأوسط من خلال الميليشيات التي تدعمها والتي تخوض عنها حربا بالوكالة في العراق وسوريا ولبنان. ووجدت الولايات المتحدة في النفط الوسيلة الأنجع لردع التهديدات الإيرانية. وقال البروفيسور مراد أصلان، عضو الهيئة التدريسية في جامعة يلدريم بيازيد بأنقرة، ورئيس الشأن الاقتصادي في مركز الأبحاث الإيرانية “إيرام”، إن 8 دول خفّضت استيرادها للنفط الإيراني بحدود 30 بالمئة حيث امتثلت للعقوبات الأميركية. وأردف أصلان قائلا إن واشنطن اعتبرت قرارات الدول الثماني في تخفيض استيراد النفط الإيراني مؤشر حسن نوايا تجاهها وبناء عليه ستعفيها من قرار العقوبات. وسبق لمستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتن أن أشار إلى أن هدف الإدارة الأميركية عبر حزمة العقوبات التأثير على طهران، وليس التأثير على الدول التي تعتمد على النفط الإيراني، حيث قال “نريد تحقيق أقصى قدر ممكن من الضغط ولكننا لا نريد التسبب بالضرر لأصدقائنا وحلفائنا”. كما تحدث بنبرة استرضائية حين أقرّ بأن بعض الدول “قد لا تتمكن من تقليص وارداتها النفطية إلى نقطة الصفر بصورة فورية”. الولايات المتحدة تحاول تغيير النظام الإيراني منذ سبعينات القرن الماضي، وخاصة منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش عندما صنّف إيران ضمن "محور الشر" وإعفاء الولايات المتحدة للدول الثماني ليس إعفاءً مطلقا، إذ يجب التركيز على هذه النقطة، حيث تُعفي واشنطن هذه الدول شريطة أن تخفّض استيرادها للنفط الإيراني على فترات محددة كل 6 أشهر. ويشير معهد واشنطن للدراسات إلى أن استراتيجية دونالد ترامب بخصوص الضغط على إيران تقوم على فرضية مهمّة، وهي وجود ما يكفي من طاقة إنتاج النفط الاحتياطية في أماكن أخرى من العالم للتعويض عن خسارة الإمدادات الإيرانية دون التسبب بزيادة غير مرغوب فيها وهي ارتفاع الأسعار. وبناء عليه فإن الدول الثماني، ومن بينها تركيا، إن كانت تستورد على سبيل المثال 200 برميل من إيران، ستخفّض هذه النسبة إلى 100، وبعد 6 أشهر ستخفض الكمية إلى 50، وفي الأشهر الستة اللاحقة ستوقف استيراد النفط الإيراني، أي أن الأمر سيتم على مراحل. ويلاحظ معهد واشنطن أن تكتيك إقناع زبائن النفط الرئيسيين لطهران بشراء نفطهم من أماكن أخرى لاقى نجاحاً متفاوتاً. ففي حين توقفت اليابان وكوريا الجنوبية عن شراء النفط الإيراني، أفادت بعض التقارير بأن الهند والصين وتركيا تعتقد أن الإمدادات العالمية ليست كافية لاستبدال مشترياتها من إيران. ويقول أصلان “الدول التي تعتبرها واشنطن حليفة لها، باستثناء الصين، مضطرة لاستيراد النفط الإيراني، ولهذا السبب فإن الولايات المتحدة عندما تفرض عقوبات على إيران تقوم بتوجيه صفعة لحلفائها أيضا في الوقت نفسه”. ويعتقد المراقبون أن واشنطن تمارس الضغط على إيران عبر العقوبات بهدف تغيير سلوكها والتفاوض بشأن القضايا النووية والصاروخية والإقليمية وللاستجابة للشروط الـ12 الشهيرة التي أطلقها مايك بومبيو في 21 مايو الماضي لتفسير سرّ انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي في الـ8 من نفس الشهر. ولا تبدو واشنطن حريصة على إسقاط النظام بقدر حرصها على الضغط عليه وإنهاكه اقتصاديا وإجباره على العودة إلى طاولة الحوار التي قد تولد اتفاقية جديدة بين واشنطن وطهران دون اضطرار الولايات المتحدة إلى خوض مغامرة جديدة عبر الإطاحة بالنظام الإيراني التي ستكون تكلفتها باهظة. ويعتقد أصلان “أن تركيا وأوروبا تعتبران سيادة الفوضى وعدم الاستقرار في إيران خطرا على المنطقة بأكملها”. لافتا أن هناك مخاوف دولية من احتمال أن عدم الاستقرار في إيران سيؤدي إلى تشكل موجة لاجئين كبيرة، وهو ما يفسر جهود الاتحاد الأوروبي لإيجاد حل إزاء قرار العقوبات الأميركية. واشنطن تريد قصم ظهر طهران عبر حزمة العقوباتواشنطن تريد قصم ظهر طهران عبر حزمة العقوبات بدوره قال الباحث سيرهان أفاجان، عضو الهيئة التدريسية في جامعة “إسطنبول ميدنيت” والمختص بالشأن الإيراني، إن الولايات المتحدة فرضت أقسى العقوبات بحق إيران عبر تاريخها، من خلال الانسحاب من الاتفاق النووي في شهر مايو الماضي، ومن ثم فرض العقوبات الجديدة في نوفمبر الجاري. وتتضمن العقوبات الأميركية عددا من النقاط المهمة، أبرزها النفط الإيراني، حيث تريد واشنطن وقف مبيعات طهران من النفط، فضلا عن تحديد حركة السفن الإيرانية إلى الموانئ الدولية، وحركة السفن الأجنبية كذلك إلى الموانئ الإيرانية، إلى جانب تحديد حركة الطائرات الإيرانية إلى المطارات الدولية، وعزل إيران عن الساحة الاقتصادية الدولية. ورأى أفاجان “أن الولايات المتحدة تريد القضاء على الاقتصاد الإيراني، وقصم ظهر طهران عبر حزمة العقوبات”. وأوضح أن الولايات المتحدة تحاول تغيير النظام الإيراني منذ سبعينات القرن الماضي، وخاصة منذ عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش عندما صنّف إيران ضمن “محور الشر”. لكن الإدارة الأميركية الحالية تبدو منقسمة حول هذه النقطة. ويبين أفاجان أنه رغم وجود أسماء في الإدارة الأميركية الحالية -مثل جون بولتون، ومايك بومبيو- تطالب بإسقاط النظام الإيراني، إلا أن ترامب عارض ذلك قائلا “إن تغيير النظام الإيراني ليس عملنا”. وأشار أفاجان إلى أنه يستبعد أيضا احتمال إسقاط النظام الإيراني، وأن الولايات المتحدة تسعى فقط لترويض طهران. وأعرب عن اعتقاده أن واشنطن تهدف إلى كسر شوكة إيران بهدف زوال خطرها على المنطقة. واستدرك بالقول “لا يمكن للولايات المتحدة بمفردها تغيير النظام الإيراني، خاصة مع وجود دول كبرى لديها حساسية تجاه مصير إيران، مثل الصين وروسيا”.
مشاركة :