مريضة سرطان الثدي ليست نصف امرأةالغريزة الفطرية للبشر تجعل الكثيرين مستعدين للتضحية بأي شيء مقابل أن يعيش مرضاهم بضع سنوات إضافية، إلا أن البعض من المصابات بسرطان الثدي في المجتمعات العربية يبخل عليهن أقرب الناس إليهن بالدعم النفسي الذي يمثل نصف العلاج.العرب يمينة حمدي [نُشر في 2017/06/25، العدد: 10674، ص(20)]اضحك للدنيا تضحك لك تصاب امرأة من بين كل ثماني نساء بسرطان الثدي في مرحلة ما من مراحل حياتها، وتُسجّل سنويا أكثر من مليوني إصابة جديدة وأكثر من ألف وأربعمئة حالة وفاة يوميا. وتواجه المرأة التي يتم تشخيص إصابتها بالسرطان ضغوطا نفسية كبيرة تجعلها عرضة للتوتر والإحباط واليأس والاكتئاب، ممّا يؤثر على فعالية العلاجات الطبية وعلى سلوكها وعلاقاتها مع المحيطين بها. وتكون الحالة النفسية أحيانا عائقا كبيرا أمام علاج مثل هذا الورم السرطاني الخبيث والشفاء منه، وتأثيرها قد يكون أكبر من اكتشاف السرطان في مراحل مبكّرة أو متأخّرة، غير أنه بإمكان المريضة تقبّل المرض والاستمرار في حياتها بشكل طبيعي والسعي للعلاج، ولكن كل ذلك مرتبط بمدى تلقيها للدعم النفسي من المستشفى ووسطها الأسري والاجتماعي. ورغم أن الرعاية الطبية لمعالجة السرطان قد تطورت كثيرا والطب عموما شهد تقدما كبيرا في عدة بلدان، لكن أغلب المستشفيات المختصة في علاج الأورام السرطانية في الدول العربية لا تولي أهمية كافية للجوانب النفسية والمجتمعية لهذا المرض. ألم نفسي وجسدي وأكد الخبراء على ضرورة الحرص سواء من قبل المختصين النفسيين داخل المستشفيات أو أقارب المريضة وأصدقائها على رفع معنوياتها قبل البدء في العلاج وأثناءه وحتى بعد الانتهاء منه، ممّا سيساعدها على تقبل المرض والتأقلم مع التغيرات الجسدية والنفسية والحياتية المصاحبة له، كما سيمنحها ذلك الشعور بالقوة والإرادة ويساعدها على التغلّب على الاكتئاب. وشدد الأطباء على أهمية اكتشاف سرطان الثدي في مراحل مبكرة، لأنه كلما اكتُشف مبكرا وتم البدء في علاجه كلما كانت النتيجة أفضل، إلا أن الخجل والأعراف الاجتماعية والمفاهيم الخاطئة عن السرطان في المجتمعات العربية مقرونة بالمعرفة المنقوصة عن سرطان الثدي وصعوبة الوصول إلى مؤسسات الرعاية الصحية ما زالت تعوق العديد من النساء عن إجراء فحوص التصوير الإشعاعي المنتظمة، الأمر الذي يؤخر الكشف عن المرض. كما تتخلف الكثيرات عن الكشف وطلب العلاج، ولا يطلبن يد المساعدة إلا بعد أن يفتك السرطان بأجسادهن، خوفا من وصمة المرض ونظرة المجتمع التي ترهقهن أكثر من خوفهنّ من الموت. ولا يكفّ الجيران والأقارب في الغالب عن إطلاق الأحكام المسبقة على المريضات، ويستمرون في إيذائهن نفسيا، وقد يصل الأمر ببعض الرجال إلى تطليق زوجاتهن عوض مساندتهن على تخطي هذه المرحلة العصيبة من حياتهن.التأهيل النفسي لمرضى السرطان متوفر تقريبا في جميع المستشفيات بالدول المتقدمة وقد أثبتت الأبحاث والدراسات أن نسب الشفاء تتزايد عندما تكون الحالة النفسية للمريضة جيدة ويبدو من الصعب على أيّ شخص فهم حقيقة مشاعر وأحاسيس مريضة سرطان الثدي إلا المصابات بنفس العلّة، ولذلك انخرطت الكثيرات منهن في جمعيات خيرية من أجل العمل على تغيير نظرة المجتمع للمرأة المصابة بالورم السرطاني وتقديم الدعم النفسي الذي افتقد في الكثير من الأوساط الأسرية والطبية. وحملت الممثلة التونسية أمال سفطة، بعد اكتشاف إصابتها بسرطان الثدي الذي انتشر في كبدها، على عاتقها مهمة نبيلة من أجل أن توصل صدى صوتها الموجوع جسديا ونفسيا لكل امرأة، فجابت المدن والقرى التونسية وتحدثت في الأوساط التربوية والصحية والمهنية عن هذا المرض الخبيث الذي يستهدف وفقا لإحصاءات رسمية حوالي 2000 امرأة تونسية سنويا، في محاولة للتوعية والتعريف بخطورة السرطان، وبكيفية التوقي منه وكذلك التعامل معه. وسردت سفطة تفاصيل تجربتها مع سرطان الثدي لـ”العرب” دون تردد، موضحة أن إرادتها كانت أقوى من وقع المرض ومن مخلفاته ومن نظرة المجتمع التي تنعت المرأة المصابة بهذا الورم بالعاجزة، وتحملها وزرا نفسيا يعمّق معاناتها ويضعف مناعتها ويجعل جسمها عاجزا عن مكافحة المرض والشفاء منه. ولم تكتف سفطة بدور المريضة بل أرادت أن تكون ملهمة للنساء بتجربتها في مقاومة السرطان وبمؤلفاتها العلمية التي حاولت من خلالها سبر أغوار مرضها وتخفيف آلام المريضات النفسية والجسدية حتى يستطعن التشبث بالحياة ويواجهن المجتمع بأنفاس قوية، ولها إصدارات عديدة في هذا المجال ومن آخر ما كتبت “السرطان أو حياتي السرطانية”. ولم تخف الممثلة التونسية تفاجؤها بضعف الإمكانيات ونقص الأجهزة الطبية بالمستشفيات التونسية إضافة إلى غياب التأطير النفسي والإهمال للمرضى، مثنية على مساندة عائلتها لها في محنتها التي تجاوزت التسع سنوات. وقالت “تقبلت الصدمة وسعيت للقيام بالعلاج والإنفاق المادي المطلوب متحلّية بالصبر والإيمان، وعلى الرغم من أن خبر مرضي قد غيّر مجرى حياتي، إلا أنني قطعت مع الماضي وأسّست لحاضر جديد، صحيح أنه مؤلم على مختلف المستويات ولكن بقوّة عزيمتي وإرادتي أنا قادرة على مقاومته”. وأضافت “أعتبر أن هذه المحنة رحمة من الله، وقد رضيت بقضائه وقدره الذي أيقظني من غفلتي وفتح بصيرتي على الإيمان وعلى نعمه، فانتقلت من مرحلة الإسلام إلى الإيمان وأسعى بكل جهدي إلى أن أبلغ درجة الإحسان”. ولفتت سفطة إلى أنها “لم تستسلم يوما للمرض وهي حاليا تتبع نظاما غذائيا وصحيا متوازنا، وتقوم بنشاطات عديدة وببحوث علمية وطبية وفكرية”. وهناك العديد من القصص التي تدمي القلوب والصرخات المكتومة للمريضات التي تحالف ضدهن المرض وقسوة الزوج والمجتمع، وأصبح الموت أرحم بالنسبة إليهن من الرفض الذي يشعرن به في كل مكان، وهذا هو حال خميسة المرأة التونسية التي لم تتجاوز الخمسين من عمرها، إلا أن ملامحها تدلّ على أنها أكبر بكثير من سنّها، بسبب المرض الذي نال من جسدها والضيم الذي تشعر به في داخلها، جراء فقدانها لنصف العلاج، وهو دعم ومساندة شريك عمرها لها في مصابها. تقطن خميسة بأحد أرياف الشمال الغربي لتونس، وقادتها الصدفة لاكتشاف مرضها بعد أن بلغ مراحل متقدمة، أثناء زيارتها للمستوصف القريب من محل سكنها جراء شعورها المتواصل بآلام مبرحة في صدرها يصاحبها خُراج من حلمات صدرها، فوجهتها طبيبة المستوصف إلى مستشفى صالح عزيز للأورام بتونس العاصمة لشكها في إصابتها بسرطان الثدي، فنزل عليها الخبر كالصاعقة، وبمجرد أن عادت إلى المنزل وأخبرت زوجها وبمجرد سماعه للخبر طردها من البيت، وحرّم عليها لمس أبنائهما خوفا من أن تصيبهم بالعدوى. قالت خميسة التي رفضت أن تفصح عن لقبها العائلي لـ”العرب” بصوت يعلوه اليأس والكآبة وتخللته تنهيدة اعتصرت ما في صدرها من ألم إن شقيقها الأصغر قد تكفّل بمهمة اصطحابها إلى العاصمة والإنفاق على علاجها، إلا أنها لم تعد تشعر بمعنى الحياة من دون زوجها وأطفالها وأن الموت يهددها في أيّ لحظة، وأكثر ما تتمناه هو أن تمتّع بصرها برؤيتهم في آخر أيام عمرها. وأضافت “زوجي قد يكون معذورا لأنه مزارع بسيط وغير متعلّم ولا يعرف أن السرطان غير معد، ولكن الناس في وسطنا الريفي يخشون السرطان ويتحدثون عن الأشخاص المرضى به بريبة ويحذّرون من الاختلاط بهم، وأغلب المصابين بالسرطان يتكتّمون على مرضهم، ولا أحد يعلم بإصابتهم إلا بعد موتهم”. صدمة تشخيص المرض وختمت خميسة بقولها “المرض لم يرحمني وزوجي طردني والمجتمع يرفضني وفي المستشفى يعاملوني بقسوة فما قيمة حياتي، لو لا أخي الذي أصرّ على علاجي ووقف إلى جانبي لكنت الآن في عداد الموتى وارتحت من هذا العذاب، ولكني أشكر الله على كل شيء، فلا مهرب لي من قضائه وقدره”. تتساوى احتمالات العلاج الناجع لسرطان الثدي في المريضات اللاتي لديهن تاريخ وراثي للمرض، مع احتمالات غيرهن اللائي ليسن لديهن ذلك التاريخ، غير أن اكتشاف أعراض المرض مبكرا مهم للغاية، وكذلك الإحاطة النفسية بالمريضات، لأنها يمكن أن تطمئنهن وترفع معنوياتهن وتساعدهن كثيرا على تقبل المرض والسعي لتلقي العلاج. وقالت الدكتورة الفلسطينية نهى سالم الجعفري أخصائية أمراض النساء والتوليد والجراحة “الإصابة بسرطان الثدي من أصعب المواقف التي يمكن أن تواجه المرأة في حياتها، وصدمة تشخيص المرض قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية شديدة تؤثر على الصحة النفسية والجسدية للمريضة، مما يؤدي إلى تدهور حالتها، وقد يصل الأمر إلى حد الامتناع الكلي عن تناول الطعام مما يضعف مناعة جسدها أو يدفعها ذلك إلى العزلة التامة والابتعاد عن الأهل والأصدقاء”. وشددت الجعفري لـ”العرب” على أهميّة العلاج النفسي لمريضات سرطان الثدي والذي لا يقل في نظرها أهميته عن العلاج السريري. وأضافت “من المؤسف أن بروتوكول العلاج النفسي غير متوفر في معظم مستشفيات الأورام بالدول العربية، رغم أنه ضروري لرفع معنويات مريضات سرطان الثدي وتهيئتهن نفسيا ومساعدتهن على تقبل المرض والسعي لعلاجه”. وأكدت الجعفري أن خبر الإصابة بمرض سرطان الثدي لا يصدم المريضة بمفردها بل جميع أفراد أسرتها، ولذلك لا بد من حصول زوجها وأبنائها وجميع المقربين منها على المساعدة النفسية حتى يساعدوها على تخطي جميع مراحل العلاج المطولة والمؤلمة جسديا ونفسيا. وأوضحت “أعتقد أن الدعم النفسي الذي يجب أن تتلقاه المريضة من الضروري أن يتلقاه زوجها أيضا، لأن السرطان له تأثير مدمّر على عائلات بأكملها، وليس على الشخص المصاب به فحسب”. واعتبرت الجعفري أن خبر مرض الزوجة بالسرطان قد يشعر زوجها بالضيق والعجز ويؤثر على نفسيته، فإما أن تصبح تصرفاته مع زوجته مشحونة بالغضب والتوتر، وإما أن يصل الأمر إلى حدّ هجرانها أو تطليقها، وخاصة إذا كانت الإصابة بالسرطان في مراحل متقدمة ووصل الأمر إلى حد استئصال الثدي”.أكد الخبراء على ضرورة الحرص سواء من قبل المختصين النفسيين داخل المستشفيات أو أقارب المريضة وأصدقائها على رفع معنوياتها قبل البدء في العلاج وأثناءه وحتى بعد الانتهاء منه وختمت بقولها “هجران الزوج من أكثر الرضوض النفسية التي قد تعاني منها المرأة المصابة بالسرطان، عدا خوفها الدائم من الموت وفراق عائلتها، وقد ذكرت إحدى مريضاتي في حديثها عن زوجها أن انفصاله عنها كان أصعب عليها من الإصابة بالسرطان نفسه”. على الرغم من أنه لا يمكن فصل الجسد عن النفس أثناء عملية علاج المرضى، وفق ما أشار الطبيب العربي أبوبكر الرازي في كتابه “أخلاق الطبيب”، بقوله “ينبغي على الطبيب أن يوهم المريض أبدا الصحة ويرجيه بها وإن كان غير واثق من ذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس”، إلا أن أغلب مستشفيات ومصحات الأورام بالدول العربية تقدم العلاج العضوي ولا تقدم العلاج النفسي. وأكد حسن المتوكل على الله استشاري ورئيس قسم النساء والعقم وجراحة المناظير بالقاهرة على خلوّ المستشفيات ومصحات علاج الأورام السرطانية بالدول العربية من مختصين في الأمراض النفسية. وقال المتوكل على الله لـ”العرب” إن “معظم جرّاحي وأطباء الأورام في العالم العربي لم يتلقّوا أيّ تدريب نفسي من أجل تنمية مهاراتهم في التعامل مع مرضى السرطان عموما، سواء كان ذلك قبل العمليات الجراحية أو بعدها أو أثناء العلاج الكيميائي والإشعاعي”. وأضاف “الأطباء يتعاملون مع مثل هذه الحالات من خلال خبرتهم الطبية فقط على الرغم من أن التأهيل النفسي في مثل حالات السرطان يعتبر في غاية الأهمية”. وأوضح “مناهج التعليم في كليات الطب بالدول العربية فيها قصور شديد سواء في التدريس النظري أو التدريب العملي لمادة الطب النفسي، وخاصة في كيفية التعامل مع مرضى السرطان بصفة عامة والأورام النسائية بصفة خاصة. ورأى المتوكل على الله أن ظهور إصابات بسرطان الثدي في صفوف النساء الصغيرات، ممّن لم يتجاوزن الثلاثين والأربعين من العمر يستوجب التأهيل النفسي للمريضات قبل العمليات الجراحية وبعدها أو أثناء فترات العلاج المختلفة. ودعا إلى ضرورة زيادة معدل ساعات تدريس الطب النفسي بكليات الطب، وبالموازاة مع ذلك زيادة ساعات التدريب العملي في كيفية التعامل مع مرضى الأورام وخاصة النساء المصابات بأورام الثدي. الجسد وأخلاق النفس كما شدّد المتوكل على الله على أهمية دعم المستشفيات بوحدات للطب النفسي مزودة بطاقم من المختصين والاستشاريين النفسيين من أجل تأهيل مرضى السرطان وتخفيف معاناتهم وتحضيرهم نفسيا للعمليات والعلاج الكيميائي والإشعاعي، وأيضا للتخفيف من حدة المضاعفات المتوقعة بعد العلاج مثل (سقوط الشعر والوهن وفقدان الشهية…)، بالإضافة إلى تأهيل أهالي المرضى وتزويدهم بالخبرة والمرونة في كيفية التعامل مع مرضاهم. ويبدأ علاج مرضى السرطان بصفة عامة من اللحظة التي يتم فيها تشخيص الإصابة بالورم، ولذلك فإن الإحاطة النفسية بالمريض تعتبر من وجهة نظر عمرو عبدالمحسن النمر استشاري النساء والتوليد وجراحات المناظير بجامعة الزقازيق المصرية أساسية في بروتوكول العلاج. وقال النمر لـ”العرب” إن “التأهيل النفسي لمرضى السرطان متوفر تقريبا في جميع المستشفيات بالدول المتقدمة وقد أثبتت الأبحاث والدراسات أن نسب الشفاء تتزايد عندما تكون الحالة النفسية للمريضة جيدة”. وأضاف “في الحالات المرضية الصعبة، والتي قد يطول أمد علاجها، من الضروري أن توفر المستشفيات للمرضى جلسات في الدعم النفسي، ويمكن أن يقوم بذلك أطباء نفسيون بمساعدة مرضى تم شفاؤهم من الأورام السرطانية، كما يمكن أيضا للمرضى ممارسة الرياضة بانتظام لتحسين مناعة الجسم والحالة المزاجية. كاتبة تونسية مقيمة بلندن
مشاركة :